الآباء بين حلم التعليم العالمي وواقع الأقساط الخيالية

سودافاكس – سباق الآباء بين التعليم والنفوذ الاجتماعي

لم يعد اختيار المدرسة في العالم العربي قرارًا بسيطًا، بل تحوّل إلى نقاش اجتماعي وثقافي واقتصادي يعكس صورة العائلة ومستقبل أبنائها.
ومع انتشار  المدارس العالمية أو الدولية وارتفاع تكاليفها، أصبح الأمر أقرب إلى  سباق اجتماعي يجمع بين الرغبة في تعليم أفضل والسعي وراء المظاهر أو ما يسمى بـ”البرستيج”.لكن السؤال الجوهري يبقى:
هل تقدم هذه المدارس تعليمًا نوعيًا حقيقيًا، أم أنها مجرد لافتة براقة ترضي الأهل أكثر مما تنفع الأبناء؟

المدرسة العالمية.. حلم كبير وواقع مكلف

ينظر كثير من أولياء الأمور إلى المدارس الأجنبية باعتبارها مفتاحًا لمستقبل أكاديمي ومهني أفضل**، غير أن الواقع المالي غالبًا ما يكون قاسيًا.
فقد تصل الرسوم الدراسية السنوية إلى ما يعادل دخل الأسرة كاملاً، ما يجعل التعليم مشروعًا مرهقًا اقتصاديًا ونفسيًا. بعض الأسر تلجأ إلى الاقتراض أو التنازل عن احتياجات أساسية لمجاراة “النظام العالمي”، فقط كي لا يُقال إن أبناءها خارج دائرة التعليم الحديث.
يقول أحد أولياء الأمور: “أشعر أنني في سباق اجتماعي أكثر من كوني في قرار تربوي”.

اللغة الإنجليزية.. وسيلة للتطور أم أداة لفقد الهوية؟

تُعد اللغة الإنجليزية أحد أبرز عوامل الجذب نحو المدارس العالمية، إذ يراها الأهالي  بوابة للفرص الأكاديمية والوظيفية.
لكن البعض اكتشف أن الاهتمام المفرط بتعلم الإنجليزية  قد يؤدي إلى ضعف في  اللغة العربية والهوية الثقافية  يقول أحد الآباء: “فوجئت بأن ابني أصبح أقل طلاقة بالعربية، ففهمت أن تعلم الإنجليزية يجب أن يكون وسيلة لا غاية”.
إن التوازن بين اللغتين هو أساس بناء عقل مفكر قادر على التحليل والانتماء في آن واحد.

التفكير الناقد والإبداع.. ليست حكراً على المناهج الأجنبية

يظن كثيرون أن المناهج الأجنبية وحدها تصنع العقلية المبدعة والناقد ، لكن التجربة تثبت أن  أسلوب التعليم والتفاعل مع الطفل  هو العامل الحاسم.
فقد يخلق  معلم في مدرسة محلية  بيئة محفزة أكثر من نظيره في مدرسة دولية تعتمد على  التلقين الأكاديمي الباهت. التعليم الحقيقي لا يقوم على الحفظ، بل على طرح الأسئلة، والبحث، والتجربة.
فالبيئة التي تسمح للطفل بالخطأ والنقاش، سواء في المدرسة أو المنزل، هي التي تُخرج جيلًا من المفكرين والمبدعين.

هوس المجتمع بالمظاهر.. التعليم بين القيمة والصورة

في كثير من الحالات، لا يكون الدافع الحقيقي لاختيار المدرسة العالمية هو جودة التعليم، بل الرمزية الاجتماعية التي تمنحها للأهل.
تحولت بعض المدارس إلى رمز طبقي يحدد مكانة العائلة في المجتمع.
قال أحد الآباء بصراحة: “ربما لا يتعلم ابني أفضل في هذه المدرسة، لكن لا أريد أن يُقال إنني قصرت معه”.
هنا يتداخل التعليم مع هاجس الصورة الاجتماعية، ليصبح القرار أقرب إلى سباق للمكانة أكثر من كونه استثمارًا تربويًا واعيًا.

الخاتمة.. بين الشهادة والعقل المفكر

يبقى السؤال الحاسم:
هل نبحث عن شهادة أجنبية فاخر بها، أم عن عقول ناقدة ومبدعة قادرة على بناء المستقبل؟ الجواب لا يكمن في لغة المنهج أو لافتة المدرسة، بل في البيئة التربوية التي نخلقها حول الطفل، في البيت كما في المدرسة.

فالتعليم الحقيقي لا يُقاس بالرسوم أو الشهرة، بل بقدرة الطفل على أن يسأل، ويفكر، ويبتكر، ويصنع طريقه بثقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.