لسنوات ظلت الطائرات السودانية تشكو من الأعطاب المميتة، وفي تارات تفلت من الكارثة بأعجوبة، فيما كان السبب العقوبات الأمريكية المفروضة على السودان، فكيف يا ترى سيتم تفسير الحادثة التي تعرضت لها طائرة مساعد الرئيس موسى محمد، بعد أن بات في حكم المسموح لقطاع الطيران استيراد قطع الغيار بداية من مطلع العام الجاري 2017م.
وانفجر إطار طائرة كانت تقل مساعد الرئيس موسى محمد أحمد، تبع ذلك اشتعال حريق لحظة هبوطها في مطار بورتسودان، الأمر الذي كاد أن يودي بحياة ركابها الخمسة عشر.
وأعادت الحادثة إلى الأذهان فواجع حوادث الطائرات السودانية التي صنع غالبيتها في روسيا، وأودت بحياة المئات من بينهم مسؤولون كبار وقادة عسكريون، وظلت أسباب هذه الحوادث يكتنفها الغموض ولا تجد التساؤلات المتكررة الإجابة من قبل لجان التحقيق التي تسارع السلطات لتكوينها عند وقوعها ليتم حفظ نتائجها دون نشرها للرأي العام لتوضيح الأسباب الحقيقية وراء تكرار حوادث الطيران في السودان المدنية منها والعسكرية.
ضد مجهول
اللافت أن أخبار هذه الحوادث أصبحت عادية للرأي العام لكثرة تكرارها في أجهزة الإعلام على مدار السنوات الماضية دون أن يكترث لها، نتيجة الغموض الذي يكتنف الأسباب الحقيقية لها، رغم أن سلطات الطيران المدني ظلت تعلن عقب كل حادثة عن تكوين لجنة تحقيق لكن سرعان ما يُطوى ملف تحطم طائرة منكوبة، وتحفظ نتائج التحقيق في كل مرة دون نشرها للرأي العام لتبيان الحقائق كاملة.
ظلت العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على السودان منذ العام 1997م سبب الاتهام الرئيسي، ما دفع شركات الطيران العاملة في السودان لاستخدام طائرات روسية وتوظيف طيارين من بلدان الاتحاد السوفيتي السابق.
مواصفات
أشار تقرير حكومي أن حوادث الطيران في السودان سببها المقاطعة الأمريكية، وحرمان الشركات من الحصول على قطع الغيار التي كانت جزءاً من عقود شراء هذه الطائرات، وأن المورد الأمريكي لم يستطع إرسال قطع الغيار.
إن أكثر الجهات المتضررة من الحظر المفروض على السودان، هي الخطوط الجوية السودانية التي تستخدم طائرات بوينج الأمريكية التي منعت منها قطع الغيار، وفقدت فرصها في الصيانة الدورية والتأهيل، فيما ظل يتحدث عدد من المديرين السابقين للخطوط الجوية السودانية في مقابلاتهم الصحافية بعد تركهم العمل أن الأسباب الحقيقية لتدهور الناقل الوطني بوضعه في آخر أولويات الصرف الحكومي، وإصدار قرارات بناء على انطباعات شخصية ما فتح المجال للشركات الخاصة لجلب طائرات متهالكة.
ويحمل بعض الخبراء إدارة المطارات بالسماح هذه الطائرات المخالفة بالطيران واستقبالها في المطارات.
سجل حافل
كان الرئيس عمر البشير أصدر في وقت سابق قراراً قضى بإيقاف عمل الطائرات الروسية للنقل من طراز (انتنوف ويوشن) عن العمل نهائياً في مطارات السودان بعد توالي حوادث الطائرات الروسية التي أدوت بحياة مسؤولين كبار في الدولة وقادة عسكريين ومواطنين أبرزها طائرة (الانتينوف) الروسية التي سقطت في نهر السوباط فبراير1998، وأدت لاستشهاد نائب الرئيس الزبير محمد صالح بجانب عدد من المسؤولين والعسكريين.
وفي يونيو العام 1999 لقي أكثر من خمسين ضابطاً بولاية كسلا مصرعهم في تحطم طائرة عسكرية روسية بعد عطل فني أصاب المحرك ، ثم حادثة طائرة عداريل العسكرية في أبريل2002 التي قالت النتائج الأولية للتحقيق أنها تعرضت لعاصفة رملية أدت لتحطمها ومقتل مساعد وزير الدفاع العقيد إبراهيم شمس الدين مع 14 من كبار القادة العسكريين.
وفي يوليو2003 لقي 115 شخصاً بمن فيهم بعض أجانب مصرعهم في حادث تحطم طائرة سودانية عقب إقلاعها بوقت قصير من مطار بورتسودان، ولم ينج من الحادث سوى طفل صغير.
فيما شهد العام (2012) حادثتين الأولي في فبراير حيث تحطمت مروحية كانت تقل وزير الزراعة عبد الحليم إسماعيل المتعافي وخمسة من مرافقيه بمنطقة الفاو بولاية القضارف، ولكنهم بتوفيق كبير من الله نجوا جميعهم.
وجاءت الحادثة الثانية في أغسطس إثر سقوط طائرة بسبب سوء الأحوال الجوية كان على متنها 32 شخصًا بينهم ثلاثة وزراء وعدد من ضباط الجيش والشرطة أثناء توجههم لأداء صلاة عيد الفطر في منطقة تلودي بولاية جنوب كردفان، وقد رحل جميع طاقم الطائرة إلى جوار المولى عز وجل.
مرجعيات
يرجع خبراء في مجال الطيران تحدثوا لـ (الصيحة) وطالبوا بحجب أسمائهم أن كل هذه الأسباب التي وراء حوادث الطيران التي لا يزال يلفها الغموض سببها إخفاء نشر نتائج التحقيقات للرأي العام لإظهار نوعية المحاسبة والتدابير التي تمت للسلامة لتجنب هذه الأخطاء مستقبلاً.
ويؤكد الخبراء أن الأسباب الحقيقية وراء هذه الحوادث هي عدم التدقيق في تاريخ تشغيل هذه الطائرات وجدول صيانتها الدورية، غير أن الناطق باسم الطيران المدني عبد الحافظ عبد الرحمن يؤكد لـ (الصيحة) أن هناك رقابة صارمة من قبل سلطات الطيران المدني على الطائرات العاملة في السودان بداية من تسجيل الطائرة لتكون خاضعة لسلطة الطيران المدني كجهة مراقبة ومنظمة للطيران، وأي طائرة تخضع للمراقبة عبر جدول للصيانة والطيران وشهادة صلاحية
ويذهب الخبراء إلى أن التحقيقات لا تظهر خاصة في الحوادث التي يكون فيها طاقم الطائرات قد لقي حتفه بكامله، ما يجعل التحقيق يقوم على الفرضيات والاستنتاجات وحتى تلك التي يكون فيها الطاقم على قيد الحياة تظهر نتائجها متأخرة بعد عدة أعوام ويكون الرأي العام قد نسي الحادثة ويتذكرها عند حدوث أخرى.
ويرد علي عبد الحافظ أن لجان التحقيق تخضع لقوانين دولية وتكون لها استقلالية حتى لا تتاثر بأي تأثيرات من الشركات المالكة أو المصنعة وترفع تقريراً للمنظمة الدولية بالحادث ويسجل دولياً حتى نشر النتائج يخضع لمعايير، وعن الرقابة في التحقيق وتكوين اللجان، قال: هناك لجنة مختصة بالحوادث بالقانون، وترفع تقاريرها للوزير والطيران المدني والشركة المصنعة والمنظمة الدولية.
الطيب محمد خير
الصيحة