يأتي بعضها عبر التهريب وفاقدة للصلاحية محاليل المعامل.. فوضى أمام سمع وبصر الجميع

عشرون محلاً بالسوق العربي يبيعونها بأبخس الأثمان

انتشارها حيَّر الأطباء.. والمرضى يدفعون حياتهم ثمناً

طبيب: توجد مافيا تستورد المحاليل منتهية الصلاحية

صاحب معمل: التجَّار يسلكون طريق البَرِ خوفاً من المصادرة

عملية التزييف والغِش والتهريب تطال أصنافاً من الأدوية

مدير شركة للأدوية: إدارة المعمل المركزي لا تؤدي دورها

يعمل دكتور “محمد” في أحد المعامل المُطِلَّة على شارع القصر، يتشاحن بين فترة وأخرى مع عدد من أصحاب معامل آخرين تعودوا على اقتناء المحاليل الطبية التي تستعمل في التحاليل المعملية من محال تعمل في بيع الأدوية والمعدات المهربة لِقلَّة أسعارها، مقارنة بأسعار محاليل الشركات الكبرى التي تضغط عليهم في السعر. رغم أنهم يدركون تماماً أنها منتهية الصلاحية، بسبب الترحيل والتخزين غير السليميْن. وبسبب هامش الربح؛ لا يبالي الواحد منهم بما قد يحدث عند استخدامها في فحص الأمراض.

دواء بالتهريب

ويقول محمد لـ(الصيحة): إن بعض المحاليل التي تباع بسوق الدواء، تأتي عن طريق التهريب، وتوزَّع على أصحاب الدكاكين الذين يعملون على بيعها بأسعار منخفضة لأصحاب المعامل. وهناك عدد من أصحاب المعامل يطلبون من التجَّار احضار محاليل محددة من دول بعينها. وهؤلاء التجَّار يسلكون طريق البَرِ خوفاً من مصادرة البضاعة، إلى جانب الرسوم التي تفرضها الجمارك. وتقع محال بيع تلك المحاليل بوسط السوق العربي.. وتحديداً في عمارة “جاد غريب” التي يوجد بداخلها أكثر من (20) دكاناً يعمل أصحابها في تجارة المحاليل الطبية المهربة.. وهناك تجَّار يعملون على بيعها في عمارات أخرى بسوق أم درمان. هذه الدكاكين يقصدها أصحاب المعامل لاقتناء المحاليل الطبية التي يستخدمونها في الفحص المعملي، مما يؤدي لتعدد نتائج الفحوصات الطبية وضياع أموال وأرواح المرضى.

معدَّات مزيَّفة

قصدت (الصيحة) تلك المحال، وتجوَّلت بداخلها، حيث اتضح من خلال استطلاع أجرته مع عدد من التجَّار ــ الذين فضَّلوا عدم ذكر اسمائهم ــ أن (70%) من الأدوية والمحاليل الطبيَّة التي تروَّج بالأسواق والمحال التجارية مزيَّفة ومنتهية الصلاحية؛ وأغلبها يدخل البلاد عن طريق التهريب عبر “شلاتين”. وهي تفتقد للسلامة الصحية، وتزداد خطورتها على صحة المرضى بزيادة انتشارها، خاصة وأنها لا تخضع للمعايير القانونية، من حيث التخزين والتوزيع.

وأفاد المواطن “إبراهيم عبد القادر” ــ وهو يعمل في توزيع المحاليل بين المعامل بواحدة من الشركات الطبية ــ أن انتشار المحاليل والأدوية المهرَّبة والمزيَّفة يهدد الأمن الدوائي، والسبب الأول والأخير فيه ضعف الرقابة، والتخلِّي عن المسؤوليات من جانب السلطات الصحية، مما تسبب في فوضى بسوق الدواء والمحاليل. وحمَّلهم مسؤولية أخطاء نتائج الفحص المعملي التي ازدادت خلال الفترة الأخيرة.

نسبة خطيرة

واتفق معه “الريح حمد” ــ فني معمل ــ في الرأي؛ لكنه أضاف أن نسبة أخطاء نتيجة الفحوصات وصلت لــ(60%) خلال الفترة الماضية، وذلك من خلال مراقبته للوضع المحيط به. وتأسف لوجود أماكن محددة ومعروفة تعمل على ترويج وبيع المحاليل، وكأنها سلع غذائية فاسدة، أو مواد تجميل، وهي تباع بشكل عشوائي في الأسواق. وتدخل عبر منافذ متعددة، وتخص “تقريباً” فحص جميع الأمراض. ووصف إستراتيجية وزارة الصحة في مواجهة استعمال المحاليل غير الصالحة بـ(الضَعْف).

رأي مقارب

ولم يبتعد الطبيب الصيدلاني “عمر يس” عن الحديث السابق كثيراً، فقد أشار إلى أن عملية التزييف والغش والتهريب تطال عدة أصناف من الأدوية، وأجهزة المعامل، والأدوية الخاصة بالاضطرابات الجنسية، وغيرها.. إضافة إلى أجهزة تشخيص القلب، ووسائل قياس نسبة السكري في الدم، وأجهزة التنفس والأكسجين، وأدوات الحقن والجراحة. فهو يرى أن المعامل تحوَّلت إلى مجال مفتوح للاستثمار، دخله كل من (هبَّ ودبَّ).

عدم صلاحية

فيما شرحت “فردوس آدم عبد الله” ــ فنيَّة ملاريا ــ كانت تعمل بمستشفى (جعفر ابن عوف) نوع المحاليل المهربة، والتي تتمثل في (الأصباغ ـ الإسبريت ـ صبغة اليود ـ الديتول ـ وبودرة الأستون) وغيرها من المحاليل السائلة والكيماوية، والتي لا يجب استخدامها إلا بعد التأكد من صلاحيتها، حتى ولو تم الحصول عليها من الشركات الكبرى. وبالمقابل يمكن استخدام الأدوات الطبية الجافة التي لا تتأثر بفترة محددة مثل (الزجاج ـ القطن ـ والشاش ـ الأشرطة)، لانها غير مصحوبة بفترة صلاحية محددة. ورغم التحذيرات المتواصلة من جانب وزارة الصحة، فهناك عدد كبير من أصحاب المعامل يستخدمون المحاليل المهربة التي تؤدي لقتل المرضى.

رداءة وسوء ترحيل

بالرجوع لبعض الشركات العاملة في بيع المحاليل الطبية، أشار دكتور “حسن إبراهيم” إلى أن تعدد نتائج الفحص قد تكون لإشكال بالكادر، وقلَّة الخبرة في استخدام الأجهزة، أو لخلل في الأجهزة المستخدمة نفسها. وقال لـ(الصيحة): إن أسباب الأخطاء في الفحص المعملي عالمية، لكن تبقى المشكلة في السودان أن المحاليل المستخدمة لا يجرى عليها فحص من إدارة المعمل المركزي، الذي يقوم بتحليل المحاليل الداخلة للبلاد. فجزء كبير جداً منها يأتي عن طريق التهريب، وتضربة أشعة الشمس. ولا يحفظ بطرق مطابقة للمواصفات، ومع هذا تباع في سوق المعامل. وكشف عن وجود إشراف من إدارات المعامل على محال أو (دكاكين) المحاليل، وأن أصحابها التجَّار حاصلين على تصاديق للعمل من الإدارة العامة للمعامل. وأبان أن الإشراف تنقصه معايرة المواد وشهادات المنشأ.

تأثير كبير

وعزا تعدد النتائج لتحديد نسب المحلول، واغلاق أجهزة الفحص المعملي من جانب الكادر العامل، حتى لا يصرف كهرباء زائدة، مما يؤثر على الفحص البكتيري. مبيناً أن درجات الحرارة تؤثر على البكتريا، وتأتي بفحص مختلف، ورغم ذلك لا يعملون على إعادة ضبط الجهاز. وأكد أن المحاليل المهربة تدخل البلاد والأسواق بعلم السلطات الصحية كافة. وانتشارها وبيعها بأقل الأسعار شاهد على فوضى سوق الدواء، وعدم مسؤولية الجهات المختصة وتقصيرها في مراقبة المنافذ الحدودية، وضعف آليات المراقبة والمتابعة لتجارة الدواء بالمحال التجارية. وأشار إلى أن القصد من ذلك محاربة شركات الأدوية. وحتى لا يخسر أصحاب المعامل مبالغ في اقتناء محاليل سليمة يتوجَّهون إلى تجار السوق الأسود. منوها إلى أن المحاليل تحتاج لدرجة حفظ عالية، وأن الترحيل عن طريق البَرِ ــ والذي يتم في أسوأ الظروف ــ يعرضها لدرجات حرارة عالية ويفسدها، وتصبح أدوية رديئة وغير صالحة للفحص. وختم حديثه بأن هذا الوضع سبب تفشي ظاهرة تعدد نتائج الفحص المعملي، والذي يؤدي إلى صدور نتائج غير صحيحة، بالتالي صرف أدوية غير صحيحة. مما ساهم في حدوث وفيات كثيرة وسط المواطنين، وطالب السلطات الصحية بضرورة تصحيح الوضع.

حيرة الأطباء

إذاً قضية تضارب نتائج التحاليل بالمعامل لعينة واحدة، وبسبب استخدام محاليل منتهية الصلاحية وصفها الأطباء في مجال الباطنية والقلب بالفادح، لأنه يقود لتناول علاجات مختلفة، تكون نتائجها سالبة قد تؤدي إلى الوفاة. وأعادوا أسباب تلك الفوضى لغياب الرقابة، والتفتيش الدوري للمعامل سواء بالمنشأت الصحية، أو المعامل القائمة بالقرب من المستشفيات. إلى جانب ترك مسؤولية إدارة المعامل لفنيي المعامل وليست للأطباء. وأبدى د.”خالد الطيب” اختصاصي باطنية استغراباً لتلك الأخطاء التي تُعدُّ وصمة سوداء في صفحة الطب بالسودان، ورمى باللائمة على أصحاب وتقنيي المعامل باعتبارهم يبحثون عن الربح وعدم الخسارة مقابل حياة المواطن.

بينما يدافع أصحاب المعامل عن أنفسهم بالتشكيك في قُدرات الأطباء، وعجزهم أمام اكتشاف المرض من خلال الفحص السريري الذي يخضع له المريض. ويؤكدون أن تقنية الفحص التي يتبعونها تحدد بدقة الداء وليس الدواء. وأكدوا أن المحاليل المهربة التي تباع في السوق السوداء تدخل معاملهم وتخرج بنتائج فحوصات سليمة (100%).

جهة مختصة

وأقرَّت مصادر بالمختبر الرقابي للجودة بالمعمل القومي للصحة العامة “إستاك” باستخدام محاليل مهربة بالمعامل، وبوجود اختلاف في نتائج الفحوصات التي تخضع لها عينات المرضى. وأفادت (الصيحة) بأن العديد من الفحوصات المعملية تحمل اختلافاً في المقادير، وهي مسموح بها على مستوى العالم، وذلك بناء على النظم التحليلية المُطبَّقة في كل معمل. وقال إن ذلك لا يضير بالتشخيص النهائي لحالة المريض، وأعطى مثالاً بـ(سكر الجلكوز) عند المريض، فإذا كان (150) ملجرام لا يختلف عن كونه (155) ملجرام، حيث أن الفارق مسموح به عالميا، ولا يدل على ان المريض كان يعاني من حالة مرضية نفاها التشخيص المختبري، وأكدت رقابتهم على المعامل من خلال اصدار التوجيهات والضوابط لإدارات المعامل بوزارات الصحة بالولايات، ونبَّهت ذات المصادر إلى أن للمحاليل فترة زمنية محددة تجعلها صالحة للاستخدام المعملي، وبانتهائها يمنع استخدامها في أغراض التشخيص، حيث أنها في الغالب تكون غير صالحة. والمحاليل المتوفرة بالأسواق تاتي من خارج السودان، ويقتضي ذلك اتباع الطرق العلمية الصحيحة في نقلها وتخزينها وتسويقها واستخدامها. وأن ظروف صلاحية هذه المحاليل تكون مبيَّنة بوضوح في العلامة التجارية الموجودة داخل وخارج العبوات.

معايير مُطبَّقة

وأشارت لوجود معايير مُطبَّقة تراعى بواسطة مستوردي ومسوقي المحاليل تشرف عليها اللجنة الرقابية بالمجلس، والتي تعمل على التأكد من صحة صلاحية المحاليل الطبية قبل استيرادها، وتقوم بالتقييم المعملي بصلاحيتها على ثلاث مراحل. حيث تتعلق المرحلة الأولى بمعاينة عبوات المحلول من الخارج، والمرحلة الثانية تقوم على افراغ العبوات ومعاينة محتوياتها من الداخل، والمرحلة الثالثة تقوم على الاختبار المعملي للتأكد من كفاءة هذه المحاليل. وهذا الاجراء تخضع له شركات الأدوية فقط، أما المحاليل المهربة فلا تدخل الى السودان عبر القنوات الرسمية، بل تجد طريقها عبر الحدود مباشرة الى الأسواق، بالتالي يصعب التأكد من صلاحيتها أو مطابقتها للمواصفات المعمول بها. وطالب بضرورة مراقبة منافذ التهريب بالبلاد، وتفعيل الدور الرقابي على المعامل داخل الولاية وخارجها.
الصيحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.