كلمة السر” في حوار الخرطوم ـ واشنطن غندور.. طبيب الأسنان يداوي “جذور” العقوبات المزمنة

يُعرف إبراهيم غندور بأنه طبيب الأسنان الذي اختطفته السياسة بكل ألاعيبها من مهنة الإنسانية، فهو من جملة نطاسي الإنقاذ الذين غادروا عياداتهم ليدخلوا عوالم السياسة، ولكنه بخلاف كثيرين، دخل من الباب الواسع، وظل عنصراً ثابتاً في الكابينة الحكومية، جاهداً ما استطاع أن ينقل معاني الطب “الإنسانية” إلى السياسة التي تُعرف اختصاراً بأنها لعبة قذرة. وبالفعل نجح غندور بمواقفه الممزوجة بالمرونة، وصلاته الجيدة بكامل الطيف السياسي، وتصريحاته الموزونة، وسماته الهادئة اللطيفة، في أن يكون نسيج وحده بين صقور الإنقاذ الكاسرة.

وقد دفعت كل تلك المزايا، للقول عند تعيينه وزيراً للخارجية في يونيو من العام 2015 إن الانقاذ تبتدر تحوّلاً كبيراً في سياساتها الخارجية، وقد كان.

سيرة

من المعلومات الغريبة عن وزير الخارجية، أن اسم غندور اللاصق فيه، ورثه من جد بعيد جداً في سلسلة نسبه، فهو إبراهيم أحمد عبد العزيز محمد محمود حسب الله محمد غندور. وغندور من مواليد مدينة الدويم في السادس من ديسمبر العام 1952م، وكانت مدرسة “حي العرب الابتدائية” أولى محطاته الدراسية، ومن ثم أكمل الإبتدائية بمدرسة “بخت الرضا”، وبعدها انتقل إلى “الدويم الريفية الوسطى”، فـ “النيل الأبيض الثانوية”، وصولاً إلى كلية “طب الأسنان” بجامعة الخرطوم، وفي (الجميلة ومستحيلة) عمل مُعيداً، وسريعاً ما التحق ببعثة دراسية في بريطانيا، وفي بلاد فكتوريا حصل على دبلوم الجراحين تخصص أمراض اللثة وجراحتها، ليصير ثالث طبيب يشغل منصب وزير الخارجية، تختاره رئاسة الجمهورية لعلاج “جذور” علاقات السودان الخارجية التي أصابها “التسوس” وتحتاج إلى إعادة ترميم، خاصة مع دول الغرب، وتحديداً مع الولايات المتحدة الأمريكية التي شهدت في عهده جراحة كاملة، لم تبلغ بعد مرحلة الشفاء التام.

وسبق غندور من الأطباء في الخارجية، طبيب الأسنان د. مصطفى عثمان إسماعيل، وقبلهما اختصاصي المخ والأعصاب د. “حسين سليمان أبو صالح”.

عالم السياسة

التحق غندور بالحركة الإسلامية في يناير من العام 1971م، ووقتها كان طالباً بجامعة الخرطوم، ذلك رغم تنازعه في سني دراسته الثانوية بين الحركة الاتحادية، وأفكار البعثيين والاشتراكيين العرب.

وكما خطفته السياسة من الطب، خطفته مذكرات “الدعوة والداعية” لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين “حسن البنا” من ميوله السياسية إلى ديار الحركة الإسلامية، حيث جرى تجنيده بواسطه الناشط في الحركة وقتها سيد الزبير.

أما الراحل د. مجذوب الخليفة، والنقابي المخضرم حسن محمد علي فقد لعبا دوراً مهماً في اكتشاف قدرات غندور كسياسي ناجح، فعملا على ضمه للحركة النقابية كأمين للعلاقات الخارجية، وأثناءها شغل العديد من المناصب، فكان أميناً للعلاقات الخارجية باتحاد عمال السودان، إلى أن أصبح أميناً عاماً للاتحاد، وفي العام 2006 أصبح رئيساً للاتحاد لدورتين ونصف الدورة، وفي العام 2013 تم اختياره مساعداً لرئيس الجمهورية، نائباً لرئيس المؤتمر الوطني للشؤون التنظيمية، وفي التشكيل الوزاري الأخير تم اختياره وزيراً للخارجية، كما عمل رئيساً لمنظمة وفد النقابات الإفريقية من 2005 حتى العام 2013م، كما شغل منصب الأمين العام لاتحاد شرقي أفريقيا “توفيا”، كما شغل منصب نائب رئيس منظمة العمل العربية، بجانب عضويته في الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب.

كذلك عمل غندور عضواً بالمجلس الوطني، وعضواً بالبرلمان الأفريقي، ورئيساً للنقابة العامة لعمال التعليم العالي والبحث العلمي، ورئيس اتحاد أطباء السودان، ثم أميناً عاماً مساعداً لاتحاد أطباء الأسنان العرب، ومستشاراً لمنظمة الصحة العالمية.

“وجه آخر”

يهوى غندور كرة القدم، لاعباً ومشجعاً وإدارياً. حيث سبق له حراسة مرمى نادي “بري” العريق، وهو مشجع راسخ لنادي “المريخ” الأم درماني، وتربطه كذلك علائق جيدة بالفن فهو من محبي الفنان الراحل “عثمان حسين”، ومستمع جيد لأغنيات الحقيبة، ومعجب بصوت الفنانة “نانسي عجاج”، ويطرب للراحل “بادي محمد الطيب” و”كمال ترباس” وكل أبناء “البنا.. الفرجوني، الأمين، عاصم”.

ومع تعدد مطربيه، فغندور من دعاة “التعدُّد” ومتزوج من ثلاث نساء فضليات، وقال في حوار سابق له إن “قرار الزواج الثاني هو الأصعب، وقرار الزواج الثالث هو الأسهل. فالثاني صعب لجهة أنه أول قرار للتعدد، ليكون الإنسان متخوفاً من مآلاته وانعكاساته الأسرية، ولكن في حالة النجاح في الثاني يكون الثالث سهلاً جداً، وربما لا يكون الرابع صعباً.

كلمة السر

يُصنف غندور عند كثيرين كلمة السر في تفكيك جمود العلاقات بين الخرطوم وواشنطون، فقد نجح النطاسي في تهدئة وجع (ضرس العقل) الذي ظل (يتاور) الطاقم الحكومي في تعاملاته مع الأمريكيين.

وكانت شبكة بلومبيرغ الأميركية قالت عن غندور عقب تعيينه وزيراً للخارجية إنه “رجل أكاديمي، وليست لديه خلفية عسكرية أو أمنية أو دينية، مما يعني أنه قد يكون شخصية براغماتية في المحادثات مستقبلًا مع الولايات المتحدة.

وباعتراف القائم بالأعمال الامريكي، استيفن كوتسيس، فإن غندور يعتبر مفتاح السر في تغيير علاقة الخرطوم والولايات المتحدة الأمريكية منذ أن كان مساعداً لرئيس الجمهورية، بل إن كوتسيس جزم بأن تحركات غندور وقدراته الفارقة، حرّكت جمود العلائق بين البلدين، وبالتالي ينسب لغندور الفضل فيما تحقق اليوم من رفع للعقوبات الاقتصادية التي دامت عقدين من الزمان.

وكان قدر رجح مسؤول شؤون الأمريكيتين الأسبق في أروقة الخارجية، السفير د. الرشيد أبوشامة حظوظ بقاء غندور في منصبه إبان تغيير الحكومة لجلدها مؤخراً لاستكمال ما ابتدره من مجهودات، وقال في حديثه مع “الصيحة” حينها إن بقاء غندور منطقي جداً لا سيما خلال فترة الستة أشهر التي تم الاتفاق عليها مع الولايات المُتحدة الأمريكية، وأشار إلى أن الرجل قادر على إدارة الملف في هذه الفترة المُحددة بحنكة، ولم يخيِّب غندور توقعات أبوشامة وبالفعل نجح في قيادة سفينة الاشتراطات الأمريكية في عُباب تقاطعات وأمواج مُتداخلة تُنذر بغرق العلاقات في قاع الفشل والمربع الأول وبقاء السودان في القائمة السوداء والعودة إلى حالة المد والجزر وتبديل “الجزرة” القديمة بأخرى جديدة مع التلويح بعصا العقوبات المُتطاولة.

رفعت الأقلام

في لقاء غندور الأخير برئيس الجمهورية المشير عمر البشير لإطلاعه على نتائج زيارته للولايات المتحدة الأمريكية التي امتدت من الرابع من سبتمبر الماضي حتى الثلاثين منه، كشف الرجل أن لقاءاته مع المسؤولين الأمريكيين ناقشت مرحلة ما بعد رفع العقوبات وتطوير علاقات البلدين، وأكد أن الجانبين أمنا على المسارات الخمسة في حوار البلدين تم تنفيذها بصورة جيدة بقناعة الخرطوم وواشنطن، وأشار إلى أن اجتماعه مع مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشؤون الأمن الوطني ومكافحة الإرهاب توم وزاريت بالبيت الأبيض ناقش مُطولاً مكافحة الإرهاب وعلاقات الخرطوم وواشنطن والمرحلة القادمة، وأضاف: “كان اللقاء صريحاً وواضحاً تم الحديث فيه حول رفع العقوبات وما بعد رفعها والعلاقات بين البلدين”، وأكد أن الجانبين أمنا على تنفيذ المسارات الخمسة في حوار البلدين بصورة جيدة، بعد أن وصفوا العلاقات بأنها انتقلت بصورة كبيرة، ولكنه اختتم حديثه بجملة حاسمة مفادها “اكتمل البناء ورُفعت الأقلام وجفّت الصحف” بقوله: ” القرار النهائي بيد الرئيس دونالد ترامب”.
محمد جادين
الصيحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.