الإسلام بين بناء وهدم

في بداية أي عقيدة كانت هناك ثورة، لذلك المسلم هو ثائر دائم

الدين الإسلامي يواجه في العقود الأخيرة الكثير من الاتهامات مثل الهمجية والعشوائية وعلى رأس هذه الاتهامات الإرهاب، ونحن لسنا بصدد بحث تلك الاتهامات صحتها أو دحضها، لكنها رؤية للإسلام ذاته منذ نشأته وشق لنفسه مكانًا ومكانة بين أكبر الدول قديمًا إلى الأمور التي تجري حديثًا.

الدين الإسلامي ظهر في شبه الجزيرة العربية بين رجال لم يعهدوا غير القبيلة، فكان الإسلام أول من وجه وتبنى عقيدة وجب السعي للدفاع عنها، فنقل الرجال من الدفاع والفخر بالنفس والقبيلة لتبني قضية وذاك أمر خطير! نقل مجموعة من البدو وتحويلهم لأصحاب قضية غيرت من الأحداث وشكل خريطة العالم فيما بعد، لذلك إن أخطر ما يحرك الرجل عقيدة يؤمن بها ورسالة يبذل في سبيلها الدم والروح.

في أوائل الدعوة الإسلامية كانوا أشبه بالثورة والثوار – حقًا – لهم طابع واحد في كل زمان ومكان هو الدفاع عن قضية عادلة، في تلك الفترة كان العبيد هم أكثر الناس تضررًا من طبيعة الحياة حيث لا فارق بينهم وبين أى جماد أو حيوان يخدم سيده، لذلك عند ظهور الإسلام كان أوائل من دخلوا فيه هم عامة الناس وأكرم الناس خلقًا من أصحاب النفوذ من كان يشابه ما يعتمل في صدره من رفض لطبيعة الحياة وقانونها مع ما يدعو له الإسلام من تغيير لذلك الواقع وإيجاد منهج بديل للحياة والتعاملات بين البشر وتصور شامل للعقيدة وأمور الدين، علاوة على ذلك وضع منهج للعلاقة بين الإنسان والله في صورة واضحة وما يجب على الإنسان السعي له في الحياة.

و ذلك هو الجانب الفلسفي والاجتماعي من الإسلام، فهو دين يستهدف عامة الناس وليس طبقة بعينها، لذلك كان دعم العامة دائمًا في صفه وتأييد قضيته، بعد ذلك اجتذاب أصحاب النفوذ والسلطة ليكونوا مثل درع له، لذلك سار الإسلام على قدمين العدد الكبير من العامة، وسلطة وقوة كرام النفوس من المنضمين له فكسب العدد والسلطة، لذلك كل ما كان ينقصه هو الانتشار.

الإنسان – عادة – ما يتبنى عقيدة يؤمن بها، لكن الإسلام تبنى الإنسان

إن الإسلام هو أكثر الأديان شمولية فهو يمتلك بجانب العقيدة تنظيم الأمور الاجتماعية والإنسانية، بالإضافة إلى أنه أنشأ أول دولة على أساس ديني وعقائدي! والمتعارف عليه أن الانسان والدولة من يتبنون العقيدة والإيمان بالشيء، وعلى خلاف ذلك تحديدًا سار الإسلام فأسس الدولة وتبني الإنسان، وتظهر شمولية الإسلام في ثلاثة محاور علاقة الإنسان بربه ونفسه وأخيه الإنسان والمجتمع، والحياة الاجتماعية وقتها أن الدول الكبيرة تلتهم سواها وتتمدد، لذلك وجب لتأسيس الدولة الإسلامية ذلك أيضًا.

بعد انتشار العقيدة وجب انتشار الدولة، تم تأسيس الجيوش من ثم الفتوحات والغزوات لنشر وتعزيز سلطة الدولة الإسلامية بالتالي تأثيرها في تغيير مجريات الأمور. فكان هؤلاء رجال بنوا دولة على أكتافهم وسواعدهم وسواء اتفقنا أو اختلفنا على مدى عدل الدين نفسه في الانتشار لم يكن هناك طريقة أخرى للحفاظ على مبادئ ثورية الدين ذاته والانتشار معًا غير بهذه الطريقة، وذلك واضح تمامًا بالمقارنة بانتهاز الدول الأوربية في هذا الوقت سلطة الدين والتحكم في الشعوب والعقول. وبالفعل صارت الدولة الإسلامية من أكبر الدول وفي فترة العثمانيين أكبرهم بالفعل رغم كل ما مر به الإسلام من صراعات حربية وفكرية فلسفية وانشقاقات داخلية، وبالطبع لم يخل تاريخه الحربي من عيوب صغيرة أو كبيرة وسفاهة من أمراء لكن على الجانب الآخر أحدث ذلك تطورًا كبيرًا في كافة العلوم الإنسانية والفكرية، ويشهد على ذلك تطور العلوم في الأندلس لما نقلته عن الشرق. وخلاصة القول أن الدولة الإسلامية حتى وقت قريب كانت تتصدر العالم في كافة العلوم ما الذي حدث؟!

الإسلام أنشأه رجال لا نملك منهم شيئًا غير الفخر

إن ما أصاب العرب من تفكك هو بفعل سفه الحكام وانشغال المحكومين بأمور غير التي شغل بها من أسسوا الدولة ذاتها، لماذا نتعجب من ظهور نتائج مختلفة بل ومعاكسة تماما للنتائج الأولى؟! على سبيل المثال تحالف بعض أمراء الدول الإسلامية مع الصليبيين والتحالف معهم ضد أمير آخر لضمان فترة حكمه! بداية من تلك الوقائع وتبدل الأمور والنفوس إلى واقعنا الآن.

وفي وقتنا هذا ظهرت الدول المدنية – وهي بالمناسبة ليست ضد الدولة الدينية – فنشأ مزيج غير مقبول بين الرواسب الفاسدة للدولة الدينية والنظام المدني الحديث الذي لا نحسن تطبيقه بسبب الأنظمة والحكومات الدكتاتورية!

لذلك لم تنل العامة الثورية الدينية ولا الديمقراطية المدنية، وظلت وحدها الذكرى والبكاء على أطلال الدولة التي أسسها الأبطال وأننا كنا نسود العالم قديمًا!

وظل جل ما لدينا هو فخر أهوج أقرب للقبيلة منه عن أي شيء آخر، والفخر الديني وامتلاك الحق المطلق هو السائد لدينا الآن في مجتمعنا، بالطبع فنحن أحفاد الغزاة المنتصرين، وتم تهميش باقي القضايا بفعل فاعل من أجل تسطيح الفكر، غير أنه تم إساءة استخدام وإدخال الجماعات الإسلامية لمواجهة فكر اقتصادي اجتماعي – الشيوعي – في فترة من الفترات. لذلك لا عجب من التبديل والتحويل الذي جرى في أفكار العامة من الثورية وتبني القضايا إلى التسلط على الآخر وإقصائه والفخر الهمجي دون أسس.

إن امتلاك الإنسان لفكرِه هو أنبل ما يفعله في هذه الفترة والتدبر هو خير الأمور.
ساسة بوست

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.