الفاشر تستغيث.. والدبة تفتح أحضانها للنازحين الفارين من جحيم الحرب

سودافاكس – تشهد مدينة الفاشر موجة نزوح إنسانية قاسية، حيث اضطرت آلاف الأسر إلى الفرار من المدينة نحو معسكر أزهري المبارك بالعفاض بمحلية الدبة في الولاية الشمالية، هربًا من الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها المليشيا المتمردة عقب دخولها المدينة، وسط حصار خانق جعل الحياة فيها مستحيلة. تحدث شهود عيان عن مشاهد مأساوية في شوارع المدينة المليئة بالجثث، واستمرار عمليات الحرق والنهب والتعذيب، إلى جانب نقص حاد في الغذاء والماء والدواء، ما دفع السكان إلى اتخاذ قرار الفرار في ظروف مأساوية محفوفة بالمخاطر.

الدبة.. الملاذ الآمن للنازحين من الفاشر

تحولت محلية الدبة إلى وجهة إنسانية رئيسية تستقبل الفارين من الفاشر، حيث أقيمت معسكرات إيواء جديدة أبرزها معسكر أزهري المبارك بالعفاض. وتبذل لجنة الطوارئ والأزمات بمحلية الدبة، بالتعاون مع المنظمات الإنسانية والمبادرات المجتمعية، جهودًا متواصلة لتأمين المأوى والغذاء والخدمات الصحية للنازحين.

وقال الحسن إبراهيم حامد، رئيس لجنة الطوارئ والأزمات، إن اللجنة تعمل على تهيئة بيئة آمنة ومتكاملة للنازحين، موضحًا أنه تم نصب أكثر من 650 خيمة وجارٍ العمل على تركيب 500 خيمة إضافية لاستيعاب الوافدين الجدد.

وأضاف أن عدد الأسر المسجلة حتى الآن تجاوز 32 ألفًا و700 أسرة من ولايات كردفان ودارفور، مبينًا أن الدعم يُقدَّم بالتعاون مع ديوان الزكاة، والمنظمات الخيرية، والتكايا المركزية التي توفر وجبات الإفطار والغداء يوميًا، إضافة إلى دعم الشركة السودانية للموارد المعدنية.

تحديات صحية متزايدة في معسكرات النزوح

من جانبها، أوضحت وهاد حاج النور، نائب رئيس الشؤون الصحية بمحلية الدبة، أن القطاع الصحي يواجه نقصًا حادًا في الأمصال وخاصة أمصال العقارب، ومشكلات في الأطراف الصناعية. وأكدت أن وزارة الصحة الاتحادية والولائية، بالتعاون مع المنظمات الإنسانية الدولية، تقدم تدخلات عاجلة تشمل الرعاية الإنجابية، والتحصين، والعلاج البارد، والتعزيز الصحي.

وأشارت إلى أن معسكر أزهري المبارك بالعفاض يضم أكثر من 8 عيادات متنقلة و3 عيادات ثابتة، من بينها عيادات التأمين الصحي وصدقات وميد قلوبال، إضافة إلى تدخلات من منظمتي عطاش والهجرة الدولية، مبينة أنه تم دمج الكوادر الطبية النازحة ضمن المنظومة الصحية العاملة بالمخيم.

تحديات خدمية واحتياجات عاجلة

دعت الجهات الصحية والمنظمات الدولية إلى ضرورة زيادة عدد المرافق الصحية والمراحيض للحد من ظاهرة التبرز في العراء، وتوفير ماكينات الرش والمحرقة الطبية للتخلص الآمن من النفايات. كما شددت على الحاجة العاجلة إلى وسائل نقل للكوادر الطبية، وثلاجات لحفظ الأمصال، مؤكدة أن كثيرًا من الحالات تحتاج إلى تحويلات طبية عاجلة إلى دنقلا أو مروي.

خدمات التأمين الصحي للنازحين

قال أحمد بشير عبد الباقي، مدير إدارة التأمين الصحي بمحلية الدبة، إن العيادات تعمل بكفاءة رغم الضغط الكبير، مشيرًا إلى أن معظم الكوادر الطبية من النازحين أنفسهم، مما يسهل التواصل ويعزز التعاطف الإنساني. وأضاف أن الخدمات تشمل الفحوصات المتخصصة، والعمليات البسيطة، والإقامة القصيرة، وتوفير الأدوية الأساسية، مؤكدًا سعي الإدارة لتغطية جميع النواقص وتحسين خدمات القابلات بالمخيم.

الهلال الأحمر يوثق المفقودين ويعيد الروابط العائلية

تنفذ جمعية الهلال الأحمر السوداني برنامج الروابط العائلية ولم الشمل داخل المعسكر، لتسهيل الاتصال بالأهالي المفقودين، وتوفير خدمات الإنترنت وشحن الهواتف مجانًا. وأوضح محمد سوار الدهب، رئيس البرنامج، أن عدد بلاغات المفقودين المسجلة منذ حصار الفاشر بلغ 31 بلاغًا حتى الآن، مضيفًا أن التنسيق جارٍ مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر لتتبع المفقودين ولمّ شمل الأسر.

أصوات من المعسكر.. حكايات الألم والصمود

نضال: “أنا محتاجة دعم نفسي.. أنا فاقدة السند”

تقول نضال عباس آدم عبد الله، طالبة في كلية المختبرات الطبية، إنها فقدت والدها في الأحداث الأخيرة بالفاشر، وتعيش اليوم في حالة صدمة.
وتضيف: “كنت أعمل في مبادرات إنسانية، ولم أتخيل يومًا أن أصبح نازحة. أحتاج دعمًا نفسيًا، لكني أحاول مساعدة الآخرين عبر فحوصات الملاريا والتايفويد في المخيم.”

مقبولة: “رحلتي كانت طويلة ولم أخش سوى على بناتي”

تحكي مقبولة يحيى أحمد أنها قطعت رحلة طويلة من نيالا إلى زمزم ثم طويلة حتى وصلت الدبة، قائلة: “نهبوا كل ما نملك، لكن خوفي كان فقط على بناتي الست وابني الوحيد. رغم الألم، وجدت في الشمالية وطنًا جديدًا يحتوينا.”

نعمة: “تركنا زوجي محاصرًا في الفاشر”

تروي نعمة عبد الباسط، المساعدة الطبية، قصتها والدموع تملأ عينيها:
“خرجنا من الفاشر جوعى بعد حصار قاسٍ استمر ثلاث سنوات، تركت زوجي يعمل في الشرطة هناك، ولا نملك له سوى الدعاء. كلفة الرحلة بلغت 5 مليارات، لكننا وصلنا أخيرًا إلى الأمان في الدبة.”

 

 

 

Exit mobile version