تجاوزات (بالكوم) داخل صوالين الحلاقة بالخرطوم

وضع عدد من زوار صوالين (الحلاقة) مسؤولية عدم تعقيم الأدوات المستخدمة في العمل التجميلي بين أكف وزارة الصحة، وذلك بسبب ما تقوم به بعض الصوالين من تجاوزات خاطئة عبر التعامل بعشوائية وعدم مهنية وقلة في الخبرة .. وحمل البعض منهم مسؤولية هذه الفوضى إلى المحليات وإدارات الصحة لعدم مراقبة هذه المحلات التي تدار غالبيتها من قبل أفراد لا رادع لهم.. وكانت وزارة الصحة بولاية الخرطوم قد عزمت على مراجعة عمل الصوالين وفقاً لشروط التراخيص والمواصفات التي وضعتها مع إصدار لائحة لتنظيم العمل.

اكتشاف مفاجئ

المواطن (حامد سعد الدين) اكتشف معدات منتهية الصلاحية (معجون ـ وماكينات حلاقة) لدى زيارته لأحد الصوالين بمدينة المهندسين بأمدرمان بغرض الحلاقة، وهذا الصالون وبحسب حديثه لـ(الصيحة ) معروف لدى المواطنين، وبعد الجلوس على مقعد اتجاه المرآة نظر في عبوة المعجون المستخدم في الحلاقة، ليكتشف انتهاء مدة صلاحيته منذ شهر يونيو الماضي، كما لاحظ أن (الماكينة) التي كادت أن تستخدم في رأسة (مصدية) فترك الأمر وخرج، ومنذ ذلك اليوم لا يذهب إلى محل تجميل رجالي إلا ومعه أدواته الخاصة، وطالب بمراجعة الصوالين الفخمة التي يوحي مظهرها بأن لأصحابها يتبعون النظم الصحية.

إجراء هام

فيما حكى المواطن (أمين عادل) لـ(الصيحة) كيف تعرض ابنه الصغير (هيثم) البالغ من العمر (تسع) سنوات، لإصابة في فروة راسه بتقرحات وجروح بسبب انتقال فطريات نتيجة عدوى من الآلة التي استخدمت في الحلاقة وفقاً لتقرير الطبيب المعالج للحالة، ليكتشف الأب أن الصالون الذي يقصده شهرياً لحلاقة شعر طفله، والواقع في منطقة الامتداد بالخرطوم يستخدم أداة واحدة لعدد من الأفراد، دون تعقيمها أو استبدالها بأخرى، وهو لم يكن يدرك أن إصابة ولده بالغة الخطورة إلا بعد أن رأى نقاط من الدم تطفح من بين الجروح بسبب (الحكة) المتواصلة، أكثر ما يؤلمه عدم جلوسه لامتحانات الفترة الأولى لمرحلة الأساس هذا العام.

ضمان حق

ويضيف (أمين ): تم إعطاء الطفل بعض المضادات الحيوية لإزالة الألم، بالإضافة إلى دواء عباره عن (مرهم) على أن يتم مسحه ثلاث مرات في اليوم، دون التعرض لأشعة الشمس الحارقة، ويقول إنه كان يرغم طفله على الحلاقة، وفي بعض الأحيان يقسو عليه بالضرب في حال امتناعه بسبب بعض الحبوب الصغيرة التي تقوم من فترة إلى أخرى بفروة الرأس، لكنه لم يكن يدري أنها مرض يمكن أن يلزمه الفراش، وبعد أن علم الحقيقة، وتأكد له أن الأدوات المستخدمة في الحلاقة ليست جيدة كما أنها غير معقمة، قام باتخاذ إجراءات قانونية ضد أصحاب (الصالون) الذي تبدو عليه الفخامة والجاذبية، وما زالت الإجراءات مستمرة لضمان حق ابنه.

تعدد وتنوع

النماذج السابقة واحدة من عشرات الذين يجلسون لحلاقين تعبث أيديهم بصحتهم، دون مراعاة لضوابط العمل أو كيفية التعامل مع الأدوات المستخدمة، فعدم الالتزام بالضوابط إلى جانب الشكاوي التي دفع بها عدد من المواطنين للصحيفة، جعلتنا نقوم بجولة لتقصي الحقائق والتحقق من صحة أن بعض الصوالين غير ملتزمة بالمواصفات ومعرفة شروط العمل، فقد اخترنا عشرة صوالين بطريقة عشوائية بمحلية أمدرمان والخرطوم، وتحديداً تقع في مناطق مختلفة من (أبوسعد ـ بانت ـ الموردة ـ حي العرب بأمدرمان )، و(الصحافة شرق ـ المعمورة ـ شارع المطار بالخرطوم)، حيث إنها تتمتع بمواقع متميزة وتحتوي على أثاث مكتمل وأجهزة تكييف وهناك طاقم عامل مؤهل في بعضها، وأكثر ما يلفت الأنظار إليها نظافة الأرضية الداخلية والخارجية، وأن بعض الواقفين على عملية الحلاقة خبراء ولهم باع طويل في المجال ، غير أن بعض الزبائن كشفوا عن استخدام خلطات تستخدم لتقشير وجه الزبون وهي مجهولة المكونات.

حالة إعجاب

وأوضحوا أنهم عندما يستفسرون عن مكونات (الخلطة) تأتيهم الإجابات من أصحاب الصوالين بأن مكوناتها طبيعية، ويقومون بشرائها من العطارات وهي لا تضر بالصحة ولا تؤثر على البشرة، والبعض من الزبائن أشاد بعمل الصوالين المتقدم والتي تتوفر بداخلها كل احتياجات الزبون، وأكثر ما يجذبهم إليها الاهتمام بالنظافة الخارجية أمام المدخل والتعامل الراقي من قبل العمالة، الذين يوفرون كل سبل ووسائل الراحة من مشروبات وغيرها، لكنهم شددوا على أهمية تعقيم المناشف، وأشاروا إلى أن الغسيل وحده لا يكفي، لأن هناك سحنات مختلفة من المواطنين تزور هذه المحلات، وأن احتمالية الإصابة بأمراض جلدية أمر متوقع، وطالبوا باستخدام أجود أنواع (الأمواس) لأن هناك أمواس غير فاعلة وتتسبب في الإصابة بالحبوب، كما أنها تكسو منطقة (الذقن) بطبقة سوداء.

مراجعة دورية

ومن خلال مقارنة أجرتها الصحيفة لمواقع الصوالين، فهناك عدد كبير منها يقع بالقرب من محلات الأطعمة والمخابز، ولا يفصل بينها سوى متر واحد، وأخرى تتمتع بمواقع متميزة وملائمة للعمل وتطل على الشوارع الرئيسية بالمحليات المذكورة، وتخلو بيئتها من أي مشكلات، ومن داخل صالون (العادل) للحلاقة بأمدرمان، يفيد (عمر آدم) صاحب الصالون إنهم يحصلون على الترخيص من المحليات، وذلك بعد معاينة المحل من قبل تيم مكون من ضابط صحة وفرد مختص في المواقع الجغرافية، وأنهم يقومون بتسديد الرسوم الشهرية أول بأول.

أما فيما يتعلق بالضوابط الصحية، فإنهم كأصحاب استثمار وتجار يمتلكون رخصاً صحية من إدارات الصحة بالمحلية وهي تخضع لمراجعة دورية كما ذكر .

عملية تعقيم

وفيما يتعلق بعملية تعقيم الأدوات المستخدمة ونوعيتها، أكد (عبدو سعد) مدير صالون (الإمارات) بالخرطوم أن المعدات التي تدخل في عملية الحلاقة عبارة عن (مرايل ـ وأمواس ـ وبشاكير ـ وماكينات) وغيرها من المعدات، وأنهم يستخدمون محلول (الديتول) في التعقيم، مشيراً إلى أن بعض الصوالين التي تقوم باستخدام (معجون) حلاقة منتهي الصلاحية، وفي بعض الأحيان توجد خلطات تستخدم في (تقشير) الوجه تتسبب في أمراض جلدية للزبائن، لأنها مصنعة بطرق عشوائية ولا تخضع لمواصفة معينة، وطالب بضرورة محاربة مثل هذه الأماكن لأنها تسيء لسمعة بقية المحلات.

ماكينات خاصة

أما من داخل صالون المهندس بالخرطوم، التقت الصيحة عددً من المواطنين أشاروا إلى جودة العمل مع ارتفاع أسعار الحلاقة، فيما أكد بعضهم أنهم يقومون بجلب الماكينات الخاصة بهم تفاديًا لأي أضرار صحية، يمكن أن تنجم من خلال الاستعمال المتكرر للماكينات أو الأمواس، ويقول صاحب المحل (مجدي أيوب) إنهم يتعاملون مع الزبون من خلال العمل الصحي المتكامل، موضحاً أنهم حصلوا على الكرت الصحي من المحلية بعد التأكد من السلامة داخل الصالون، ويضيف أن الصالون يوفر معجون الحلاقة والبودرة والأمواس، غير أنه اعترف بعدم استخدام العاملين للقفازات البلاستيكية التي تحميهم وتحمي الزبائن من انتقال أي عدوى مرضية، وطالب وزارة الصحة بتوفير أجهزة تعقيم للمحلات، ومراجعة عبوات الصبغة وخلطات التقشير الموجودة في عدد كبير من المراكز.

مشاهد مختلفة

من صوالين الحلاقة التي أجمع أصحابها على تمسكهم والتزامهم بالضوابط الصحية، انتقلت جولة الصحيفة إلى الأسواق ومواقف المواصلات حيث كان هناك المشهد مختلفاً، ففي موقف الإستاد بالخرطوم تنتشر محلات الحلاقة العشوائية الكاشفة، والتي تعمل على الهواء مباشرة بعيداً عن الضوابط الصحية والبيئة، فهناك أكثر من (60) موقعًا بوسط الخرطوم تعمل بدون رخص، حيث يوجد محل اسمه (الكار ) أخبرني صاحبه (هارون أحمد) بأن زبائنه مختلفون فيهم طلاب جامعات تقودهم ظروف المواصلات إلى الموقف، إلى جانب الكماسرة وسائقي الحافلات وعدد من العاملين في السوق وأنهم يدفعون رسوماً رمزية للمحلية عبر أفرادها المنتشرين في المنطقة.

عشوائية ولكن

(الكولونيا ـ ومناديل القماش) من الأدوات الأساسية التي تستخدم في عمل تلك المحلات العشوائية، والتي يعمل بها أكثر من (400) مواطن كانوا يعانون العطالة بالموقف كما يقول (طارق عباس) وهو أقدم حلاق كان يعمل في موقف جاكسون قبل عشر سنوات، ويقول إن محلول الكولونيا يستخدم كمطهر وأحياناً يستخدمون ثلاث أمواس لحلاقة فرد واحد، ويتم التعامل مع الزبون حسب استطاعته المالية على ألا تقل عن الـ(10) جنيهات، ويضيف: بعد الحلاقة يقومون بجمع الأمواس والشعر ووضعها في سلة لتأخذها عربة النفايات، غير أن عدداً من العمال ولجوا المجال مؤخرًا وتسببوا في فوضى وتشويه للمنظر العام، ولا يقومون بتعقيم أي أداة من الأدوات المستخدمة كما أنهم ارتكبوا مخالفات في حق الزبائن لقلة خبرتهم بالعمل.

أمراض متعددة

حول وضعية الصوالين المخالفة للضوابط الصحية، اتصلنا بالجمعية السودانية لحماية المستهلك لمعرفة رأيهم حول القضية، وفيما إذا قامت بحملات سابقة أو كانت هناك شكاوى غير أن الهواتف مغلقة ولا تجيب، ولكن تحدث إلينا دكتور (أحمد الزين) اختصاصي الجلدية والتناسلية بمركز (رشاد) التخصصي، عن نوعية الأمراض التي تنجم بسبب الحلاقة العشوائية، قائلاً: هناك أمراض فتاكة وهي (الإيدز ـ التهاب الكبد الوبائي) وأمراض الحساسية، التي تعتبر من أخطر الأمراض ويمكن أن يتعرض لها الرجال الذين يذهبون شهرياً وبشكل دوري إلى الصوالين ، لقص الشعر وحلاقة الذقن، وبعض الأحيان يقومون بنظافة الوجه وإزالة البثور، وكذلك النساء فغالباً ما يذهبن إلى مراكز التجميل لإزالة البثور من الوجه، وحينما لا تتوفر في تلك المحلات المقومات اللازمة تصبح ناقلاً سريعاً لهذه الأمراض الفتاكة.

نواقل العدوى

وقسم د. (الزين) الأمراض الجلدية المعدية إلى أربعة أنواع منها (الفيروسات) وهي الأيدز، الكبد الوبائي، التالوت، وغالباً تنتقل عن طريق استعمال (الشفرات ـ والأمواس) الملوثة، وكذلك عن طريق الجروح بواسطة ماكينة الحلاقة (المشط)، وبحسب ملاحظته فإن الحلاقين لا يدركون خطورة وضع الأدوات المستعملة مع بعضها البعض وعدم تعقيمها، وأضاف أن هناك أمراضاً بكتيرية، وهي قليلة نسبياً وتتمثل في التهاب حويصلات الشعر وإصابتها بالبكتريا العنقودية، وهي التي تنتقل بجميع معدات الحلاقة والتجميل، بما فيها البشاكير، وكذلك الحال بالنسبة لمرض الزهري، أما الأمراض الفطرية وخاصة الالتهابات السطحية (القوب والبهاق) فهذه تنتقل عن طريق كافة المعدات وخاصة المرايل، أما النوع الأخير من الأمراض فهو الحشرات كـ(القمل ـ الجرب) وهي سريعة العدوى .

عملية غش

وحذر د. (الزين) من عدم الانجذاب للصوالين من خلال شكلها الخارجي، لأنها تجمع عمالة غير ماهرة ويمكن أن يقوموا بشراء المعدات من سوق (الله أكبر) الذي يتميز بقلة الأسعار وعدم الجودة، لافتاً إلى خطورة الأمراض، وطالب بالتأكد من توفر الماركات الأصلية، وناشد وزارة الصحة على مراقبة الصوالين ولابد من توفر شهادة بالخلو من الأمراض المعدية، وخاصة الجلدية من الوزارة، إلى جانب التأكد من وجود جهاز تعقيم خاص بالمعدات وآخر خاص بالملابس والبشاكير، بالإضافة إلى استعمال شفرات جديدة ومعقمة لكل زبون ويا حبذا أن تكون لكل واحد معداته الخاصة عند حلاقة الذقن، والاهتمام بغسل اليدين وتعقيمها عند كل حلاقة، مع أهمية تطبيق نظم المراقبة الصحية التامة من قبل المحليات والفحص الدوري للعاملين، ولا بد من زيارة وحملات ميدانية لمراكز التجميل من قبل جهات الاختصاص لإزالة كل المراكز والمحلات العشوائية بأطراف العاصمة أو تقنين العمل بها.
السودان اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.