مصر: حافية على جسر الأوهام (2)

(1)
ماذا كنا نقول عن أولئك السادرين في سمادير الأوهام؟ هل ذكرنا أن دولة عربية محورية هي من طلب من الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يذهب إلى مكان إقامة الرئيس عمر البشير وأن (يجعل الأمور طيبة) ويفتح صفحة جديدة؟ وكان قبل ذلك قد استجاب إلى طلب سابق فقام بتوجيه بلطجية وعواهر الإعلام المصري بالتوقف عن الردح و(فرش الملاية) في الشأن السوداني، وغير ذلك من شغل العوالم والغوازي؟

كانت تلك مبادرة الدولة العربية كون قيادتها على علم بأن موقف البشير ابتداءً هو أن لا لقاء مع الرئيس المصري إلا في الإطار الثلاثي لقضية مشروع سد النهضة، أما الخلافات والنزاعات الثنائية فلا مجال للالتقاء حولها بعد أن ترددت مصر قليلاً ثم رفضت قولاً واحداً المقترح التشادي الداعي إلى قمة ثلاثية سودانية تشادية مصرية في انجمينا لمناقشة تداعيات الأوضاع في ليبيا وتأثيراتها على دول المنطقة.

الرسالة من الخرطوم كانت واضحة لا تقبل التأويل: يجب أولاً على الأطراف المتورطة حتى آذانها في المخططات الخرقاء أن توقف التحرشات العسكرية الموجهة للسودان من داخل الأراضي الإريترية. وكلمات الرئيس البشير أمام لجنة متابعة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني بشأن التواجد العسكري المصري في الحدود السودانية الإريترية ما فتئت ترنّ في آذان وتطنّ في آذان أخرى: (أوامرنا لقواتنا صريحة وهي إنه إذا انطلقت طلقة واحدة من داخل إريتريا موجهة عبر حدودنا فلن يكون هناك سوى خيارين فقط، إما قوات أسياس أفورقي في الخرطوم أو قواتنا في أسمرا). وقتها كانت قواتنا المسلحة وكتائب قوات الدعم السريع قد سارعت واحتشدت على الحدود لا تلوي على شيء. لا عجب إن جاءت المبادرة على عجل من جانب الدولة العربية المحورية بأن يذهب السيسي بقدميه إلى مضارب البشير حيث سيصعب الاعتذار عن لقاء الزائر.

(2)
القمة الثلاثية الإثيوبية السودانية المصرية أظهرت قوة العارضتين الإثيوبية والسودانية وعوار الموقف المصري وتهافته وخوار مرتكزاته، ولكنها مهما يكن من أمر تمخضت عن إبداء حسن النوايا والرغبة في تغليب العقل والمنطق من جانب الأطراف الثلاثة بافتراض أن البواطن تطابق الظواهر، لا سيما في مواجهة قضيتين محددتين تتعلقان بملء الخزان وإدارته.

وعلى حين غرة، وبعد إمعان النظر في الواقع الذي يشخص أمامه كشمس الظهيرة وبعد الاستماع المتأني إلى مستشاريه، طرح الرئيس السيسي مقترَحاً بأن يتم تكوين جسم جديد من وزيري خارجية السودان ومصر ومديري جهازي المخابرات في البلدين لدراسة نقاط الخلاف الراهنة وتقديم تصورات للرئيسين بشأن تجاوزها.

بالطبع لم يكن خافياً على الرئيس البشير وأعضاء وفده الدافع الحقيقي الذي يكمن وراء هذا المقترح، وربما لهذا لاح شبح ابتسامة على وجه البشير وأعضاء وفده، وبصفة أخص وزير الخارجية ومدير المخابرات. الدافع المصري هيّن لا يحتاج رصده إلى جهد تحليلي أو إرهاق ذهني. باختصار شديد مصر تريد إبعاد وزير الموارد المائية السوداني معتز موسى عن ملف قضايا سد النهضة وأية مباحثات سودانية مصرية مستقبلية حول مياه النيل بوجه العموم. وهو هدف يمكن تحقيقه تحت لافتة ترفيع الملف من مستوى الوزراء الفنيين وإحالته إلى الساسة في الخارجية والمخابرات.

(3)
في تقريره السياسي الاثنين الماضي كتب رئيس تحرير هذه الصحيفة، ضياء الدين بلال، من غرفة فندقه الفخيم بأديس أبابا التي ذهب إليها مرافقاً للرئيس تحت العنوان الفرعي “معتز موسى بخمسة وزراء وفي الصلاة سر وجهر” ما يلي: (معتز موسى بقوة منطقه ونفاذ حجته تعاقب عليه في مصر خمسة وزراء. كل واحد منهم يُغادر الموقع تطارده اتهامات التقصير والعجز). الذي لم يقله الحبيب ضياء هو أن وزراء المحروسة الخمس تكسرت مراكبهم فوق صخور شلالات معتز موسى الكأداء في مسلسل المفاوضات السودانية المصرية المتطاولة بشأن مياه النيل، حتى كرهته مصر وتمنّت غيابه وانحسار ظله عن مسارح الحوار المائي، وسألت الله أن تغور شمس النظام الذي سعت بيدها وظلفها لإزاحته حتى تعود إلى السودان حكومات ووزراء يشبهون اللواء طلعت فريد، المفاوض الهدي الرضي الذي فاوض مصر في خمسينيات القرن الماضي فتبحبح وتبرمك وتلطّف فسلمها نصيبها، ثم سلمها ما أرادته من نصيب السودان، وزاد عليه من فيض كرمه فسلمها وادي حلفا زهرة مدن الشمال، رحمه الله وغفر له ولنا وبارك في معتز موسى!

وكأن لسان حاله يقول لرصيفه المصري (تلقاها عند الغافل) ثمّن البشير المقترح السيسوي ثم قال: (لا مانع عندنا من تكليف وزيري الخارجية ومديري المخابرات ولكن أرى أنه لا بد من إضافة وزيري الري في البلدين) فبُهت الذي ظن أنه قد أمسك بذنب الذئب وأتى به حياً!

(4)
هل سمعت – أعزك الله – عن مقترح (صندوق البنيات الأساسية في البلدان الثلاثة) الذي اقترحته مصر؟ إن لم تكن قد سمعت فهو صندوق يعني بتمويل الطرق والسكك الحديدية ومنظومات الري التي تربط البلدان الثلاثة باتجاه تحقيق وحدة اقتصادية تجعل من نهر النيل مصدراً للتعاون الاقتصادي. يا سلام! إيه العظمة دي كلها؟! قال السيسي عن هذه الخطة الجهنمية: (هذا مشروع عظيم. ووالله.. وولله أنا مستعد أحط فيه 15 مليار دولار… بس لو كان عندي)!

(5)
الخلاصة: سد النهضة لا محالة قائم. وحصة السودان التي كانت تذهب غصباً عنه لمصر من مياه النيل ستتوقف، والاتكال على الله.

بقلم : مصطفى عبد العزيز البطل

المصدر : سودان تربيون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.