في الثاني من شهر أبريل (نيسان) الجاري، وخلال أحداث بطولة ريسلمانيا للمصارعة الحرة في دورتها الـ33؛ اعتزل المصارع الشهير «مارك ويليام كالاواي»، والمعروف عالميًا بـ«أندرتيكر» أو«الحانوتي» في بعض الدول العربية، ولمكانته التي احتلها على مدار ثلاثين عامًا في قلوب محبي ومتابعي المصارعة الحرة، كانت لحظة اعتزاله حزينة، خاصة وأنه اعتزل بعد خسارته أمام المصارع رمان ريجن، الذي صرح بعد ذلك للإعلام، أن هزيمته لأندرتيكر لها طعم مُر، ويكاد الموقف يشعره بالهزيمة لا النصر.
أندر تيكر كان مصارعًا مخلصًا لجمهوره، وتميز بالجدية والصرامة، ولم يتبع أيًا من الطرق المبتذلة التي اعتاد جمهور المصارعة الحرة أن يراها، ولذلك عندما قرر خلال العِقد الماضي أن يقوم بتغيير طريقة دخوله، وجعلها مشابهة للرجل الأمريكي الشقي على دراجة بخارية؛ كان لهذه الخطوة أثر سلبي على جمهوره؛ لأن ما يريده الجمهور من أندرتيكر، هو الوجه الصارم، الجاد، المنغمس في دوره المخيف على حلبة المصارعة؛ وبالرغم من ذلك، ففي لحظة اعتزاله، لم يتذكر جمهوره سوى تاريخه الحافل بالمباريات الممتعة.
أندرتيكر يبلغ من العمر 51 عامًا
أما آن للرجل الميت.. أن يستريح!
على إضاءة خافتة زرقاء، حزينة، وقف أندرتكر، أمام جمهوره الذي يحبس أنفاسه من الصدمة، وخلع رداءه الذي اشتهر به «البالطو والقبعة والقفاز» بأداء بطيء مؤثر، في مشهد لا تقل جودته وبراعته عن كل العروض المؤثرة التي أمتع بها جمهوره خلال مشواره الحافل، ولكن هذا المشهد كان مختلفًا؛ ولأول مرة يراه جمهوره في لحظة ضعف بعد عقود من إظهار القوة والاحترافية على حلبة المصارعة، ولكن كان لتلك العقود أثرها السلبي على جسد أندرتيكر، بالإضافة لتقدمه في السن، حيث يبلغ من العمر ما يزيد عن الخمسين عامًا، وكما أكد الإعلام الأجنبي، فإن مارك كالاواي في حاجة إلى إجراء عملية استبدال للفخذ، والتي سيقوم بها في الفترة القادمة، بعد أن أعلن اعتزاله بشكل نهائي.
لماذا أحب الشباب العربي الحانوتي؟
«برنس» و«عنتيل».. هكذا وصف شباب مصر أندرتيكر
«انا لا أحب أندرتيكر، بل أعشقه؛ فهو قدم العديد من المباريات الرائعة، وخاصة حلبة النيران التي خاضها أمام كاين»، هكذا عبر إسلام بن سيف من الجزائر عن حبه لأندرتيكر.
أخوة الدمار فريق كونه أندرتيكر مع أحد المصارعين، مدعيًا أنه أخوه لمزيد من الدعايا، وقدموا من خلال هذا الفريق الكثير من العروض المميزة، وفازوا أيضًا بالعديد من المباريات، ويرى إسلام أن قرار اعتزاله قرار حزين، ولكن يجب على محبيه احترام قراراته الشخصية، خاصة وأنه أعلن عن اعتزاله في مشهد مهيب «عاد بنا 20 عامًا للوراء».
ذكريات طفولية.. ووداع مُضحك مع علي قنديل
على الرغم من استهداف صانعي عروض المصارعة الحرة للرجال كجمهور، إلا أن متابعة الآباء لهذه المباريات؛ صنعت جمهورًا نسائيًا للعبة من خلال مشاهدة البنات الصغيرات للمصارعة مع آبائهم، فالأمر لا يعتبر متابعة رياضة، بقدر كونه ذكريات طفولية جميلة تربطهن بآبائهن، ولذلك كانت لحظة اعتزاله بالنسبة لهن، كنهاية لفترة طفولية بريئة، شاهد في المقطع التالي الذي أعدناه، كيف تحدثت محبات الأندرتيكر عنه وعن اعتزاله، وهل سيختلف رأيهن عن رأي الشباب من متابعيه؟
علي قنديل، الممثل والـ«ستاند أب كوميديان» من متابعي أندرتيكر أيضًا، سواء كمصارع شهير ومحترف، أو رجل أتقن العروض المبهرة على حلبة مسرح المصارعة، ولذلك إن كانت لحظة وداع أندرتيكر حزينة حول العالم، وفي الوطن العربي، فـ«علي قنديل والورشة» اختاروا أن يحزنوا أيضًا، ولكن على طريقتهم.
شاهد كيف عبرت فرقة علي قنديل المسرحية عن حزنها على الأندرتيكر حين سألتها «ساسة بوست»:
«إن لم تكن من محبي ومتابعي المصارع الشهير الأندرتيكر، وتريد أن تتخيل إحساس متابعيه لحظة اعتزاله، فتخيل إحساسك عندما يعتزل عمرو دياب أو محمد منير، حسب أيهما أقرب لقلبك»، قالها حمدي الحنفي أحد محبي أندر تيكر من مصر.
المصارعة الحرة من الألعاب الرياضية التي لها شعبية في العالم العربي، وخاصة في فترة التسعينات، حيث كان يجلس الكثير من الآباء يشاهدون تلك المباريات؛ ويجلس أبناؤهم بجوارهم ليكتشفوا هذا العالم الغامض العنيف، المليء بالإثارة و«الأكشن»، خاصة عندما يقدم أندرتكر عروضه الغريبة المميزة، حيث أُطلق عليه عربيًا لقب الحانوتي أو الرجل الميت؛ لأنه كان يستخدم تابوتًا حقيقيًا في عروضه، وفي بعض الأحيان كان يدعي الموت بسبب ضرب منافسه له ويقع داخل التابوت، ومن ثم يعود للحياة مرة أخرى؛ لنجد المصارع المنافس له يشعر بالرعب، وكأنه يواجه رجلًا لا يقهر، ويزداد الرعب عندما يغلق أندرتكر عينه، ويواجه الكاميرات بجفون مصبوغة باللون الأبيض، وكأن حدقتاه بدون «نني».
تلك العروض كان يصدقها الأطفال؛ فتحول أندرتيكر في نظرهم إلى شخص أسطوري، كالمحاربين القدامي، لا يُهزم أبدًا، وعلى الرغم من اكتشافهم فيما بعد لتلك الخدع المستخدمة في مباريات المصارعة الحرة؛ من أجل الترويج للمصارعين والبطولات؛ إلا أن مكانة أندرتيكر في قلوبهم لم تهتز، «على الرغم من أن عروضه كانت مخيفة؛ إلا أننا كأطفال كنا نعشقها»، هكذا أكدت آية المرسي من مصر، وهي تحكي لـ«ساسة بوست» عن ذكريات طفولتها مع أندرتيكر.
اعتمد أندرتيكر على الالعاب العقلية لتخويف الخصم وإتقان الخدعة
«هذا الرجل أفنى 27 عامًا من عمره في رياضة المصارعة الحرة، قدم خلالهم مباريات أسطورية من الصعب أن ننساها، مثل أندرتيكر ضد تريبل إتش في القفص الحديدي»، هكذا قال علي الخاليدي – شاب من العراق- واصفًا أندرتيكر لـ«ساسة بوست»، عندما سألناه عن إحساسه تجاه خبر اعتزاله.
تلك اللحظة – كما أكد علي– كانت صعبة جدًا وصعب تقبلها، خاصة وأن أندرتيكر يمثل روح «الراسلمانيا»، وعلى مدى الأعوام السابقة، كان محبوه يشاهدون الراسلمانيا؛ لمشاهدة مباريات أكبر أساطيرها وهو أندرتيكر، لذلك يعتبر اعتزاله بمثابة نهاية روح هذا العرض الكبير والسنة القادمة، لا يجد «علي» رغبة أو حماسًا لمشاهدة الراسلمانيا «بعد اعتزال سيدها»، بحسبه.
«مباراة أندرتكر مع شون مايكلز في الراسلمانيا بدورتها الـخامسة والعشرين هي الأقرب إلى قلبي» قالها جاسر من الأردن لـ«ـساسة بوست».
أندرتيكر له ما يزيد عن 20 انتصارًا خلال الريسلمانيا
على الرغم من إدراك جاسر أن معظم ما يتم تقديمه في مباريات المصارعة، هو عرض متفق عليه، وعلى اختيار الفائزين في نهايته أيضًا، إلا أنه يرى أن أندرتيكر كان أكثر المصارعين احترافية، وجعل أكثر من جيل يتأثر بعروضه ومباراياته؛ بسبب إتقانه والتزامه بشخصيته الصارمة، وبسبب «الكاريزما» القوية التي تؤثر في جماهيره بمجرد دخوله عليهم بطرقه المميزة والمُبتكرة دائمًا، فهو «من وجهة نظري.. أفضل مصارع على الإطلاق».
«كان مصارعًا مميزًا على جميع الأصعدة، وكان له شكل أسطوري لم يستطع أحد أن يرسمه لنفسه مثلما فعل»، قالها محمد عادل غازي من مصر، مؤكدًا أن طريقة دخول أندرتيكر المخيفة والمميزة إلى المباريات، هي التي كانت تضيف أجواء حماسية على المباراة بأكملها.
مشاهدة المصارعة.. تنفيس عن الغضب أم تجسيد للذكورية؟
بدأ أندرتكر مشواره الرياضي عام 198
متابعو المصارعة الحرة من الناضجين، يدركون بشكل كامل، أن معظم ما يتم تقديمه على الحلبة هو عرض تمثيلي، فمشاهدة مباريات المصارعة الحرة تعتبر بمثابة مشاهدة أفلام العنف والأكشن؛ كنوع من أنواع تفريغ الغضب الذي يملأ الصدور بسبب ضغوط الحياة، فعندما يشاهد الرجل مباراة مصارعة حرة، ويرى أندرتكر وهو يبرح منافسه ضربًا، ربما يتخيل هذا المشاهد أن منافس أندرتكر– على سبيل المثال – رئيسه في العمل الذي يزعجه دائمًا. نحن نعيش في مجتمع ذكوري، وللرجل صلاحيات كثيرة، وما لا يلتفت إليه الكثير؛ أن الرجل في هذا المجتمع، ومقابل حصوله على هذه الصلاحيات؛ هو مطالب في المقابل أن يقدم للمرأة الاكتفاء المادي والجنسي والأمان في حياتها.
اقرأ ايضًا: احذر خطر ممارسة الرياضة وأنت غاضب
الأمر الذي يضع الرجل تحت ضغط نفسي ومسؤولية كبيرة، وفي نهاية اليوم، قد تساعده مباراة لأندرتيكر على التخلص من هذا الغضب والعبء المُلقى على عاتقه، وذلك لأن الرجل في بعض الأحيان لا تكون لديه الشجاعة الكافية لخوض صراع جسدي على أرض الواقع، وهي قضية جسّدها فيلم «نادي القتال»: في محاولة من صانعيه لإثبات أن الرجل لن يدخل في صراع بالأيدي، إلا بعد استفزازه بشكل مبالغ فيه، ولذلك تعتبر المصارعة الحرة وسيلة رائعة للهروب من الواقع، وطريق آمن لكل رجل لممارسة الغضب بشكل تخيلي، وهو أمر تم إثباته من خلال دراسة تم نشرها في «جورنال الرياضة» منذ بضعة أعوام، والتي أكدت أن القائمين على الدعايا والترويج لمباريات المصارعة الحرة ونجومها، يستهدفون الشباب والرجال من سن 18 لـ 34 عامًا حول العالم.
شكرًا لك يا تيكر!.. العالم يودع «الرجل الميت»
شعبية أندرتيكر العالمية، هي أقوى بمراحل من شعبيته في المجتمع العربي، فاعتزال هذا المصارع بالنسبة للكثير من محبيه حول العالم بمثابة لحظة إسدال الستار على أحد أساطير المصارعة الحرة، ولذلك أطلق محبوه من المشاهدين ولاعبي المصارعة الحرة من الجيل الجديد «هاشتاج» على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان «شكرًا لك يا تيكر» ThankYouTaker#» حيث يقوم كل منهم بكتابة رسالة وداع وشكر إلى تيكر، وعلى رأسهم ميشيل ماكول المصارعة المعتزلة وزوجة أندرتكير، حيث نشرت صورة لها هي وابنتها، والحزن واضح على ملامحها أثناء مشاهدة آخر عرض لأندرتيكر.