لو كان الذهب مواطناً لهرب من السودان

:: لو كان الذهب مواطناً لهرب من بلادنا أو إنتحر.. الذهب بمثابة عملة قابلة للتداول ويستخدم أيضاً كعملة احتياطية في كافة البنوك المركزية، ثم أن الذهب مثله مثل ثروات باطن الأرض – البترول والغاز – و تقوم الدول عادة بالسيطرة على تجارته كما البترول، ثم أن ظروف السودان الحالية – بعد فقدان 75% من موارد النقد الأجنبي – تحتم على البنك المركزي استخدام حصيلة عائدات صادر الذهب لتعويض فاقد عائدات البترول.. ولهذا إحتكروه لبنك السودان بعد الانفصال ولنصف عقد من الزمان ..!!

:: ثم فجأة، في يناير العام الفائت، أعلنوا فك احتكار بنك السودان لشراء وتصدير الذهب، وسمحوا للشركات بشراء الذهب وتصديره.. وكان تبريرهم لهذا الانقلاب الاقتصادي هو ان القيود المفروضة على الذهب قللت من حجم الإنتاج.. أي بعد نصف عقد من الاحتكار، إكتشفوا أن هذا الإحتكار يقلل الإنتاج.. لعنوا الاحتكار وسبوه و شتموه، وغنوا لسياسة التحرير ومدحوها، ثم سمحوا لشركات القطاع الخاص بتصدير 70% من إنتاجها مع بيع المتبقي لبنك السودان (30%).. وتوقعوا انتاجاً كبيراً ..!!

:: ولكن فجأة أيضاً، يوم أمس، أي بعد عام من لعن سياسة الاحتكار ومدح سياسة التحرير، قرروا احتكار الذهب لبنك السودان .. (البنك المركزي سيشتري الذهب من مناطق الإنتاج ويقوم بتصديره، وأي جهة ترغب في الذهب عليها شراؤه مباشرة من بنك السودان ممثلا في مصفاة الذهب)، حازم عبد القادر محافظ بنك السودان ..وبالمناسبة، ما وصلت إليه قيمة الجنيه السوداني كان يستدعي إقالة – أو إستقالة – وزير المالية ومحافظ البنك المركزي قبل أسابيع ..اقالتهما أو استقالتهما، أوهكذا الحد الأدنى من الطموح العام منذ إنحدار قيمة الجنيه .. أكرر الحد الأدنى ..!!

:: والمهم، يبرر محافظ بنك السودان – الانقلاب على سياسة التحرير – بانه يزيد مشتريات البنك من الذهب الصادر ثم يزيد من حجم النقد الأجنبي ما ينعكس أثره على سعر الصرف.. و..و.. أصبح الاحتكار ممدوحاً، بعد أن كان مذموماً.. هكذا حال الذهب في السودان، يصبح (محتكراً) ثم يمسى (محرراً)..ونهج التخبط – الذي يًدار به الذهب – هو النهج الاقتصادي الذي يًدار به كل موارد السودان.. وقبل أن يبتلي الله السودان بالاقتصاديين الفاشلين، كانت بالسودان ( 13 شركة وطنية)، تعمل في سوق الذهب بمنافسة شريفة وعبر قنوات الدولة وتأتي بالعائد الي البلد قبل تصدير الذهب، أي بنظام (الدفع المقدم)..!!

:: وكانت تلك الشركات، عبر البنوك التجارية، تأتي بقيمة الصادر (دولاراً)، ثم تشتري الذهب من شركات التنقيب والأهالي بالمنافسة ذات الفائدة للمنتج، ثم تصدر عبر القنوات الرسمية بعد سداد ما عليها من رسوم وضرائب.. وكانت الحكومة تستخدم حصيلة الصادر – التي استجلبتها الشركات قبل التصدير الذهب – في تغطية بنود الأدوية والسلع الضرورية ..هكذا كانت فوائد الإنتاج والتصدير للناس والبلد، ولم يكن هناك تهريباً ولا جنوناَ في سعر الصرف.. فالمنافسة الشريفة في كل مناحي الحياة – بما فيها الانتاج والبيع والشراء والتصدير – هي التي تقضي على التهريب و الفساد والفشل، وتزيد من حجم الانتاج و ترفع قيمة الوطن والمواطن قبل الجنيه ..!!

بقلم
الطاهر ساتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.