المستشفيات السورية تتحول إلى ثكنات.. وحكايات للتعذيب
عندما عاد الطبيب الإنجليزي ديفيد نوت من سوريا إلى بريطانيا بعد أن قضى أسابيع متنقلاً بين العيادات الميدانية، كانت ملامح الحزن تسبق كلماته التي أوصد فيها باب “الأمل” أمام الذين يتشدقون بالشعارات.
قال حينها للإعلام “لم أشق صدوراً في حياتي كما فعلت في سوريا”…
في المشهد الآخر، كانت معظم مستشفيات المناطق السورية قد شق صدورها.. وأجهز عليها بأسلحة قوات نظام الأسد وبعضها بنيران “داعش”، فكانت جراح المستشفيات أكثر بكثير مما احتوت من جراح السوريين.
في كل “حرب” تطال بلداً، تظل المستشفيات والعيادات الميدانية والعاملون بها بمثابة رمز للسلام.. كما تظل مباني تمثل صروحاً إنسانية، وترسل إشارات إلى الحياة.. إلا في سوريا التي حولت الحرب فيها تلك المشافي إلى ثكنات عسكرية، فتألمت دهاليزها.. وبكت أسرتها، وتأوهت من جراحها.
باتت اليوم هدفاً لطائرات النظام.. ومراكز لقناصة داعش.. ومسرحاً لكل جريمة بشعة.
ولم يكتف هؤلاء بذلك، بل كانوا يتلذذون بفوهات آلات القتل باستهداف كل طبيب أو مسعف أو مجموعة لم تعد المشافي مظلتهم، فقرروا أن يحملوا تلك المشافي معهم.
بل أصبحت المشافي المتنقلة “أهدافا للتسلية”، كما يقول شهود عيان، منهم من رأى أسرته تسقط حوله، ومنهم من شاهد أطباء كانوا يرتدون المعاطف البيضاء، فتحولت تلك المعاطف إلى حمراء قاتمة من الدماء.
مستشفيات دكت بالكامل، وأخرى تحولت إلى أمكنة للخراب، وبعضها تحول إلى ثكنات، وتحولت غرف التمريض والعنايات الفائقة إلى زنازين للتعذيب.. بعدما كانت يوماً مرهما وبلسما لكل جرح، فصارت اليوم خنجرا يوغل في الطعن وجروحا غائرة تفتح على دوي الآلام وصرخات الأبرياء.
بالأمس القريب أردى تنظيم “داعش” طبيباً كان حاملا “راية سلام”. المستشفيات كانت في سوريا رمزاً للسلام كمستشفى يونس الذي قصف ومستشفى الكندي الواقع في منطقة حلب الذي تساوى بالأرض، ومستشفى الشفاء في مدينة إدلب، وغير ذلك من المشافي التي تسقط راياتها يوماً بعد آخر.
بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة يصرح بأن اللاجئين السوريين تجاوزوا الـ6.5 مليون نازح، وأن 40% من المستشفيات ما عادت “مشافي” وأن 20% من المستشفيات لم يعد بها “أدوية ولا خدمات”.
وكانت الأمم المتحدة كشفت عن أن قوات النظام السوري تتبع هجمات ممنهجة على المستشفيات وأعضاء الفرق الطبية، وأنها تتعمد حرمان المرضى والمصابين من العلاج في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، وأضافت أن وكالات الاستخبارات العسكرية تستخدم المستشفيات السورية كمراكز للتعذيب.
صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية تقول في تقرير “تقصي الحقائق” عن الحرب في سوريا إن حرمان المرضى من العلاج واستخدام ذلك كسلاح تقشعر لها الأبدان.
كم من طبيب سوري راح ضحية النظام وكم من طبيبة تم اغتيالها.. وكم من ممرض وممرضة ومن مسعف ومسعفة؟
تلك هي حكاية المستشفيات في سوريا.. تلك هي قصص مرعبة في كل يوم يقصها الإعلام علينا
العربية