لماذا يجد كثير من الناس صعوبة بالغة في إغلاق تطبيقات مقاطع الفيديو القصيرة، حتى عندما لا يشعرون بالمتعة؟ السؤال لا يتعلق بمجرد “ضعف الإرادة” كما يظن البعض، بل يرتبط بآليات عصبية عميقة تضرب جذور الدماغ البشري المرتبطة بالانتباه والدافع والمكافأة، وهي الآليات نفسها التي تولّت عقولنا تشكيلها عبر ملايين السنين من التطور.
وفقًا لأحدث تقرير بحوث التنمية السمعية البصرية في الصين (2025)، بلغ عدد مستخدمي الفيديو القصير في الصين 1.040 مليار شخص حتى ديسمبر 2024، أي ما يمثل 93.8% من إجمالي مستخدمي الإنترنت. ويُمضي المستخدم العادي 156 دقيقة يوميًا في مشاهدة المحتوى القصير، وهو الزمن الأعلى بين جميع التطبيقات الرقمية، مع اتجاه متصاعد لا يزال مستمرًا. ظاهرة مشابهة تتكرر على مستوى عالمي، وهي ترفع تساؤلاً محوريًا: لماذا يصعب التوقف؟
إنقاذ مواطن سوداني من الغرق في البحر الأحمر
شبكات تهريب البشر تدر ملايين الدولارات وسط انتهاكات جسيمة
الجواب يكمن في الدماغ. تشير أبحاث في علم الأعصاب وعلم النفس السلوكي إلى أن مقاطع الفيديو القصيرة تصطاد بطريقة دقيقة النظام العصبي المسؤول عن المكافأة والدافع، وتُنشِّط الخلايا العصبية التي تُفرِز الدوبامين – الناقل العصبي المرتبط بالتوقع والمتعة والتحفيز.
الدوبامين هنا لا يعمل كـ”زر للسعادة” كما يُشاع، بل كإشارة استباقية تتعامل مع القيمة التوقعية للنتيجة المقبلة. وهذا ما يجعل الفيديو القصير جذابًا: لا يمنح متعة عظيمة بحد ذاته، بل يبقي الدماغ في حالة ترقب دائم لمكافأة محتملة.
هذا المفهوم يعززه بحث كلاسيكي نشر عام 1997 في مجلة ساينس لعلماء الأعصاب وولفرام شولتز وبيتر ديان وريد مونتاغو، حيث أثبتوا أن خلايا الدوبامين لا تُفرز عند تلقي المكافأة فقط، بل أيضًا – وبشكل أقوى – عندما تكون المكافأة غير متوقعة. وعندما يتم إشباع التوقع، ينخفض إفراز الدوبامين؛ وإذا لم تتحقق المكافأة، ينخفض أكثر.
هذه الآلية تفسر لماذا تُبقيك مقاطع الفيديو القصيرة في حالة “سحب للأعلى” بلا توقف:
كل مقطع جديد هو مكافأة غير متوقعة.
أحيانًا يكون ممتعًا، وأحيانًا مخيبًا.
لكن تلك اللحظات النادرة من المتعة تُغذي الدافع العصبي للاستمرار.
الخوارزميات تزيد هذا التأثير قوة. فهي تتعلم تفضيلات المستخدم وتقدّم محتوى مصمّمًا بدقة لزيادة مدة المشاهدة. وبفضل سرعة الانتقال بين المقاطع، وغياب الحاجة لاتخاذ قرار مع كل فيديو، تتحول التجربة إلى نظام شبه تلقائي – لا يتطلب جهدًا ولا تفكيرًا، بل مجرد “سحب” يتكرر بلا وعي.
الواجهة نفسها جزء من القصة: شاشة عمودية، كامل مساحة الجهاز مخصصة للمحتوى، صوت مستمر، حركة سريعة، وضغط منخفض على الدماغ مقارنة بالفيديو الطويل أو القراءة أو الاستماع التحليلي.
النتيجة؟
سلوك شبه انعكاسي، يستنزف الوقت دون إدراك، ويصعب إيقافه حتى حين تنخفض المتعة.
ويُجمع الخبراء على أن الخطر الأكبر لا يكمن في الإدمان التقليدي، بل في التغيير العميق في أنماط الانتباه – حيث يصبح الدماغ معتادًا على المكافآت السريعة، ويفقد تدريجيًا القدرة على التفاعل مع المهام التي تتطلب جهدًا وتركيزًا ووقتًا أطول.
ومع استمرار نمو منصات الفيديو القصير حول العالم، تتزايد الحاجة لفهم هذه الآليات علميًا، ولبناء ثقافة استخدام أكثر وعيًا – ليس بهدف الرفض أو المنع، بل لتحقيق توازن صحي بين المتعة اللحظية، والإبداع، والتعلم، والحياة الواقعية.
