قصة “روبن هود” السوري الذي بنى ثروته الهائلة على وقع حصار المدن السورية

حولت الحرب في سوريا حياة الملايين من السوريين إلى جحيم، لكن آخرين تحولت حياتهم إلى نعيم، من خلال استغلال الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه من بقي في بلده، فقد بات محيي الدين منفوش يملك مملكة مؤلفة من 1000 بقرة، بعد أن كان لا يملك سوى 25 رأساً قبل بدء النزاع.

قصة هذا الرجل روتها صحيفة The Economist الأميركية، موضحةً كيف تمكن منفوش من بناء ثروته الحديثة، وذلك من خلال اعتماده بشكل مباشر على التكتيك المفضَّل للنظام المتمثل في استخدام الحصار؛ لخنق المعارضة السورية واجبارها على الاستسلام.

هكذا بدأ في بناء ثروته :

كانت البقرة الحلوب لأموال منفوش هي حصار الغوطة الشرقية الذي بدأ عام 2013، المنطقة الكبيرة التي تقع في قبضة المعارضة شرق دمشق، والتي زودت أرضها الزراعية الغنية بمعظم احتياجاتها من اللحم والجبن قبل بدء الحرب. ومع اشتداد وطأة الحصار، لم يعد بوسع المزارعين الوصول إلى عملائهم في العاصمة؛ ما أدى إلى انخفاض الأسعار انخفاضاً شديداً، نتيجةً للتوفر الكثيف للألبان في المنطقة.

هنا بدأ المفوش يتحرك، فقام بإبرام صفقة مع النظام، وبدأ في جلب الحليب الرخيص من المقاطعة التابعة للمعارضة بالغوطة الشرقية إلى دمشق الواقعة تحت سيطرة النظام، حيث كان بوسعه أن يبيعه بضِعف ثمنه، مع حصول النظام على حصةٍ من الأرباح.

ساعد النظام السوري المنفوش، وذلك عن طريق علاقاته الخاصة مع المسؤولين الحكوميين، فقاموا بتسهيل حركته من خلال فتح الحواجز له؛ ليقوم بإدخال ما تحتاج إليه الغوطة الشرقية.

انتعش وضع المنفوش الذي لم يكن يملك سوى مصنع صغير قبل خوضه في القصة، فحاز أفضل الماكينات المتخصصة في التعامل مع الأبقار ومنتجات الألبان في المنطقة من المزارعين ورجال الأعمال الذين تأثرت معايشهم بفعل الحصار. ومع اتساع نطاق عمله، باتت الشاحنات التي تغادر الغوطة بالحليب والجبن، تعود إليها محملةً بالشعير والقمح اللازمين لعلف قطيع أبقاره المتزايد فيها وإدارة المخابز التي اشتراها، حسبما ذكرت الصحيفة الأميركية.

احتكر المنفوش تجارة الألبان، فأصبح التاجر الوحيد المسموح له بنقل البضائع من كبرى المناطق المحاصرة في سوريا وإليها، وهو ما خول له التحكم في الأسعار، وأوصلها إلى ذروتها في شتاء عام 2013، حيث وصل سعر كيلو السكر لـ19 دولاراً، في حين كانت تكلفته أقل من دولار واحد في دمشق!

وصلت أرباح المنفوش وأربابه في النظام عنان السماء، وأصبح هو الشخص الوحيد الذي لديه الحق في إدخال الطعام والوقود والدواء وغيرها من الاحتياجات إلى المنطقة المحاصرة، ومن ثم التحكم في اقتصاد المدينة، حتى وصلت الأسعار إلى حالة يرثى لها، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة العربي الجديد.

هذا الأمر دفع المعارضة المحاصرة إلى حفر أنفاق توصل إلى خارج المقاطعة، في محاولةٍ لتنويع مصادر الإمداد؛ ما أدى إلى انخفاض الأسعار مرةً أخرى، رغم أنها ظلت أعلى بعد أضعاف من نظيرتها في دمشق. وحتى في ظل هذه المنافسة، باتت نقطة التفتيش التي كان المنفوش يمرر من خلالها بضائعه تُعرف باسم “معبر المليون”. ويعتقد سكان المنطقة أنها تُخرج 5000 دولار كل ساعة في صورة رشىً تُدفع للجنود القائمين عليها.

زيادة الأرباح :

وزادت المساعدات الأجنبية من تعزيز أرباح المنفوش؛ إذ أجبرت المنظمات التي تمول المخابز والمجالس المحلية على الاعتماد عليه لنقل العملة الصعبة إلى الغوطة الشرقية؛ وهو ما أدى بدوره إلى توليد المزيد من المال لمَلك الجبن، الذي تربَّح من أسعار الصرف المختلفة داخل مقاطعة المتمردين وخارجها.

وتتنوع التقديرات لثروة المنفوش؛ المعروف أن تاجر الجبن بوسعه أن يدفع أجر ميليشيا خاصة تتألف من نحو 500 رجل وعمالة قدرها نحو 1500 شخص يدفع لهم ما يصل إلى 250 دولاراً شهرياً، أي أكثر مما يدفع قادة المعارضة للمقاتلين في صفوفهم. وقد اشترى الرجل عقاراً في دمشق، كما تضم مصانعه داخل الغوطة الشرقية منتجات ألبان، والمقرمشات والمعلبات، والعصائر.

وبعيداً عن حصته من الأرباح، ربح النظام أيضاً درجةً من الهدوء من جانب المنفوش في الغوطة الشرقية. يقول يوسف صدقي، المحلل السياسي السوري الذي درس اقتصاد الحصار في الغوطة الشرقية: “الناس ينظرون إلى المنفوش باعتباره شخصيةً من قبيل روبن هود؛ فهو الوحيد الذي يجلب الطعام إليهم، كما أن منطقتهم لا تتعرض للقصف كالمناطق الأخرى”.

وتختتم الصحيفة الأميركية تقريرها بالقول: “يتوقف احتفاظ المنفوش ومن على شاكلته بثرواتهم بعد الحرب على الطريقة التي سينتهي بها الصراع، وما سيتبعه من سلام. وفي هذا السياق، قال رجل أعمالٍ يعرف تاجر الجبن: إنه يراقص الوحوش؛ ولا يعرف اللحظة التي سيعضّه فيها النظام، ولكنها ستأتي؛ وسيلفظه النظام حين تنعدم الفائدة منه. غير أن فريقاً آخر يعتقد أنه سيصمد، وأن الشبكات والعلاقات التي بناها مليونيرات الحرب ستظل موجودة. ولو حدث ذلك، فإنهم سينتقلون إلى الاستفادة من أموال إعادة الإعمار التي ستتدفق فور انتهاء الحرب. وسيكون من الممكن حينها لمن اغتنوا في أحلك لحظات البلاد أن يحصلوا على المال لإعادة بنائها”.

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.