الحكومة منتظرة منو..!

ليس استهزاءً، إذا قلنا إن بعض قادة أحزاب الحوار الوطني، جهّزوا “البدل والكرفتات”، لزوم الاستوزار.. وليس تهكُّماً، إذا أشرنا إلى أن بعض تلك الأحزاب – إن لم يكن أكثريتها – لا تملك ما يؤهلها لأن تكون ضمن خارطة التشكيلات السياسية من الأساس، ذلك إنها تفتقر إلى الجماهير، بل إن بعض تلك الأحزاب، عبارة عن ختم وورق مروس، يحمله زعيم الحزب في شنطته، ليس أكثر..! ولكن مع ذلك هيأ قادتها أنفسهم لنصيبهم في الكيكة، بمزاعم أنهم استجابوا لمبادرة الوثبة التي أطلقها الرئيس البشير، وبحجة أنهم شاركوا في الحوار الوطني، وهذا في مظنونهم سببٌ كافٍ، ومبرر راجح لأن يتمرّغوا في نعيم السلطة..!

المثير في القصة كلها، أنه حينما اقترب يوم العاشر من يناير الماضي، زادت آمال قادة تلك الأحزاب في المخصصات، خاصة بعدما ثبت – بالتجربة والبرهان – أن الحوار الوطني ليس سوى محاصصة لتوزيع الكيكة، وليس وصفة أو مدخل لحل الأزمة السودانية.

ولكن سرعان ما تبدد الحلم وأوشك أن يتلاشى، لأن يوم العاشر من يناير الماضي، وهو اليوم المحدد لإعلان حكومة الوفاق الوطني، مرّ دون أن تطلق الحكومة المرتقبة صرخة ميلادها، وهو ما فتح باب الأسئلة على مصراعيه.

الثابت، أن أحزاب الحوار، وخاصة التي انسربت إلى قاعة الصداقة بمطامح الاستوزار أصيبت بخيبة أمل شديدة، وغشيتها غواشي الإحباط. بينما وجد المؤتمر الوطني نفسه محرجاً، ليس لأنه متهم على الدوام، بأنه يوقّع المواثيق والعهود والاتفاقيات ثم ينكص عنها، وليس لأنه يقوم بـ”تنفيس” تلك الاتفاقيات بدلاً من “تنفيذها”، وإنما لأنه فشل في اقتسام الكيكة التي تتقازم أمام جيوش أحزاب الحوار.

الشاهد، أن المؤتمر الوطني وجد نفسه مضطراً، لإعادة تفكيره في القصة برمتها، ذلك أن المقاعد المطروحة للمحاصصة تبدو أقل من أعداد المشاركين في الحوار الوطني..! ومعلوم أن قاعة الصداقة ضمّت أكثر من مائة حركة مسلحة وحزب سياسي، مع أن غالبيتها ليست مؤهلة لحمل توصيف الحركة أو مصطلح الحزب..!

الآن، تسير الأمور في مناحٍ غير التي تشتهيها أحزاب الحوار، وخاصة بعدما تجاوز التأجيل محطة العاشر من يناير بعشرين يوما أخرى، وهو ما يشي إلى أن المؤتمر الوطني ليس عاجزًا عن اقتسام الكيكة فحسب، بل إنه لا ينتوي اقتسامها مع هذه المجموعة أصلاً. خاصة أنه – أي الحزب الحاكم – يبدو كمن أخذته الغبطة والسرور، بعدما عاد زعيم حزب الأمة الصادق المهدي إلى البلاد، وهو عند الحكومة صيد ثمين يوازي أحزاب الحوار مجتمعة، إن تخيّر موقعه في طوابير الباحثين عن المحاصصة.

وثمة أمر آخر يشير إلى أن المؤتمر الوطني يبدو كمن ينتظر قادمين جدداً إلى الكيكة، وهو أن الوسيط الأفريقي ثابو أمبيكي كشف أنه اتفق مع الحكومة على تعديل الدستور وتشكيل “حكومة مؤقتة” بمشاركة أحزاب المعارضة، وهو ما يعني أن جنيناً آخر يتخلّق لتسوية أزمة السلطة والثروة، غير ذاك المولود في قاعة الصداقة بناء على مخرجات الحوار الوطني. وما يعزز هذا هو أن أحزاب الحوار المنضوية تحت اسم “تحالف الوفاق الوطني” شهدت انشقاقاً كبيرًا بخروج تسعة أحزاب من التحالف، بمزاعم أن الأمين العام للمؤتمر الشعبي إبراهيم السنوسي الذي يرأس التحالف، قام باختطاف كل منجزات التحالف ونسبها إلى حزبه، بينما تصر مجموعة المؤتمر الشعبي، على أن مجموعة التسعة المشنقة، تتماهى مع المؤتمر الوطني.

ومهما يكن من أمر، فإن المستفيد الأول من حالة الشقاق هذه، هو المؤتمر الوطني الذي رفض قبل ذلك التعامل مع آلية (7+7) من جانب المعارضة حينما انشقت إلى مجموعتين. وعليه سيجد الحزب الحاكم مبرراً آخر لتأجيل إعلان حكومة الوفاق الوطني بحجة عدم توحد أحزاب الحوار. هذا إذا لم يكن هو من يمسك بخيوط اللعبة كلها. والشواهد على ذلك ليست نادرة أو معدومة.. وعليه لا نجد سوى أن نحيلك ـــ عزيزي القارئ ـــ إلى عنوان هذا العمود، فهو أقرب إلى تفسير مسرح العبث الذي تجري فصوله حالياً.
الصيحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.