أزمة كبرى في الطريق

تعيش دوائر رسمية وسياسة وأكاديمية في أوروبا، حالة من القلق والتوجُّس، مردَّها أن العالم يمر اليوم بأوضاع شبيهةٍ بالتي سادت في ثلاثينيات القرن الماضي، وهو من ثم قد يكون متجهاً نحو أزمة كبرى، تعصف بنظامه الدولي وتعيد تشكيله.

قبل أكثر من ثمانية عقود، شهد العالم صعود قوى غير ديمقراطية، في أوروبا (الفاشية والنازية) وشرق آسيا (العسكرتاريا اليابانية)، وساد عدم الاستقرار في أجزاء كبيرة من القارتين الأوروبية والآسيوية، وتحولت الحرب الأهلية الأسبانية إلى أزمة دولية كبرى، استخدمتها القوى الأوروبية المتنافسة ساحة لعرض أفضل ما طوَّرته من أسلحة في حرب وكالةٍ، انتهت بتثبيت أركان نظام سلطوي دموي.

في الوقت نفسه، كانت الديمقراطيات الغربية تعيش حالة من الشلل التام، الناجم عن رغبتها في تفادي المواجهة، والتصدِّي للآيديولوجيات الفاشية المتنامية.

تشبه هذه الصورة كثيراً؛ بحسب هؤلاء، ما يجري في العالم اليوم. فالمد الديمقراطي في أضعف حالاته منذ نهاية الحرب الباردة. ودول ديمقراطية عديدة، بما فيها الأكثر عراقة، تعيش حالة أزمة، تبدو معها هشَّة، ضعيفة، ومنقسمة على ذاتها. حيث تتنامى في دواخلها النزعات اليمينية والشعبوية.

أما الحرب الأهلية التي تقوم مقام الحرب الأسبانية، فتجري هذه المرة في سورية التي تحولت إلى ساحة تنافس دولي وإقليمي. الأسوأ هذه المرة أن السلطة في الولايات المتحدة تتركز بيد رئيس شعبوي، لديه هو نفسه ميول استبدادية، وتعاطفٌ مع القوى السلطوية في العالم، في الوقت الذي يعيش فيه المجتمع الأميركي حالة تمزُّق وانقسام غير مسبوقة.

هل يوحي هذا أننا أمام حالة انهيار للنظام الدولي القائم تشبه ما حصل في نهاية عقد الثلاثينيات من القرن الماضي؟ ربما؛ أو هذا ما يوحي به أصحاب هذه النظرية، في ضوء الضغوط الشديدة التي تمارسها الأنظمة غير الديمقراطية، لتغيير طبيعة النظام الدولي الذي أنشأته القوى الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وتعديل موازين القوى التي ما تزال تميل إلى غير صالحها، مع استمرار هيمنة مؤسسات النظام الدولي الغربية المالية والاقتصادية.

خلال القرنين الماضيين، تغيَّر النظام الدولي كلياً في أربع مناسبات رئيسة، جاءت الثالثة بعد الحرب العالمية الثانية، والأخيرة بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي. حيث سادت الأحادية القطبية ممثلةً بهيمنة القوة الأميركية. هذه المرحلة في طريقها إلى الأفول، فهل سيكون لما يعرف بالعالم الثالث الذي نعيش فيه دور في التحول الجاري في النظام الدولي في طريقه إلى المرحلة الخامسة؟

الصيحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.