في الوقت الذي قرع فيه والي الخرطوم الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين الجرس بمدرستي الشهيد أبوبكر الطيب وبشير النفيدي معلناً بداية العام الدراسي، فإن أجراسا أخرى قرعتها الأمطار الغزيرة التي اجتاحت العاصمة في الساعات الأولى من صباح الأمس، أجراس داوية وعالية الصوت تحاكي تلك التي تقرع في الكنائس صبيحة كل أحد، وهي تعلن عن امتلاء الطرقات والأحياء والأسواق بالمياه لعدم فعالية المصارف، وتوضح أن العاصمة لا يمكن أن يجتمع فوق أرضها المكتظة بالسكان أمران وهما الأمطار والمواصلات، فقد عجز الكثيرون عن التوجه صوب أعمالهم لاختفاء المركبات وتحاشي أصحابها العمل في طرق أخفت المياه معالم أسفلتها وحفرها.
نفس الملامح
لم تختلف الملامح والمشاهد بأحياء العاصمة المختلفة التي وصلت الرقم ألف وسبعمائة في تأكيد على أن الخرطوم باتت بالفعل (كرش فيل) يقطنها أكثر من ثمانية ملايين نسمة.
وجولة الصيحة بالمحليات السبع أوضحت أن ثمة مشتركات بين مختلف أحياء العاصمة التي ألغت الأمطار تفاوتها ووضعتها في مرتبة واحدة، والملمح الرئيس هو أن المياه التي كان المواطنون يجأرون بالشكوى من ضعف إمدادها عبر المواسير قد انهمرت عليهم من السماء مدرارة وغطت الطرق والساحات والأسواق، ومن أكثر المشاهد المشتركة بأحياء الحاج يوسف والكلاكلة والجريف والفتيحاب والثورات والكدرو، رؤية رجال ونساء وأطفال وهم منهمكون في محاولات مستميتة لإخراج المياه من منازلهم حتى لا تتصدع، مستعملين الأواني المنزلية في إخراجها، والسبب كما قال لنا حامد بالمايقوما يعود الى ارتفاع مستوى الشوارع وعدم وجود مصارف، وهذا جعل المياه تتسرب داخل المنازل دون استئذان، وقال حامد غاضباً: عمري الآن خمسون عاماً وطوال هذه الفترة فإن الخريف ظل يمثل لي هاجساً منذ أن كنت طفلاً حتى أصبحت على مقربة من الشيخوخة والسبب يعود بشكل مباشر إلى عدم وجود مصارف ولا نعرف إلى متى نظل على هذا الحال.
معاناة وفرحة
ذات السؤال الذي ختم به حامد حديثه جرى على لسان الأربعينية فاطمة بدار السلام المغاربة بشرق النيل التي بدت غاضبة جراء تصدع جدران منزلها الخارجية بسبب عدم تصريف المياه، وقالت إنهم ورغم فرحتهم بهطول الأمطار لإسهامها في تلطيف الأجواء وتقليل درجات الحرارة، إلا أن امتلاء الشوارع والمنازل بالمياه يؤكد أن العاصمة ما تزال غارقة في العشوائية وأن المحليات غير مهتمة بأداء أدوارها رغم الرسوم التي تتحصلها، متخوفة من أن تتسبب المياه الراكدة في تفشي الإسهالات المائية رغم الجهود المبذولة لشفطها كما شاهدنا بعدد من الأحياء والأسواق..
قف مكانك
كثيرون ورغم اعتدال الأجواء ظللتهم سحائب الاستياء بسبب انعدام المواصلات في الفترة الصباحية وهو موعد الذهاب إلى العمل والمدارس وربما مشاوير أخرى خاصة ذات أهمية قصوى، وبالكلاكلة اللفة وحلة كوكو والمحطة الوسطى ببحري وجنوب أم درمان وقف المواطنون بأعداد كبيرة في انتظار مركبات عامة تقلهم إلى وجهاتهم المختلفة، ولكن دون جدوى، فالطالبة الجامعية نسرين جزمت بأنها ظلت تقف في محطة حلة كوكو لمدة ساعة كاملة ولم تحظ بفرصة الصعود على متن عربة لتقلها الى وسط الخرطوم حيث جامعتها الحكومية، وذات القول جهر به مصعب بالفتيحاب الذي كان مستاء من اختفاء المركبات ويتحدث بصوت مسموع عن ما اعتبره استهتارا من أصحاب المركبات، إلا أن صاحب حافلة (سعة ثلاثين راكباً) التقيناه بالشعبية ببحري فسر اختفاء المركبات العامة أمس في الفترة الصباحية، بتخوفهم من تعرض مركباتهم للأعطال، مؤكدا على أن الشوارع الممتلئة بالمياه لا يمكن السير فيها بيسر وذلك لكثرة الحفر والمطبات بالإضافة إلى بطء حركة السير، وقال إن العمل في الخريف يمثل لهم هاجساً ولا يمكن أن يغامروا في ظل امتلاء الشوارع بالمياه.
غياب ولعب
في معظم الأحياء التي تجولنا فيها أيقنا من خلال مشاهدة الأطفال الذين يلعبون وهم فرحون بالمياه التي غطت الطرقات أن العام الدراسي لم ينطلق أمس مثلما خططت حكومة الولاية التي تجاهلت نداءات إرجاء العام الدراسي الى حين استقرار موقف الإسهالات المائية، وتوجهنا نحو عدد كبير من المدارس ولم نجد طلابها وتلاميذها، بل حتى تلك التي قرع فيها والي الخرطوم الجرس فإن عدد طالباتها لم يتجاوز 30 في المية، فيما عجز مدير مدرسة كان يفترض أن يقرغ فيها معتمد المحلية جرس البداية عن الذهاب إليها لعدم وجود وسيلة تقله، وأكد مواطنون في أحياء متفرقة من العاصمة حدوث تأثر جزئي ببعض بالأمطار الغزيرة التي هطلت أمس، وإذا كان الطلاب قد غابوا قسراً عن اليوم الأول للعام الدراسي بالخرطوم فإن عددا كبيراً من التجار بأسواق العربي، اللفة، حلايب، صابرين، حلة كوكو، سوق ستة الحاج يوسف لم يجدوا أمامهم خيارًا غير تمديد عطلة عيد الفطر ليوم عاشر لعجزهم عن التوجه نحو محالهم، وإجمالاً يمكن القول إن أمطار الأمس التي استمر هطولها خمس ساعات متواصلة تسببت في حدوث شلل جزئي للحركة بالعاصمة، وأكدت أن المصارف تظل نقطة ضعف كل الحكومات التي تعاقبت على إدارتها.
المدارس صارت جزراً معزولة بالحاج يوسف
الأمطار تتسبب في تعطيل الدراسة في يومها الأول
استياء من والي الخرطوم ومطالبات بترحيل معسكر الجنوبيين
الحاج يوسف : محمد أحمد الكباشي
تسببت الأمطار التي هطلت بغزارة صبيحة أمس الأحد بالحاج يوسف والتي استمرت زهاء الساعتين في إحراج ولاية الخرطوم وهي تتأهب لانطلاقة العام الدراسي 2017- 2018 حيث تم اختيار مدرسة الشهيد أبوبكر الطيب مصطفى الثانوية للبنات الى جانب مدارس بشير النفيدي بالشقلة لتدشين العام الدراسي بحضور والي الخرطوم عبد الرحيم محمد حسين ووزير التربية والتعليم بالولاية، ولم يتمكن غالبية تلاميذ هذه المدارس وغيرها من الوصول إليها بسبب المياه التي غطت الطرقات وأحالت هذه المدارس إلى جزر معزولة تماماً، وجاء إعلان افتتاح العام الدراسي خجولاً لا كما أرادت له الوزارة وأكدت على تاريخه المحدد بالرغم من الشائعات التي سبقت ذلك حول تأجيله مع مطالبات ملحة بالتأجيل لدواعٍ صحية في ظل انتشار الإسهالات المائية في عدد من المناطق بينما أرادت حكومة الولاية أن تؤكد قدرتها.
إحباط بسبب الوالي
الأمطار التي هطلت بالحاج يوسف واجتاحت المياه أحياء عديدة أحدثت بها أضرارًا بالغة كشفت بجلاء عجز حكومة الولاية وعدم جديتها في الاستعداد بصورة جيدة للخريف منذ وقت مبكر وفق ما أشار إليه نائب الدائرة 28 الحاج يوسف عبد الله سيد أحمد والذي أكد خلال حديثه للصيحة أن الأمطار أحدثت أضراراً بالغة وسط العديد من المواطنين، مبيناً أن المياه احتلت الطرقات والميادين وأن هناك معاناة حقيقية في حركة المارة والسيارات، واعتبر عبد الله أن استعداد المحلية للخريف يساوي صفرا كبيراً وزاد: (الخريف ما بجي وما نشاهده الآن من تحركات لبعض الآليات شيء مخجل وهذه الآليات ليس بمقدورها إزاحة هذه البحيرات)، وحول انطلاقة العام الدراسي أبدى عضو تشريعي الولاية مخاوفه من انتشار الأمراض بسبب البيئة المحيطة بالمدارس وظروف الخريف، مشيراً إلى أن المياه بالأحياء يمكن أن تستمر لأسابيع مع احتمال هطول الأمطار وأن الخريف لا زال في بداياته، وانتقد عضو تشريعي الخرطوم عدم نزول والي الخرطوم عبد الرحيم محمد حسين والذي خصص هذه الزيارة لقرع الجرس بمدرسة بشير النفيدي من سيارته لحظة وصوله إلا أنه اكتفى بإلقاء نظرة على المياه التي حالت دون نزوله من السيارة، وزاد: ( ليت الوالي أحس بمعاناة مواطنيه وأبنائه من التلاميذ وهم يخوضون هذه البرك بصعوبة للوصول إلى المدرسة ونزل معهم لكنه اكتفى بنظرة عابرة وعاد أدراجه دون أن تبتل قدماه).
جهود شعبية
وقال عبد الله: كنا نريد أن يقف الوالي على الجهد الشعبي في إنشاء المؤسسات بمدرسة بشير النفيدي وقد تم إكمال فصلين جديدين بجهد أصحاب المدرسة لفك التزاحم وسط التلاميذ وطالب وزارة التربية بإكمال الإجلاس والكتاب.
وغير بعيد عن مدرسة سعاد إبراهيم مالك يقع معسكر عشوائي للاجئي دولة الجنوب، وبدا تأثير الأمطار واضحاً على هؤلاء وممتلكاتهم حيث لم تقو الرواكيب ومنازلهم المتواضعة حين جرفتها المياه لكن حالة من التوجس والسخط كانت واضحة من قبل المعلمين والمجلس التربوي للمدرسة وتقول إحدى المعلمات ـ فضلت حجب اسمها ـ إن وجود هؤلاء بالقرب من المدرسة يعتبر مهددًا أمنياً وصحياً، وشددت على ضرورة نقل المعسكر بعيدًا عن المدرسة، بينما وصف عضو تشريعي الخرطوم وجودهم بالمنظر المشوه وأنه قنبلة موقوتة وطالب الدولة بأن تتدخل لإزالة المعسكر، وقال إنهم كقيادات بالمنطقة أبدوا اهتماماً بالأمر وتم جمع مبلغ من المال لهذا الغرض وتم الاتصال بشرطة المحلية لكن لم تلتزم بما وعدت به في إزالة موقع الجنوبيين، وقال: أي تأخير ومماطلة في عدم ترحيل المعسكر يمثل كارثة لا يعلم مداها إلا الله وفق ما ذكر.
أوضاع متردية
وإذا كانت المياه قد عزلت المدارس تماماً عن اليابسة بمنطقة الشقلة بالحاج يوسف فإن عددا من المنازل تعرض لأضرار بالغة وفي هذا يبدي رئيس اللجنة الشعبية عبد الهادي احمد الكنزي مخاوفه من تدهور الأوضاع الصحية بالمنطقة واعتبر معسكر اللاجئين مهدداً أمنياً، مضيفاً أن محلية شرق النيل لم تهتم بأمر الخريف بالرغم من الشكاوى المتكررة بصورة مستمرة مع كل موسم وقال إن المحلية تغط في نوم عميق لا يوجد تحرك جاد لمعالجة مشكلة تصريف المياه وقال إن محلية شرق تتعامل دائماً بسياسة إطفاء الحرائق دون النظر لمسببات الحريق وتلافيها ومن بينها عدم فتح المصرف الرئيس على الطريق المسفلت إلى جانب معاناة المواطنين لعدم وجود مصارف داخل الأحياء مما يعرض المنازل والحمامات للانهيار، وتساءل أين المعتمد من كل هذا ولماذا لا يقف على الأوضاع بنفسه؟ وأضاف أن أولياء الأمور يتخوفون من إحضار أبنائهم إلى المدارس في ظل الظروف الصحية المعقدة وطالب الكنزي حكومة الولاية بالتدخل بصورة عاجلة لإنقاذ المنطقة مما وصفه بالكارثة، وشدد الكنزي على ضرورة ترحيل معسكر الجنوبيين الواقع بحي الصفا بالشقلة، وقال خلال حديثه للصيحة إن هناك تأثيرات سالبة لهذا المعسكر حيث لا توجد دورات مياه وأن هؤلاء يقضون حاجاتهم في العراء الى جانب شكاوى مواطنين من تعرضهم للسرقات.
أزمة خبز
إلى جانب معاناة المواطنين بحي الشقلة ومحاولاتهم اليائسة لتصريف المياه إلا أن يوم أمس شهد أزمة خبز طاحنة وسط طوابير أمام المخابز ولم يتسن للصحيفة معرفة أسباب الأزمة غير أن صاحب فرن أرجعها لهطول الأمطار فيما تلاحظ انحسار حركة المرور مع بروز أزمة مواصلات في بداية يوم أمس أخذت في التحسن مع مرور الوقت.
بعد الأمطار الأخيرة
الأحياء “الراقية” ترسب في امتحان “الفخامة”
الخرطوم: ناجي الكرشابي
عقب هطول الأمطار الأخيرة بولاية الخرطوم هرعت الصيحة في جولة على الأحياء المصنفة ضمن الدرجة الأولى والتي تسكنها الطبقات الراقية والبرجوازية، والتي يتجاوز سعر شراء المتر بها أكثر من 10 إلى 5 آلاف جنيه وبينما سعر الشقة الإيجار بها يبدأ بمبلغ من 5 إلى 20 ألف جنيه شهرياً، وهي لأحياء التي تتمحور بها منشآت الدولة من وزارات وهيئات فضلاً عن الشركات العملاقة ومباني السفارات والملحقيات والمطاعم الراقية والفنادق زات الخمسة نجوم والأسواق الكبيرة “المول” هذا فضلاً عن احتضانها حتى للقصر الجمهوري وبعض المباني الأثرية القديمة والمساجد العتيقة والملاعب الرياضية .
رغم أن والي الولاية الفريق عبد الرحيم محمد حسين تفاءل بها واعتبرها أمطار خير وبركة كغيره من المسؤولين الذين يجدون احتشاد اللغة في التعبير ولا تقوم تصريحاتهم على قاعدة من البيانات الصحيحة، هذه الأحياء لم تنج هي الأخرى من الأمطار الأخيرة حيث رصدت الصيحة غرق شوارع رئيسية بتلك الأحياء الراقية .
حيث أن أحياء كالمنشية وحي الرياض تجد أن شوارع “المشتل والجزار و117 وغيرها” ممتلئة بمياه الأمطار فضلاً عن حي الطائف والذي يقطنه معظم الأجانب، كذلك الحال بشوارع المعمورة الداخلية التي أصبحت مستنقعا تصب خلالها مياه الأحياء المجاورة، بينما تجد أن معظم الميادين بأركويت تغوص في مياه الأمطار فضلاً عن قاردن ستي وحي الصفا والعمارات وحي الزهور والخرطوم2 والخرطوم3 والمقرن .إذا كانت معظم الأحياء الراقية بالخرطوم لم تنج كذلك الحال على أحياء بحري ككافوري والواحة وحلة حمد والصافية وغيرها أصبحت “ميعات” وبركاً كبيرة .
أم درمان هي الأخرى فحدث ولا حرج حيث إن أحياء كالملازمين والمهندسين والروضة والواحة والبستان وغرها قد تضررت هي الأخرى، هذه الأمطار الأخيرة كشفت أزمة التخطيط التي تعيشها الخرطوم والتي بلا شك تحتاج الى قرار شجاع بإعادة تخطيطها.
“الصيحة” جلست إلى السكان في تلك الأحياء فتحدثوا بلغة واحده مطالبين حكومة الولاية من معالجة الأمر من خلال فتح مصارف بصورة جيدة والبعض الآخر يأمل أن يتم “شفط” المياه بواسطة السيارات المجهزة لذلك الغرض.
بيد أن أكثر الحلول التي نظنها منطقية ومجزية هي التي قالها لنا أحد المغتربين بأن تتعاقد حكومة الخرطوم مع شركة عالمية ذات خبرة في هذا الشأن كالتي تقوم بالأعمال الهندسية من تصريف وبنية تحتية ونظافة وأن يتم تمويلها بدفع رسوم شهرية من كل منزل .
المصدر: الصيحة