معظم مخابرات الدنيا حققت مع معتقلي غوانتامو حتى المصرية والموساد
سامي الحاج اسم طبق الآفاق وملأ أسماع الناس عندما كان حبيسا في معتقل غوانتانو سيئ الصيت وخرج بريئا منه بعد خمس سنوات ليصبح من بعد ذلك أيقونة رمزية لحقوق الإنسان الأمر الذي دفع قناة الجزيرة لإنشاء إدارة خاصة بالحريات وحقوق الإنسان وأسندت مهمة إدارتها للأسير المحرر سامي الحاج .. لمعرفة أسرار اعتقاله وما جرى طيلة السنوات الخمس وتجربة معتقل غوانتامو جلسنا إليه في مكتبه في الدوحة لنستمع إلى إفاداته ، فإلى مضابط الحوار :
أجرته بالدوحة: خالدة اللقاني
كيف كانت البداية؟
بدأت باهتماماتي أيام المدارس والجريدة الحائطية واشتراكي في الجمعيات الثقافية في المدارس وتلتها المرحلة الجامعية عندما درست في الهند (بونا) ، فقد كنت أهتم بالجانب الثقافي، برغم شح المعلومات في ذلك الوقت فقدمنا الجرائد الحائطية باتحاد الطلاب ، ثم وبعد التخرج عملت بوسائل الإعلام مجرد محاولات فقط، ولم تكن وظيفة رسمية ومن ثم التحقت بقناة الجزيرة كمراسل بمنطقة القوز وبسبب هذه المنطقة ونسبة لأنها منطقة حرب ونزاعات تجاوزت لي قناة الجزيرة عن شهادة الخبرة والعمل، ومن خلالها بدأت العمل.
كنموذج عربي سوداني، ما الذي عكسته في الخارج؟
نحن كسودانيين دائماً نحب أن نبرز الوجه المشرق للسودان، ونعتبر انفسنا محاسبين عن أي تصرف يصدر منا، سواء أكان معاملة أو أداء وظيفي فنحن نعتبر سفراء السودان، لذلك نحاول أن نعكس الوجه الأجمل للسودان.
اكثر المواقف التي شعرت فيها بظلم الإعلام العربي؟
عدم تقديرهم للسودانيين كصحفيين وأيضاً عدم الاهتمام بأخبار السودان، فكثير من وسائل الإعلام العربية لا تهتم بقضايا السودان باعتبارات التعالي أو على أن السودان دولة إفريقية أو أن السودان دولة غير مهمة بالنسبة لمتلقي الخبر.
ما هي الظروف التي دفعتك للعمل في الجزيرة؟
شغفي وحبي للإعلام منذ الصغر .. الجزيرة بدأت في أواخر التسعينات بتخصصات إخبارية مما جذبني للعمل فيها.. أيضاً الفرصة التي وجدتها كقناة جديدة تحتاج لموظفين ووجودي بالقرب منها نسبة لعملي في دولة الإمارات، ومن خلال الزملاء السودانيين الذين كانوا يعملون فيها استطعت أن أخلق تواصلاً مع إدارة الشبكة مما سهل لي فرصة العمل داخل القناة.
وجودك خلف الأسوار. متى وكيف ولماذا؟
كلفنا بمهمة لتغطية الحرب الأمريكية على أفغانستان وذهبت كمصور مع فرق العمل مع الأستاذ يوسف الشولي، في منطقة قندهار، عاصمة طالبان آنذاك وبدأنا التغطية بعد أن بدأت الولايات المتحدة الأمريكية في القصف المباشر على أفغانستان انتقاماً لأحداث 11 سبتمبر. كانت التغطية لمدة شهرين تقريباً وعندما أردنا أن نعود مرة أخرى إلى أفغانستان من باكستان، تم إلقاء القبض عليّ عن طريق المخابرات الباكستانية بسبب طلب من الاستخبارات الأمريكية بتوقيف سامي ، مصور قناة الجزيرة الذي كان يعمل مع الزميل “تيسير علوني” مدير مكتب الجزيرة في كابول ، ويرجع السبب في ذلك أن أمريكا كانت تعلم أن آخر من أجرى مقابلة مع الشيخ الشهيد أسامة بن لادن هو تيسير علوني ، فكانوا يريدون توقيف تيسير ليس لاتهامات ولكن لأخذ معلومات من مثال كيف التقى بالشيخ وكيف أجرى المقابلة معه، وعندما وصل تيسير بطريقة آمنة إلى الدوحة وأصبح بعيدا طلبوا منهم على حسب معلوماتهم إيقاف المصور سامي الذي كان يعمل مع تيسير ، وهو مغربي الجنسية وهنا تشابهت الأسماء وتطابقت الوظائف ولذلك تم توقيفي وتسليمي للاستخبارات الأمريكية.
يقال أن فقدان جوازك كان هو السبب الرئيسي في اعتقالك ؟
هذا مبرر أرادت باكستان أن تبرر به إيقافي وادعت أن جواز سفري كان به بعض المعلومات غير الصحيحة، علماً بأني جئت إلى باكستان بفيزا صادرة من السفارة الباكستانية بالدوحة وجئت مع فريق الجزيرة ودخلت إلى باكستان أكثر من مرة وعبرت من خلال نفس المنفذ ولكن الرجل الذي يعمل بنفس المنفذ الذي مررت به قد أراني الورقة التي فحواها .. “يرجى توقيف مصور الجزيرة سامي” وقد كتب الاسم بالإنجليزية وكانت الأحرف مختلفة عن أحرف اسمي بالجواز فعرفت أن هناك توقيفا، عندها التقيت بالأمريكان في غوانتانامو ومن أول تحقيق قالوا لي إنك لست الشخص المطلوب ونحن نريد شخصا آخر ولكن الآن أنت هنا. ومن خلال حربنا هذا نحن لا نريد أي معلومات أن تتسرب للإعلام فلذلك ربما تبقى معنا لوقت أطول.
هذا بعد أن استمر الاعتقال فترة طويلة وكان من شروطهم على أي معتقل خارجي بعدم الإدلاء بأي تصريح وان لا يتحدث مع أي احد او منظمة.
هل التزمت بهذه الشروط؟
طبعاً لم نوقع على هذه الورقة المشروطة وليس لدينا التزام بيننا وبينهم، بالعكس نحن نعتبر مظلومين فيما حدث لنا ونحن أصحاب حق.
كيف كانت البيئة التي سجنت فيها؟
الحمد لله أنا لم ادخل أي قسم شرطة أو حتى ارتكب خطأ مروريا.. في البداية عندما يشعر الإنسان انه لا يستطيع أن يتحرك إلا بأوامر ولا يستطيع أن يأكل ما يشتهي أو يلبس ما يريد يشعر بالضيق الشديد ، ولكن بمرور الزمن الإنسان يتكيف مع الوضع لأن الله سبحانه تعالى قد وضع المقدرات في الإنسان.. في البداية كان الوضع صعبا جداً ولكن بفضل الله وفضل دعاء المسلمين فقد كان ذلك سبباً في صبرنا إضافة إلى أنه بعد اعتقالنا ووضعنا في غوانتانامو أدركت أن الأمر اكبر من أن يكون أياماً أو أشهر ،وقد يستمر لسنوات بعد ذلك قررت المحاولة والتأقلم على الوضع وأن أعمل كصحفي في هذه البيئة طالما أتيحت لي فرصة إلى أن اخرج.
شعورك وانت ترى قوات المارينز يمزقون المصحف ويضعون اوراقه في النجاسة ؟؟
كانت صدمة كبيرة بالنسبة لي فقد كنا نعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية هي دولة رائدة فهي بلد الحريات وهي في مقدمة الدول في العالم في هذا المجال، فالصورة التي تصلنا من أمريكا هي صورة وردية ولكن عند الاحتكاك بهم والتعامل معهم وما فعلوه بنا أدركت أنهم ليسوا ببشر.
نظرتك تغيرت ناحيتهم؟
تجاه الذين ظلمونا صحيح ، ولكن لا أستطيع الجزم أن كل الأمريكان بهذا الشكل لأننا وجدنا الوجه الآخر وتعرفنا عليه في المعتقل كالمحامين والشرفاء الذين جاءوا وتفاعلوا في قضيتنا دون مقابل ، فهؤلاء حاولوا أن يعدلوا لنا الصورة التي اهتزت بداخلنا تجاه الولايات الأمريكية.
هنالك نسبة تحرش جنسي عالية جداً وسط المعتقلين مما يؤثر كثيرا على حالتهم النفسية … مدى صحة ذلك ؟.
طبعاً الولايات الأمريكية دولة تستند على درجة عالية من الخبرة ومن الاهتمام بالجانب العلمي لذلك أصبحت لديهم خبرة تراكمية في طرق التعذيب النفسي ونحن في غوانتنامو على حسب المنشورات التي وصلتنا من المحامين عرفنا اننا تحت تعذيب نفسي مدروس ، فهناك برنامج اسمه “البغاء ” ، يمارس كتدريب للجنود الامريكان حتى اذا وقع احد منهم في الاسر يستطيع ان يقاوم الأسر ” فقد مورس هذا البرنامج ضدنا بطريقة عكسية ، إضافة الى تشكيكنا في العقيدة ” كمسألة المصحف التي ذكرت سابقا” والاستفزازات في الشهوات والمشاعر ، وأيضا من اساليب التعذيب الإغراء فقد كان تركيزهم كاملا على الجانب النفسي ، وأنا أجزم ان 90% من التعذيب بمعتقل غوانتانامو كان نفسيا أكثر من التعذيب الجسدي المباشر .
هل كونت صداقات في السجن ؟
بالطبع. كان يجب ان نتكيف مع الوضع الذي نحن فيه ، فقد كانت لنا علاقات طيبة نشأت بيننا وزملائنا المعتقلين فقد كنا اكثر من 56 أسيرا من مختلف الدول ومن السودان كان هناك تنوع من شرق وغرب وشمال السودان ، فقد كان هناك تنوع كبير جدا من ناحية اللغة والثقافات المختلفة ، فإحساس أننا متشاركون في هذا الوضع الذي لانحسد عليه جعل بيننا لُحمة وأخوة امتدت حتى الآن ، ويكفيني فخرا أنني عندما أسافر إلى أية دولة أكون في ضيافة واحد من هؤلاء الإخوة الأعزاء ، وهذه العلاقة استمرت وستستمر بيننا إلى أن ننتقل للحياة الأخرى ، اما في الجانب الاخر فقد تكونت علاقات لطيفة مع بعض الجنود والمحققين وبعض المترجمين ، إضافة إلى وجود مترجم سوداني نشأت بيننا وبينه علاقة ودية .
إذا أنت لم تكن السوداني الوحيد بالمعتقل … فكم كان عددهم معك ؟
لسنا كثيرين فقد كنا حوالي 12 سوداني ، فقد كان المعتقل عبارة عن دراسة لحالة المسلمين عامة، فلذلك توجد مجموعة من أي دولة .
ماهي علاقتك بتيسر علوني ؟
تيسير علوني لم التق به قبل الاعتقال … كنت اراه على شاشة الجزيرة .. لكن بطبيعة الحال التقيت به بعد الاعتقال وقد شاطرني نفس الأوضاع وكان قد أعتقل في منطقة أخرى فأصبح بيننا تشابه وتجاذب في الأرواح ، وقد نشات اسرتانا بجوار بعضهما البعض فكان كل منهم يقوي الآخر فنشات علاقة أخوية بين أسرتينا ، وتيسير يعتبر استاذي فهو قامة سامقة في مجال الإعلام ، ودائما مانستفيد من تجاربه .
هل العلاقة مستمرة حتى الآن ؟
نعم .. نحن نلتقي ونزور بعضنا باستمرار ونتبادل الأفكار في بعض القضايا التي تخص الصحافة وخاصه في قضايا الحقوق والحريات .
هل قابلت أسامة بن لادن ؟
لم تتح لي الفرصة لمقابلته ….. ولكن تمنيت لو التقيت بهذا الرجل العظيم .
كيف كانت أساليب التحقيق والتعذيب ؟
التحقيق كان من خلال ثلاثة أجهزة رئيسية تحقق معنا كمكتب التحقيقات الامريكية FPI والاستخبارات الخارجية CIA والاستخبارات العسكرية ،والعسكريون كانو يرتدون الزي العسكري ومن خلال الاسئلة يكونون معروفين ، وال CIA و FPI كانوا يرتدون الملابس المدنية لكن أسئلتهم مركزة داخل أمريكا كشاكلة ” هل لديك أصدقاء داخل أمريكا .. …..” أما ال CIA فأسئلتهم كانت واضحة ، هذه هي الجهات الرسمية التي حققت معنا، اضافة الى ان معظم استخبارات العالم شاركت في التحقيق بمعسكر غوانتانامو ، وقد حققت معي الاستخبارات البريطانية والكندية بصورة واضحة ” نحن كنديين وجئنا نسأل عن هذا الأمر ” أما بقية المعتقلين فقد حققت معهم الاستخبارات المصرية والاستخبارات الاسرائيلية وبعض الاستخبارات العربية الاخرى ، وهناك معتقلون أخذوهم للأردن للتحقيق معهم قبل ان يأتوا بهم الى غوانتانامو ، ومجموعة ارسلت الى مصر ، و الكثير من الاستخبارات كانت تأتي الينا متخفية وكنا نعرفهم من اللهجة فالانجليزية البريطانية واضحة من الامريكية .
كيف استطعت تمييزهم ؟
بالنسبة للبريطانيين عرفتهم من خلال أسئلتهم عن معلومات كنت قد عرفتها من خلال تقديمي للسفارة البريطانية فعرفت أنهم من بريطانيا إضافة إلى أنهم في بعض التحقيقات استندوا على تلك المعلومات فأي استخبارات كان لديها اهتمامات بجوانب معينة ، فكانوا يقولون إنهم لا يريدون توريطي من خلال الأسئلة ولكن بحكم أنني صحفي فسأكون ملما بمعلومات نسبة لالتقائي باشخاص معينين كالكنديين والبريطانيين من خلال سفري بأفغانستان ، إضافة إلى أنهم يعلمون أنني كنت أمارس الصحافة من داخل المعتقل وقد كانت لدي بعض التحفظات ، فقد كنت مهتما بمعرفة قصص المعتقلين ولماذا ذهبوا إلى افغانستان دون التدخل فيما يسبب أي اشكال بالنسبة لهم .
الراكوبه