يُحدق به التردّي البيئي من كل حدب وصوب سوق أم درمان.. تتسوّره الأوساخ ويحاصره الذباب

محمد عبد الله وجدناه عند مدخل سوق أم درمان من ناحية المسجد الكبير في اتجاه الجنوب الجغرافي، والمكان تغطيه الأكياس والكراتين وأوساخ خليط، أشار إلى أن السوق يرقد على أطنان من النفايات تراكمت نتيجة لإهمال الحكومة، ولم ينس الرجل الناقم تحميل المواطن جزءاً من المسؤولية حينما وصف سلوكه بالعشوائي، وأوضح أن سوق أم درمان نموذج حي للتردي البيئي.

مزج بين الترتيب والفوضى

بغرب السوق وفي المساحة المخصصة لبيع الخضروات واللحوم بسوق أم درمان والتي تعرف بـ(الزنك) ، أو كما يقال الملجة، هنا الحال جامعٌ بين الترتيب والفوضى في بعض الذي يتم عرضه من خضروات وفاكهة ولحوم، مازالت هنا تعلق اللحوم في بعض ملامح الزنك والمكان يعيث فيه الذباب، والأرضية غاية في الاتساخ حتى إنها ثبتت على صورة الدماء المتراكمة فوق بعضها بعضاً، فظهر بعضها بدرجاتٍ من الألوان المختلفة، وبعض العظام الصغيرة المتناثرة على ممرات المكان، هذا غير البرك الصغيرة من المياه الممزوجة ببقايا الشحوم، حدثنا جزار “طالب بعدم ذكر إسمه” أنه يعمل هنا منذ 20 عاماً، وهو ملتزم تماماً بكل ما تطلبه المحلية، وهو ليس شريكا في هذه الأوساخ التي تطفو على المكان، فقد أشار إلى أنه حريص على تجميع بقايا عمله في كيس محدد خصصه لذلك لعلمه التام بالأثر البيئي من توالد الذباب، وأكد أن الأمر لن يستقيم إن لم تكن هناك نفرة حقيقية من كل صاحب مهنة لها مخلفات يمكن أن تؤثر في تدنّي مستوى البيئة.

زيادة طاقة العمل

أما عثمان علي تاجر بالسوق فقال في حديثه لنا وهو يشير إلى أن الأوساخ هنا مقارنة بأسواق عواصم البلاد التي حولها، مؤكداً أنه وفي زيارته للقاهرة لم يجد في أسواقها ذرة تراب أو أماكن مظلمة، وكذلك الحال في أديس أبابا بل إن انجمينا العاصمة التشادية على صغرها فإن أسواقها أكثر نظافة من الأسواق هنا، وهو يناشد المسؤولين أن يعيدوا للسوق سيرته الأولى التي كان يضرب بها المثل فلابد من مراجعته بصورة عملية وليس من داعٍ في أن تنشر هيئة النظافة ضوابط في الصحف بل عليها زيادة طاقة العمل بجودة عالية وتدخل سريع وفعال وعلى المواطن التعامل بحضارة مع البيئة والاحتفاظ بالنفايات بطريقة آمنة وسليمة باعتباره الفاعل الحقيقي للتردي، فهناك كثير من المظاهر السالبة نجد البعض يمارسها كرمي الأكل على جنبات الطريق وكذلك قوارير المياه الغازية وغيرها، وأوضح أنه لابد من التوعية الشاملة وحبذا لو ابتدأت هذه التوعية من المدارس ورياض الأطفال حتى ينشأ جيل قادر على الحفاظ على البيئة دون شوائب، وتحدث عن الأكياس التي تعتبر بمثابة مخلفات محله التجاري الذي يختص ببيع الملابس، أنه يلتزم برميها في صندوق حديدي صنعه لذات الغرض بدلاً من أن يكون مساهماً في أزمة التردي البيئي بالسوق.

الخروج من المأزق

وكانت لأحمد عثمان موظف، رؤية أخرى في حديثه لنا، فقال إن أزمة النظافة في الآونة الأخيرة تفاقمت فنقل النفايات ونظافة الأسواق أصابها الإهمال من قبل المحليات، فالوضع البيئي بصورة عامة أصبح مزعجاً للغاية وحتى وقت ليس بالبعيد كان عمال النظافة منذ الصباح الباكر يجوبون أزقة السوق وشوارعه الرئيسية والفرعية لنظافتها، وفي تلك الفترة لم نشاهد مثل هذا التردي الذي أصبح سيد الصورة المعكوسة عن سوق أم درمان، فالموضوع لا يحتمل الانتظار لأن تراكم الأوساخ يعني تزايد معدلات الأمراض وغيرها من الإفرازات السالبة الأخرى خاصة وأنه تنتشر محلات الأطعمة والمأكولات بالقرب من أكوام هذه القاذورات، وهو يرى أنه على الدولة جعل الجانب السياسي موازياً للاجتماعي لأن المواطن أهم من النزاعات والتراشقات التي تدور حول السلطة، مشيراً إلى أن الأمر يحتاج لجلوس كل أبناء الوطن لوضع الخطط والدراسات للخروج من هذا المأزق، كما أوضح أن هذه الأوساخ ستؤدي إلى كارثة، فالتزاحم شديد بسوق أم درمان وأصبح غير مرتبط بموسم الأعياد أو شهر رمضان كما يظن البعض في الإقبال على السوق، فالشوارع كما وصف، تعج بالناس منذ الصباح الباكر وحتى الليل.

تضامن الأوساخ والمياه

وأشار مواطنون في حديث لـ(الصيحة) من قلب سوق أم درمان وهم يرجون من معتمد أم درمان أن يبحث الحلول حول المجاري المغلقة بسوق أم درمان خاصة المنطقة جوار نادي الهلال، فهنا الحال أكثر غرابة مما تتخيل، جسور كبيرة جداً بينت من الداخل بما يظهر لك بأحجار كبيرة غطاها الأسمنت، وجوفها ممتلئ بالماء الذي يشكل مستوى عالياً، وقد عملت فضلات تم إلقاؤها فأصبح شكل تلك الجسور أو (الخيران) غاية في الطمي الذي يبعث بروائح تضامنت معه الحوائط التي تواجهه من الناحية الغربية وقد استخدمها الناس هناك أماكن لقضاء الحاجة.

المواطن خالد الأمين تحدث إلينا فقال إنهم اعتادوا على البرك منذ وقت وصفه بالطويل، خاصة أنهم يسكنون بالقرب من السوق بالعرضة شمال منطقة إستاد الهلال، ووصف أن الخور الذي يقابل المحلات التجارية من الناحية الغربية لسوق أم درمان، بأنه يشكل لهم هاجساً حقيقياً، وهو بمثابة مأوى آمن للبعوض والنفايات التي يتم إلقاؤها من قبل التجار في السوق، وقال إن الخيران وبحجمها الكبير أيضاً تمثّل خطراً على المواطنين أنفسهم، وهو يطالب الجهات المختصة أن تجعل لتلك الجسور الكبيرة أو كما وصفها بـ(الخيران) أغطية أسمنتية ومن ثم إغلاقها من عبث الأوساخ الملقاة من زائرين وتجار السوق علي العموم.

أما عبد الحميد الشيخ الذي يعمل سائق ركشة، فقد اشتكى من وجود مكبات من الأوساخ بالسوق، وفي ذات الوقت تفتقر المنطقة لمصرف واحد يساهم في تصريف مياه الأمطار في وقت الخريف، وأضاف أنه إلى جانب ذلك أن سلطات البلدية وضعت مكبين بصورة عشوائية وهي في حالة امتلاء دائم لا تقوم أية جهة بإفراغها، ما أدى لتدهور الوضع وتوالد البعوض حيث تعرض الكثيرون من السائقين لأمراض التايفويد والملاريا ومنهم من لا يزال على فراش المرض.

شكوى بلا فائدة

تجولنا في قلب السوق واستمعنا إلى معاناة المواطنين الذين استنكروا حالة التردي البيئي حيث اشتكى محمد أحمد تاجر الفواكه من تعاظم أكوام الأوساخ التي تحيط به ما يدل على التدهور البيئي الذي يهدد الوضع الصحي في المنطقة، وأشار في قوله لـ(الصيحة) أن عمال البلدية لا يقومون بالتنظيف بصورة جيدة علماً بأنهم يأتون مرة واحدة في اليوم وعند مطالبتنا بإزالة الأوساخ بصورة تامة لا يعيروننا أدنى اهتمام، مشيراً إلى أن السلطات المحلية في السوق تطالبهم بالرسوم الشهرية، ولكن الوضع متردٍّ جداً، وقال محمد أحمد إنهم لا يدرون أين تذهب تلك الأموال التي يتم تحصيلها مقابل النفايات، ووصف شكواهم بأنها شكوى بلا فائدة.

وضع صعب

تركنا محمد أحمد واتجهنا بحرص شديد لتلافي السقوط في المياه الآسنة وجبال المخلفات صوب أحد تجار المواد التموينية بالقرب من موقف المواصلات بإستاد الهلال وجدنا الرجل والذي طالب بحجب اسمه مشغولاً بردم المنطقة المحيطة بمتجره، وعندما سألته عن الوضع قال إن الوضع صعب للغاية خاصة في هذه المنطقة، إذ تتربع البرك والأوساخ التي تشكل البيئة المثلى لجيوش الناموس والذباب جراء تلك الجسور التي سماها بـ(الخيران)، وأضاف بأنهم قاموا بإبلاغ أولي الأمر بالسوق والذين لم يعيروا الأمر أدنى اهتمام، لذا عمد كل فرد إلى ردم محله بجهده الذاتي ماضياً للقول إن هذه المياه يخشون أن تؤثر كثيراً على حركة البيع والتجارة وأكثر المواقع المتأثرة تلك التي تفتح في شوارع ضيقة كحال محله.

شكاوى واستياء

عدد من سائقي الحافلات في خطوط مختلفة من موقف المواصلات هنا، أعربوا عن غضبهم وسخطهم على المحلية بالسوق، وقد أشاروا إلى أن النقابة تتحّصل منهم تحصيلاً ثابتاً ولكنهم دون أن يشهدوا أي تطور في مجال الخدمات التي تعود بالنفع والمصلحة للمواطن، وطالبوا السلطات المعنية بالأمر بإزالة الأوساخ بأسرع زمن لأن الأوبئة أصبحت سهلة الانتقال خاصة إذا ما توفرت مثل هذه الظروف الصحية والبيئية المعقدة كما وصفوها، وأضافوا في قولهم إنهم يعانون الأمرين في أوقات الخريف، فيذوقون الويلات بسبب سوء الصرف والشوارع التي قالوا عنها لا توجد بها أية مصارف بل الحفر التي هي في تمام الجاهزية لأن تكون بركاً آسنة، وأوضحوا أن الأكوام التي تتجمع في أجزاء متفرقة من السوق صورة حية من صور الأذى الجسيم بسبب الرائحة الكريهة التي تنبعث منها ولا يعرفون كيف يتصرفون حيال هذا الوضع.
تيسير الريح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.