مزاهر صالح أول سودانية مسلمة تشغل منصبا منتخبا في الولايات المتحدة، بعد فوزها مؤخرا بمقعد في مجلس مدينة أيوا بالولاية التي تحمل الاسم نفسه، وحصولها على نسبة 77 في المئة من الأصوات.
أصولها من جزيرة مقاصر شمالي السودان لكنها نشأت وترعرعت في الجنيد بوسط البلاد في كنف أسرة كانت تعيش “تحت خط الفقر”. بعد وفاة والدها وهي في “ثالثة ابتدائي”.
لم تبد مزاهر تأففا أو تنصلا من المسؤولية التي دخلت عالمها منذ الصغر. فوالدتها ذاقت الأمرين لكي توفر لها ولأخوتها “ما يقيم الأود”، وتضمن حصولهم على التعليم اللازم، باعتباره أساسا للنجاح في الحياة.
الهجرة بحثا عن مستقبل أفضل
هاجرت إلى الولايات المتحدة فور تخرجها من جامعة السودان كمهندسة مدنية قبل 20 عاما، أملا في حياة ومستقبل أفضل لها ولعائلتها.
حاولت مزاهر بقدر الإمكان التأقلم مع المجتمع الجديد، فتدرجت في الأشغال إلى أن أصبحت سيدة أعمال في ولايتها الأولى فيرجينيا، وانخرطت في مجالات أكاديمية مختلفة ونشطت في الجانب الاجتماعي.
مركز العدالة للعمال… علامة فارقة
قررت مزاهر بعد سنوات طوال قضتها في فيرجينيا الانتقال إلى ولاية أيوا حيث واصلت نشاطها الاجتماعي والطوعي فكونت مع آخرين “مركز العدالة للعمال”.
قالت إنها عملت كمتطوعة في هذا المركز لمدة خمس سنوات من دون راتب وتمكنت مع زملائها خلال هذه الفترة من تحقيق إنجازات كثيرة أهمها تغيير الحد الأدنى للأجور في مقاطعتهم “جونسون” من 7.25 دولارات في الساعة إلى 10.10 دولارات في الساعة.
وعملوا أيضا على تحسين علاقة أبناء الأقليات بالشرطة ومساعدتهم في الحصول على حقوقهم.
أضافت مزاهر أن إحساسها بحلاوة الإنجاز عبر هذا المركز وتفاعل المجتمع معها كان علامة فارقة في حياتها دفعها إلى المضي قدما والمشاركة في الانتخابات بمدينة أيوا، فكان لها ما أرادت.
عملت مزاهر بجد دونما كلل أو ملل، بدعم من جميع الفئات السكانية بالمدينة، أميركيين وأقليات، ولكن الدعم الحقيقي نسبته لزوجها “المثالي” أسعد الذي قالت إنها “لولاه لما حققت إنجازها هذا”.
الشعارات الانتخابية
“البيوت المدعومة” قالت مزاهر إنها كانت من أبرز شعاراتها الانتخابية.
“ساعدنا بقدر الإمكان أن يكون السكن المدعوم في متناول كل الناس سواء كانوا أقليات أو مولودين في أميركا، خاصة أن الإيجار أو الامتلاك مكلف جدا” في مدينة أيوا مقارنة بالمناطق الأخرى في الولاية.
وقالت مزاهر لموقع “الحرة” إن المشوار لا يزال طويلا وإن أمامها الكثير لتنجزه في خدمة أهلها، مثل تحسين الطرق والمواصلات.
سماحة الأميركيين
قالت مزاهر، السيدة الأربعينية، إن ديانتها أو ارتداءها للحجاب لم يقف أبدا عائقا أمام ترشحها في الانتخابات وأضافت أن هذا يبرز بوضوح “مدى سماحة الأميركيين وتقبلهم للآخر”.
وشددت مزاهر على أن لا خوف على الإسلام في أميركا وأن “الخوف الحقيقي نابع من الحكومات الإسلامية التي لا تتبع نهج الإسلام وتطبقه بالطريقة الصحيحة”.
تفاعلات الجاليات العربية والإسلامية
أثار نبأ فوز مزاهر في الانتخابات فرحة عارمة وسط الجاليات العربية و الإسلامية داخل الولايات المتحدة وخارجها.
تقول الناشطة النسوية نعمات أحمداي من ولاية فيرجينيا إن فوز مزاهر “مصدر فخر كبير للسودانيين ولكل الأقليات الطامحة لمستقبل مشرق في أميركا”.
وتفاعل سودانيون وعرب على وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة مع فوز مزاهر، فيما استقبلت في السودان بحفاوة بالغة وسط احتفالات وتمنيات لها بالتوفيق في مسيرتها القادمة.
نصيحة للمهاجرين
حثت مزاهر السودانيين وكل الأقليات الأخرى في الولايات المتحدة على العيش فيها على أنهم “أبناء هذا البلد، مهاجرون وليسوا زوارا أو مغتربين”. وقالت إن هذه النقطة ضرورية للمضي قدما، وتحقيق نتائج إيجابية.
وشددت مزاهر على أن الاندماج في النظام الأميركي ومعرفة الحقوق والواجبات لا يعني بأي حال من الأحوال “تجاهل أوطاننا الأم وثقافتها وتقاليدها السمحة”.
“لو تسلمت منصبا قياديا في بلدي”
قالت مزاهر إنها ستعمل بجد لراحة كل إنسان بغض النظر عن جنستيه أو لونه أو عرقه. وأعربت عن إمتنانها لأميركا كونها وفرت لها هذه الفرصة بنسيجها الاجتماعي المتفرد.
سألناها إن تقلدت منصبا قياديا بالسودان ماذا ستفعل؟ فقالت: “أولا نبحث عن احتياجاتنا وكيفية تنمية المواهب التي تتواكب مع مواردنا الذاتية”.
أضافت أنه ينبغي “ألا ننسى الاهتمام بتنمية وتوفير الاحتياجات الأساسية كالتعليم والصحة والبيئة السكنية مع وضع هموم المواطن السوداني على رأس قائمة الاهتمامات بالنسبة للحكومات”.
طموح بلا حدود
تقول مزاهر إن طموحها بلا حدود.
انتقلت من فيرجينيا إلى أيوا نظرا لإيمانها القوي بضرورة أن يكون التغيير من القاعدة إلى القمة. وأضافت “بعد أن اجتزت انتخابات المدينة، آمل الوصول للمجلس البلدي ثم مجلس الولاية، ثم الكونغرس”.