“مشرحة الخبراء” يقول الكثيرون إن قرار ترامب الأخير يأتي في مصلحة السودان ولا يحتمل الغضبة الحكومية.. كيف ذلك؟

“إنه قرار عادي وفي مصلحة السودان، ولا يحتمل الغضبة الحكومية التي خرجت في شكل قرارات أفضت إلى تعليق التفاوض مع واشنطن”. هذا ما اتفق حوله المتحدثون في منتدى (المسارات والمآلات)، الذي نظمته طيبة برس نهار أمس (السبت)، وكما هو واضح أن العنوان يعني العقوبات الأمريكية ومساراتها الخمسة.
وبما أن الأثر المرتقب لرفع تلك العقوبات أو إبقائها كان اقتصادياً، فالسانحة للخبير الاقتصادي وواضع سياسات الإنقاذ المالية، عبدالرحيم حمدي، الذي قال إن أهم ما في القرار إلغاء المادة (11) التي تلزم المؤسسات الأمريكية برفع تقارير إلى ترامب بهذا الخصوص، وهذا وفقاً لحمدي يعني أن ترامب قال لهم: “أنا لا أحتاج إليكم لتنصحوني”، وهو ما يدعم اتجاه أن الرجل دائماً يتخذ القرارات بمفرده. وأشار حمدي إلى أن من ضمن المؤشرات الشخصية بالنسبة له في أن العقوبات تمضي في اتجاه رفعها أن أحد كبار رجالات الأعمال في البلاد، وله علاقة وثيقة مع الأمريكان يؤسس الآن في مصنع ضخم لصناعة الصمغ العربي في البلاد.
لكن السؤال الذي اعترض حديث حمدي بهذا الشأن هو هل استفادت الحكومة من فترة الستة أشهر الماضية التي سمحت فيها واشنطن بمعاملات مالية بينها وبين الخرطوم؟ للإجابة يستنجد حمدي بتعليق اعتبره الأفضل يعود إلى وزير المالية الذي أقر فيه بعدم جني أي فائدة خلال الفترة الماضية. ويرى حمدي أن الحكومة كان بإمكانها ان تستفيد من تلك الفترة عبر الطواف على المؤسسات المالية والاستثمارية العالمية وإقناعها بأن الأمر في طريقه للانفراج، وينوه بأن هذا الجهد من مهمة الجسم الاستثماري في البلاد، وأضاف: “أنا شخصياً قدمت اقتراحاً بتجهيز مشاريع لأمريكا لأن تفكير الإدارة الجديدة تجاري بحت، من واقع أن ترامب رجل صفقات”. وزاد حمدي: “اقترحت عليهم أن نجهز له صفقة كبيرة لن تقل عن المائة مليار دولار، لأن ذلك يشغل أذهانهم ويحدد تركيزهم”. ولكن مع ذلك يعتقد حمدي أن توجه الحكومة شرقا أيام الحصار أدى إلى نتائج أفضل بكثير من الإبقاء في الغرب، ويشير إلى أن طيلة فترة الحصار لم تتوقف التدفقات المالية كما يظن بعض قيادات الإنقاذ، ويعتقدون أنهم صمدوا كل تلك الفترة، لافتا إلى أن الحصار أخذ منحى خطيرا عندما قصد التحويلات المالية التي لم يستهدفها قانونيا، لكن أمريكا استخدمت الإرهاب مقابل كل المؤسسات الدولية وابتزازها.
ومع ذلك يوضح حمدي أن أسوأ ما في الأمر هو الحصار الداخلي بسبب سياسات اقتصادية خاطئة من خلال سياسة الانكماش التي اتبعها البنك المركزي والتي لا تسمح بضخ أموال كثيرة في الاقتصاد، وأضاف: “البنك المركزي نشف حال البلد، لأن هذه السياسة أوصلتنا إلى الركوض والتضخم”، بالإضافة إلى سياساته في احتكار شراء الذهب وتحديد سعر الصرف بوضع قيمة للعملة الحرة لا يتعامل معها أي عاقل، منوهاً بأن الاقتصاد يمضي في ما يتعلق بزيادة الأسعار في عالم لا تحكمه الحقائق. ويمضي حمدي في وضع صورة قاتمة للاقتصاد خلال الفترة المقبلة، ويؤكد أن الحكومة الآن سحبت (70 %) من احتياطي النقد في البنك المركزي، فضلا عن أنها بدأت استيراد البترول بالعملة المحلية، أبرزها توقيع صفقة مع بنك خليجي بواقع (140) مليار جنيه، مما يحدث تسربا خطيرا، واصفاً ذلك بـ(الطريقة المعوجة). وختم حمدي حديثه باعتبار ما يحدث في محور الاقتصاد بأنه (خزعبلات) لا علاقة لها بالواقع.
وجاء تعليق البروفيسور الطيب زين العابدين في حيثيات القرار الأمريكي عبر إجراء تحليل لمضمون القرار، واعتبر أن القرار فيه نقاط إيجابية لكونه أجل رفع العقوبات إلى ثلاثة أشهر، في وقت كانت هناك مطالبات من قبل خمسين من أعضاء الكونغرس الأمريكي تطالب ترامب بتأجيل القرار إلى فترة سنة كاملة، وينوه بأن هذا التأجيل هدفه منح فرصة للإدارة الجديدة لمراجعة القرار، لافتا إلى أن هناك وعودا واضحة من قبل الإدارة الأمريكية برفع الحظر إذا ثبت أن الخرطوم أحدثت تقدما في المسارات المحددة، ويؤكد الطيب أن الذين صاغوا القرار يبدو عليهم التعاطف مع السودان، ويشير إلى أن رد الحكومة بتجميد المفاوضات مع واشنطن موقف غير موفق إطلاقا، وإن كان لابد من قرار، على أقل تقدير، توقف التفاوض شهرا واحدا.
في الأثناء ركّز عمر الدقير، رئيس حزب المؤتمر السوداني، حديثه على أوضاع حقوق الإنسان في البلاد غير جيدة، فضلاً عن أن القرار أحدث حالة ارتباك في صفوف الحكومة وأجهزتها لأنها بنت آمالها على رفع العقوبات، ويعتقد الدقير أن رفع العقوبات وإن تم، فليس هو المفتاح السحري لحل أزمة البلاد، كما أنه لم يكن السبب.

الخرطوم – آدم محمد أحمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.