تناولت مجلة «ذي ويك» الأمريكية التطلعات الصينية للسيطرة على التجارة العالمية من خلال مشاريعها العملاقة، وتحديدًا مشروع طريق الحرير الجديد، والبعد الاستراتيجي لهذا المشروع، كما ناقشت أيضًا التأثيرات المختلفة للمشروعات الصينية على النفوذ الأمريكي العالمي.
ما هي خطة الصين؟
بحسب التقرير، تسعى الصين للسيطرة على العالم في القرن الجاري، وتحويله إلى قرن الأمجاد الصينية، والمفتاح لهذه السيطرة هو مشروع «طريق الحرير الجديد»، والذي يعد أضخم محاولة هندسية منذ عصر الإمبراطورية الرومانية، ويمتد بين عشرات الدول.
يطلق على المشروع أيضًا اسم «حِزام واحد، طريق واحد»، وتشير كلمة الحزام إلى الجزء البري من المشروع، والذي يتضمن طرقًا وخطوطًا للسكة الحديدية، وكل ما يخدمها من بنى تحتية، ومن بينها خطوط الطاقة والإنترنت عبر أراض تمتد من غرب الصين مرورًا بآسيا الوسطى، وصولًا إلى أوروبا والشرق الأوسط.
ما تحاول الصين القيام به هو توفير بديل أيديولوجي، بل وأخلاقي للنظام الأمريكي والغربي بشكل عام، ولليبرالية على نطاق أوسع، وأن الهدف هو استعادة أمجاد الإمبراطورية الصينية باعتبارها مركز القوة في العالم.
الجزء الآخر هو الطريق البحري، والذي يتألف من موانٍ جديدة، وسفن عملاقة، ومسارات بحرية من جنوب الصين عبر المحيط الهندي وصولًا إلى أفريقيا، ثم عبر البحر المتوسط وصولًا لأوروبا. وفي حال نجحت تلك المشاريع في تحقيق أهدافها، سيتجاوز حجم التجارة عبر هذا الطريق 2.5 تريليون دولار سنويًا.
يضيف التقرير أن الصين قد استثمرت بالفعل تريليون دولار في المشروع حتى الآن، في حين وافقت 68 حكومة ومنظمة دولية على المشاركة فيه.
بحسب دان جاريت، المحلل الاستخباراتي السابق بالبنتاجون، فإن ما تحاول الصين القيام به هو توفير بديل أيديولوجي بل وأخلاقي للنظام الأمريكي والغربي بشكل عام، ولليبرالية على نطاق أوسع، وأن الهدف هو استعادة أمجاد الإمبراطورية الصينية باعتبارها مركز القوة في العالم.
منذ سبعينيات القرن الماضي، حملت فلسفة الصين الاستراتيجية شعار قائدها دينج شياوبينج، وهو العمل في صمت العودة، ولكن في 2013، ومع انتخابه رئيسًا للصين، أعلن شي جين بينج أن وقت بلاده قد حان لتحقيق حلم العودة لسابق مجدها.
وبينما كان طريق الحرير سببًا في جعل الصين مركزًا للتجارة العالمية في قرون مجدها، ترتكز رؤية شي جين بينج على إعادة الإمبراطورية الكبرى من خلال طريق الحرير الجديد، والذي يرى أنه يوحد العالم، ويعود بالنفع على جميع الأطراف.
وقال بينج في منتدى طريق الحرير الشهر الماضي، والذي عُقِد في الصين، وجمع قادة دول مختلفة أبرزهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين «مع امتداده عبر مئات الأميال والسنين، كان طريق الحرير القضية يمثل روح السلام والتعاون بين الأمم، والقناة التي انتقلت من خلالها العلوم والقيم السامية التي عادت بالنفع على الجميع».
لماذا الآن؟
تقول الصين إنها ترغب في مساعدة بقية دول العالم في تحقيق المعجزة الاقتصادية التي حققتها. خلال السنوات الـ35 الماضية، قلصت الصين من معدلات الفقر لديها من 88% إلى أٌقل من 2% فقط، وهو ما يدفع الكاتب للقول بأن هذا المشروع ليس في صالح الصين وحدها، كما أنه سيفيد الصين في مد أسواقها لتحافظ على نموها وتواصل توفير فرص العمل لـ1.4 مليار شخص.
بحسب التقرير، فإن نقل المصانع ذات الإنتاجية الفائضة إلى الخارج سيساهم في تقليل وفرة المعروض، كما ستستفيد الشركات الصينية من ناحيتين، أولهما حصولها على أغلب عقود البنى التحتية، وثانيهما الطرق التجارية الجديدة التي ستمكنهم من تصدير منتجاتها بصورة أسهل.
دعت الصين الولايات المتحدة للمشاركة في خططها، إلا أنها رأت أن سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي لا تضع سوى الولايات المتحدة في اعتبارها سببًا كافيًا لتتقدم وتحاول أخذ مكانها كالقوة والمحرك الأكبر للتجارة العالمية، وهو ما يهدم المساعي التي حاول أوباما القيام بها في حكمه، ومن ضمنها اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي، والتي تضم 12 دولة، وتهدف إلى معادلة الصعود التجاري الصيني القوي.
يقول الكاتب إن تلك الاتفاقية التجارية العالمية، كانت سببًا في خلق منطقة للتجارة الحرة يُعزى لها 40% من الاقتصاد العالمي حاليًا، بما في ذلك الولايات المتحدة، وهو ما يعني أن تحقيق الإنجاز التجاري يستند بالأساس على التعاون الدولي، إلا أن ترامب انسحب من تلك الاتفاقية في يومه الأول على مقعد الرئاسة بحجة حماية العمالة الأمريكية.
ما الذي أُنجِز حتى الآن؟
الصين على وشك إنهاء بناء ميناء جديد في جيبوتي، غرب أفريقيا، بتكلفة تبلغ 590 مليون دولار، وتحديدًا في الموقع الذي يلتقي فيه خليج عدن بالبحر الأحمر، يضاف إلى ذلك عدد من المشروعات بطول الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، من بينها ميناء جوادار في باكستان، بالقرب من الخليج العربي.
شركة China Communications Construction، وهي إحدى الشركات المملوكة للدولة، بنت بالفعل 95 ميناء، و10 مطارات، و152 كوبري، بالإضافة إلى 2080 خطًا للسكك الحديدية في دول مختلفة بامتداد الطريق التجاري الجديد. أيضًا يستمر إنشاء القطار الإندونيسي فائق السرعة، والمتوقع انطلاقه في 2019.
على مدار العِقد الماضي، نشطت شركات الإنشاءات الصينية في مناطق متفرقة في أفريقيا وأمريكا الجنوبية، وشاركت في مشروعات الطاقة في الإكوادود، ومشاريع سكنية في فنزويلا، بالإضافة لمصانع للزجاج والأسمنت في إثيوبيا، وغيرها.
هل ستستفيد تلك الدول؟
نعم، ولكن هناك ثمن لذلك بالتأكيد. تملك الشركات الصينية أفضلية كبيرة على الشركات المحلية في الحصول على عقود تشييد وبناء تلك المشروعات، ولذلك الأمر أثر اجتماعي أيضًا، إذ أن ذلك النمو السريع للصين جاء على حساب مصادرة بعض الأراضي، والتشريد القسري لملايين المواطنين، وهو النموذج الذي ربما تصدره الصين أيضًا.
ولكن القلق الرئيسي بخلاف ذلك – بحسب التقرير – هو لسبب استراتيجي، إذ تتعهد الحكومات المستضيفة بالفعل بالتنازل للصين ومنحها حق مراقبة بنى تحتية حساسة للغاية، كالاتصالات والموانئ. تلك السيطرة الاقتصادية أيضًا من شأنها أن تحقق أهدافًا عسكرية، فالموانئ التي تبنيها الصين في باكستان والتي تقع بالقرب من مدخل الخليج، وتلك في جيبوتي على البحر الأحمر، ليست لأغراض التجارة فحسب، إذ أن لها بعدًا عسكريًا، وتمنح البحرية الصينية طريقًا للوصول للمرات البحرية الرئيسية، وهو ما يراه توم ميلر، المفكر السياسي ومؤلف كتاب China’s Asian Dream.
الريادة في مجال الطاقة المتجددة
بحسب التقرير، تعد الصين الدولة الرائدة عالميًا في مجال الطاقة الشمسية وغيرها من صور الطاقة المتجددة، إذ تضع استثمارًا يفوق نظيراتها، إذ بلغت استثمارات الصين في مجال الطاقة المتجددة 88 مليار دولار في العام الماضي فقط، والنتيجة هي أن 6 من بين أكبر 10 شركات مصنعة لألواح الطاقة الشمسية تأتي من الصين، من بينهم المركزان الأوائل.
الأسبوع الماضي، أتمت الصين بناء أكبر حقل عائم للطاقة الشمسية في العالم، ومن المتوقع أن توفر هذه الصناعة ما
يقارب 2.6 مليون فرصة عمل حتى عام 2020. تخطط الصين هذا العام أيضًا لبناء أكبر نظام للتخلص من الانبعاثات الكربونية. وفي الوقت الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة انسحابها من اتفاقية باريس للمناخ، يقول نيكولاس ستيرن من اللجنة العالمية للاقتصاد والمناخ إن العالم يبحث عن بطل في مجال المناخ، وإن الصين هي ذلك البطل المنتظر.
المقال مترجم عنChina’s plan to run the worldللكاتب The Week Staff