سودافاكس – لم تكن أزمة الخطوط الجوية السودانية (سودانير) مجرد مشكلة مالية أو فنية، بل هي ضحية هيكل إداري مزدوج تقاسمه وزارتان: وزارة المالية بصفتها الجهة المالكة، ووزارة النقل بوصفها الجهة المشرفة فنيًا. هذه الثنائية الهيكلية خلقت حالة من الجمود الإداري، وأضعفت قدرة الشركة على النهوض من كبوتها.
سودانير تفتح باب الشراكات عبر نظام (BOT) لتحديث بنيتها التحتية
وزارة المالية: المالك بلا استراتيجية تشغيلية
تحتفظ وزارة المالية بسلطة الإشراف المالي على سودانير باعتبارها المالك الرسمي، لكنها تتعامل معها كوحدة حكومية خدمية، لا كشركة تجارية تنافس في قطاع الطيران العالمي.
تُدار العمليات بمنطق ضبط المصروفات لا الاستثمار التشغيلي، ما حوّل أي قرار يتعلق بالتوسع أو التحديث إلى مسألة مالية صِرفة، مع تجاهل ديناميكية السوق ومتطلباته.
وزارة النقل: إشراف فني دون أدوات تنفيذية
في المقابل، تُشرف وزارة النقل على الجوانب الفنية لسودانير، لكنها بلا صلاحيات مالية تُتيح لها تنفيذ رؤيتها. فتبقى المشاريع حبرًا على ورق، وتضيع أولويات التشغيل والتطوير في غياب سلطة تنفيذية موحدة.
نتائج مؤلمة: تضارب القرارات وغياب المساءلة
هذا الازدواج الإداري أنتج تضاربًا مزمنًا في القرارات اليومية:
- تعيينات تُقترح من النقل وتُعتمد من المالية
- عقود تسير في مسارين بيروقراطيين منفصلين
- صيانة تُقر فنيًا وتُؤجَّل ماليًا
لتصبح سودانير شركة بلا مرجعية مؤسسية واضحة، ولا جهة واحدة تُسأل أو تُحاسب، فتتآكل الثقة وتغيب الرؤية.
الدول الناجحة… ودروس الاستقلال التجاري
في تجارب دولية ناجحة، أُعيدت هيكلة شركات الطيران الوطنية لتُدار بعقلية تجارية (Commercialization)، توفر استقلالية مالية وتشريعية تُمكنها من المنافسة والتطوير بعيدًا عن التدخلات السياسية والإدارية.
بارقة أمل: كابتن مازن وعودة الروح المهنية
وسط هذا المشهد القاتم، برز الكابتن مازن كمثال حي على المهنية والصدق، محاولًا بث روح الانضباط والتخطيط داخل مؤسسة غارقة في التسييس.
تحرك بروح المهنة لا سلطة المنصب، مؤمنًا أن الإصلاح ممكن إذا ما وُجدت الإرادة، واستُعيدت الهوية التجارية للمؤسسة.
الحل: إنهاء الازدواج وإعادة تعريف سودانير
لا سبيل لإنقاذ سودانير سوى حسم ثنائية التبعية، وإعادة تعريفها كشركة وطنية تُدار وفق أسس السوق وتُراقب بمعايير أداء احترافية، لا بأوامر وزارية متضاربة.
فشركات الطيران لا تُدار بنصف عقل ولا تُنهضها جهة تُمسك بها من طرف دون الآخر.
