بعيداً عن السياسة .. الجيش السوداني.. رحلة البحث عن التطوير

سودافاكس :
تقريباً في اللحظة التي غادرت فيها طائرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأجواء السودانية، دخلت طائرتان – كل على حدة – إلى (اتموسفير) الخرطوم، وفي جوفهما قادة أركان الجيشين الروسي والقطري، وكثير من التساؤلات عن وجهة الخرطوم المقبلة.
وفي سؤال الوجهة لا يوجد بوصلة خير من وزير الخارجية السوداني، بروفيسور إبراهيم غندور، الذي قال إن السودان منفتح على العالم، ولا يحب الانخراط في سياسة الأحلاف.
وتمتلك الخرطوم التي عاشت في حالة عزلة طويلة بسبب العقوبات الأمريكية، تمتلك علاقات جيدة بدول نقيضة جداً. حيث تشهد علاقات الخرطوم بواشنطن تطوراً ملحوظاً قاد إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة منذ العام 1997م، ثم تلوح في الأفق الخطوة الثانية بإزالة اسم السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب.
وتمتلك الخرطوم صلات وثيقة بروسيا، وطلب الرئيس عمر البشير في زيارته الأخيرة لسوتشي الروسية، حماية من نظيره بوتين، من قرارات غربية ضد بلاده.
أما علاقات الخرطوم بدول الخليج في محوريها السعودي والقطري فهي جيدة، حيث تواصل الخرطوم انخراطها في الحلف العربي الذي تقوده المملكة ضد الحوثيين في اليمن، كما وتقف موقف المحايد من أزمة الجيران الخليجيين، وتحتفظ بكثير من الود لقطر التي ناصرت السودان في أيام كالحات.
وفيما يلي الأتراك، فإن زيارة الرئيس أردوغان الأخيرة، ونواياه البارزات للاستثمار في السودان، تقدم دليلاً بائناً على أن السودان منفتح على أنقرة.
تفسيرات عسكرية
لسنا هنا لنبحث عن قدرة السودان في السير على كل هذه الحبال دون أن يخسر الجميع، ومؤكد أن الخرطوم تعي جيداً مصالحها، وتعمل على تأمين سيادتها بمنأى عن الأسلوب الوصائي والأبوي، وتمد أواصر صلاتها مع الجميع شرقاً وغرباً.
ولكن لنعود إلى الزيارة المتزامنة للعاصمة الخرطوم، لكل من رئيس الأركان العامة للجيش القطري الفريق طيار ركن غانم بن شاهين الغانم، ونائب رئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة الروسية الكسندر إلكسي فيتش.
ومن ثم نبحث في غور الزيارة، مع وضعها جنباً لجنب مع اتفاق (الخرطوم – أنقرة) على التعاون في مجال الصناعات الدفاعية.
إجراءات تأمينية
تركز الخرطوم في جلّ مباحثاتها العسكرية على شاطئ البحر الأحمر، الذي يمثل منطقة استراتيجية سواء في حركة سير الملاحة العالمية، أو إنشاء منصات الدفاع لمواجهة الأخطار المرتقبة.
ولكن مؤكد أن أية اتفاقات على نصب قواعد عسكرية أو موانئ تجارية في هذا الساحل يشكل مثار مخاوف إقليمية ودولية كبيرة، بسبب التقاطعات التي تشهدها مسارات العلاقات الدولية وخلقت عدداً من الأحلاف النقيضة والبعيدة على حدٍ سواء.
ولا تزال الخرطوم منفتحة على إقامة قاعدة عسكرية روسية في مدينة بورتسودان، كما ورحبت بقطر التي ينتظر أن تمنح ميناءً تجارياً ضخماً للحاويات. أما تركيا فهي غير بعيدة عن هذا الساحل، حيث منحت حق إدارة شبه جزيرة سواكن الساحلية.
وتفاد الدول الثلاث من هذه المساحات في تأمين أنشطتها التجارية ابتداءً، ومن ثم عبر وجودها العسكري تقوم بإجراءات وقائية ضد أية أنشطة مناوئة، ضف إلى ذلك أن الوجود في مياه البحر الأحمر يقود إلى حماية البواخر والرحلات من عمليات القرصنة البحرية.
وقاية
إذاً ما الذي يعود على السودان من إقامة أحلاف عسكرية مختلفة، والتعاون مع جيوش ذات طبائع متباينة.
أحلنا السؤال بداية إلى المحلل السياسي محمد نورين، الذي أكد لـ(الصيحة) أحقية السودان في إقامة أحلاف ومعاهدات تخدم مصالحه، ولا تنظر إلى مخاوف الآخرين التي لا تقوم على أسس موضوعية.
وقال إن السودان نتيجة التقاطعات الكبيرة في العالم بات في حاجة ماسة إلى تقوية بنيته العسكرية، لمواجهة الأخطار الكثيرة، وضرب مثلاً باحتمالية قصف مدن سودانية بواسطة الصواريخ البالسيتية المملكة للحوثيين، مشيراً إلى أن ذلك يتطلب بكل تأكيد الحصول على قدرات ردع دفاعية عالية المستوى.
ليس الدفاع وحسب ما يحتاجه السودان، فإن الأمن يبدأ – عند نورين – عادة بامتلاك أسلحة الردع، وفي الصدد أشاد بالصفقة التي أبرمتها الخرطوم مع موسكو لاستيراد (35) طائرة من طراز سخوي المقاتلة.
منوهاً إلى ضرورة التوسع في الصناعات العسكرية، بحسبان أن مهمات الجيوش تنامت في الآونة الأخيرة بصورة كبيرة، بداية من الحؤول دون تهديد البلاد، مروراً بمكافحة الإرهاب، وصولاً إلى البحث عن الأمان ولو خارج الحدود.
تلاقح
من منظور عسكري للقوى العسكرية التي حطت في الخرطوم، يقول الخبير الاستراتيجي، اللواء الركن حسن ضحوي، إن أية صلات للجيش السوداني بجيوش دول أخرى يؤدي إلى زيادة الخبرات والقدرات العسكرية، نتيجة التلاقح والتدريب والتخطيط، فما بالك إن كان هذا التواصل ذا صلة بتطوير القدرات العسكرية؟
وبالفعل اشتركت القوات السودانية في الآونة الأخيرة في عدة تدريبات ومناورات مع جيوش عاصفة الحزم، ومع دول السعودية، والإمارات، وينتظر مشاركة الجيش في مناورة أمريكية كبرى باسم (النجم الساطع).
مشيراً في حديثه مع (الصيحة) إلى الفوائد الجمة التي يمكن أن يحصلها السودان، حال ابرامه اتفاقيات تبادل دفاعية مشتركة، وقال إن هكذا اتفاق كفيل بوضع جيوش تلك الدول في خدمة السودان حال تعرضه لأي خطر خارجي.
توازن
لسنوات امتلك السودان علاقات جيدة مع إيران، ولكن دخول الأخيرة في مرحلة التبشير للمذهب الشيعي، وتهديدها للمقدسات الإسلامية، قاد الخرطوم لقلب ظهر المجن لطهران، ولكن المؤكد أن الخرطوم تملك صلات عسكرية جيدة بكل من الولايات المتحدة (محاربة الإرهاب)، روسيا (الحماية من الأخطار الغربية)، السعودية (حماية الحرمين)، تركيا وقطر (تأمين البحر الأحمر)، وكل ذلك يمضي بوتيرة جيدة حتى الآن، اللهم إلا اذا تدخلت السياسة.
مقداد خالد
الصيحة

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.