خصوبة الرجال في خطر.. الجنس البشري مهدد بالعقم خلال 50 عاماً

العلماء يطلقون تحذيرات جادة من أن خصوبة الرجال في خطر وأن العالم معرض للعقم خلال الخمسين سنة المقبلة، ويقولون إن الأمر خطير، ولكن يمكن تداركه بقليل من تغيير نمط الحياة والابتعاد عن التوتر.

قد يبدو الحل سهلاً وصعباً في آن، في ظل تسارع إيقاع الحياة الحديثة، لكن معرفة أن العقم خطر قادم وأن ما يعرفه العلم الحديث عنه قليل سيجعلك تراهن على ما تملك من إرادة تغيير نمط حياتك لتملك حلمك في الإنجاب ولا يتسرب منك.

صحيفة The Telegraph البريطانية نشرت تقريرا ًمطولاً عن الأزمة التي تم توثيقها في دراسات عدة، تقول أنه إذا كان الطب الحديث قد تعامل مع الخصوبة باعتبارها أمراً نسائياً غالباً، فإن هذا نصف الحقيقة العلمية أو ربما أقل.

ووفقاً لما تُشير إليه الأدلة المتزايدة في مجال البحوث الطبية، فإن الرجال يدفعون فاتورة الضغوط الحياتية اليومية لهذا العصر من حيواناتهم المنوية.

انخفاض حاد في الحيوانات المنوية

في صيف العام الماضي، كما يشير تقرير للتليجراف، وجدت دراسة علمية أنَّ عدد الحيوانات المنوية لدى الذكور انخفض بما يُقارب 60% خلال الـ40 عاماً الماضية. وفي دراسةٍ هي الأكبر من نوعها؛ تم تحليل بيانات 43 ألف رجلٍ من أميركا الشمالية، وأوروبا، وأستراليا، ونيوزيلندا، وتناولتها 185 دراسةٍ منذ العام 1973 وحتى عام 2011. لتكون النتيجة بمثابة “جرس إنذارٍ مُلِح”.

هذه الأرقام دفعت الطب الحديث للاهتمام أكثر بمشكلة بالحيوانات المنوية التي كان التعامل معها يتم بشكل جزئي واحتلت أهميةً أقل من الأبحاث التي تتناول معدل خصوبة الإناث، لكنَّ العلامات التحذيرية بدأت في التزايد في السنوات الأخيرة. فقد كشفت دراسةٍ تم إجراؤها في العام 2012 على أكثر من 26 ألف رجل فرنسي، أنَّ عدد الحيوانات المنوية انخفض بمقدار الثلث بين عامي 1989 و2005.

كما كشف تقرير لمجلة طب الذكورة “Journal of Andrology” في العام 2007، أنَّه في مدينةٍ بريطانية واحدة انخفضت أعداد الحيوانات المنوية بنسبة 29% في خلال 13 عاماً، في الفترة بين عامي 1989 و2002.

ما الذي يحدث للرجال؟

إذاً، ما الذي يحدث؟ هل من الممكن أن نكون على مشارف كارثة اجتماعية وبيولوجية كبرى؟ وهل تسللت كارثة “فناء” الحيوانات المنوية، بينما كنا منشغلين بمخاوف الزيادة السكانية؟ أم أن تلك الإحصائيات مُضللة؟!

ستيفان شمليك، الطبيب الممارس في مجال الرعاية الصحية ومؤسس مركز New Medicine Group في لندن، كان واضحاً تماماً في توقعاته، إذ قال: “هناك علاجاتٌ طبية قليلة إلى حدٍ كبير فيما يخص معدل الخصوبة لدى الذكور، وفي ظل المعدلات الحالية لانخفاض نسبة الحيوانات المنوية، فإنَّ الجنس البشري سيكون عقيماً في خلال الخمسين عاما المقبلة. بدأتُ أرى أطفال أنابيب لآباء كانوا أيضاً أطفال أنابيب. أنا بالتأكيد لا أُصدر حكماً باتا، لكن من الصعب ألَّا تتساءل عما سيحدث حين نرى الجيل العاشر من أطفال الأنابيب”.

يعتقد شمليك أنَّ هناك العديد من الأسباب التي أدت لظهور هذه المشكلة، أولها الضغوط الحياتيه: “لم يعش أيُ جيلٍ بشري في أي وقتٍ مضى تحت هذا النوع من الضغوط الذي يواجه الناس اليوم في البلدان المتقدمة. فنحن لم نعد نشعر بالقلق من عدم وجود سقف فوق رؤوسنا، قدر ما نشعر بالتوتر والضغط بشأن تلقينا الكثير من رسائل البريد الإلكتروني، ومواعيد التسليم النهائية في العمل، والالتزامات المنزلية.

وتصبح النتيجة هي أنَّ دماغك لا يمكنه التمييز بين التهديد الفسيولوجي والنفسي، ولا يُصدر فقط إلا استجابةً واحدة، وهي إفراز الأدرينالين ذلك الهرمون المسئول عن زيادة نبضات القلب وإعداد الجسد لمواجهة التوترات العصبية و(الذي يؤثر بدوره سلباً على إنتاج الحيوانات المنوية)”.

رحلة الحيوان المنوي

وتشير التقديرات الطبية الحديثة إلى أنَّ حوالي واحداً من كل ستة أزواج يعانون من مشاكل في حدوث الحمل، وينقسم السبب وراء ذلك بين الرجال والنساء تقريباً بالنسبة ذاتها. ونسبة 25% من حالات العقم في بريطانيا على سبيل المثال غير واضحةٍ الأسباب.

ويحدث العقم الذكوري بسبب إنتاج عدد محدود من الحيوانات المنوية (مستوى منخفض)، وضعف قدرتها على الحركة (القدرة على السباحة إلى البويضة)، وشكلها (الحجم والشكل الخارجي)، أو انعدام الحيوانات المنوية لدى الرجل، وهي حالة مرضية تُعرف باسم “azoospermia”.

ويمكن لهذه الحالة أن تحدث بسبب تلف الخصية، والعيوب الخلقية، وضعف نشاط الغدد التناسلية (وجود مستويات منخفضة من هرمون التستوستيرون أو هرمون الجنس لدى الرجال)، ومشكلات القذف، من بين مختلف الأسباب الأخرى.

ومنذ البداية، ومع رحلة الحيوان المنوي الطويلة لحدوث الإخصاب، تُعاكس كل الظروف هذا الأمر؛ فمن بين حوالي 200 مليون حيوان منوي يقذفه الرجل، لا يصل سوى حوالي 10 آلاف منها على مقربةٍ من أنبوب فالوب. ولكي تنجح في مهمتها، ينبغي أن تسبح مسافة 15 سنتيمتراً من المهبل إلى البويضة، متجنبةً إفرازات المهبل التي ستقضي عليها إذا لم تكن سريعة بما فيه الكفاية.

السراويل الضيقة والكحول والتدخين

ونحن على دراية بأنَّ عوامل مثل تناول الكحول، والتدخين، والإجهاد والتوتر، ومشكلة البدانة، وتعاطي مضادات الاكتئاب، يمكنها أيضاً أن تُشكِّل حاجزاً أمام الرجال الذين يأملون في إنجاب طفل، ولكنَّ هناك أدلة على أنَّ منتجات واقي الشمس (الذي يحتوي على مرشحاتٍ عاكسة للأشعة البنفسجية) وأواني الطهي غير اللاصقة للطعام (التي تستخدم مواداً مشبعة بالفلور في عملية تصنيعها) قد تؤثر أيضا على إنتاج الحيوانات المنوية. ناهيكَ عن ارتداء السراويل الضيقة، و زيادة هرمون الاستروجين في أجسامنا بسبب تعاطي حبوب منع الحمل والتعرض للأشعة الكهرومغناطيسية المُنبعثة من أجهزة توجيه الواي-فاي.

ومؤخراً، اتجهت الشكوك نحو دواء الإيبوبروفين الذي يتم تسويقه تجاريا تحت اسم بروفين وهو عقار مضاد للاتهابات؛ إذ أظهرت دراسة تم نشرها هذا العام في المجلة العلمية Proceedings of the National Academy of Sciences أنَّ أولئك الذين يتناولون جرعاتٍ زائدة من هذا الدواء على مدى فتراتٍ طويلة، يعانون من تعطُل إنتاج الهرمونات الجنسية الذكورية.

ويقلق الكثيرون بشأن الربط بين العقم لدى الذكور والمُضافات الكيميائية في الغذاء، أو المبيدات الحشرية والملوثات الصناعية. حتى الدهانات المائية اتضح أنَّها تحتوي على مادة إيثيلين غليكول المرتبطة بمُعدل انخفاض حركة الحيوانات المنوية.

ووسط هذا الصخب والتضارب، وحالة الارتباك العام، هناك أمرٌ واحدٌ مؤكد: هو أن التغيرات في معدلات الخصوبة تحدث بسرعةٍ كبيرة جداً، ما ينفي كونها نتيجةً عوامل وراثية فقط. وبعبارةٍ أخرى، تقل هذه المعدلات مع تغير أنماط حياتنا وبيئتنا.

وبرغم أنَّ هذا الأمر يبدو مُرعباً، فقد يمكن أن يكون خبراً ساراً ومطمئنا، لأنَّ بعض التغييرات الصغيرة مثل الحد من التوتر، واعتماد نظام غذائي أفضل يُركز على الفواكه والخضروات ويُقلل من اللحوم، والإقلاع عن التدخين، والحصول على فترات نومٍ أطول قد تكون هي كل المطلوب لتفادي هذه المشكلة.

في مدينة إيست بوتني، وعلى مسافةٍ قصيرة من نهر التايمز، توجد عيادة Concept Fertility Clinic، وهي منظمة تُقدم خدمة “فريدة من نوعها حسب الطلب”، تشمل اختبار معدل الخصوبة، والتلقيح الصناعي (أطفال الأنابيب)، وعمليات الحقن المجهري (حيثُ يتم حقن الحيوان المنوي داخل البويضة)، بالإضافة إلى تجميد الحيوانات المنوية والبويضات. يوجد بالعيادة جدارٌ مطلي بألوان الباستيل، ومُغطى بصورٍ فوتوغرافية مُعلقة في إطارٍ لأطفالٍ مبتسمين، ساعدت العيادة في إتمام عملية إنجابهم، وهو بمثابة تذكير بما يمكن تحقيقه بقليلٍ من الجهد. وأعمال العيادة في ازدهار.

العقم يولد في رحم الأم

كمال أوجا المدير الطبي للعيادة واستشاري أمراض النساء والمحاضر في مشفى سان جورج المتخصص في ضعف الخصوبة، قال للتليجراف إنه لاحظ مؤخرا زيادةً حقيقية في عدد المرضى الذكور المترددين على العيادة.

وقد تسبَّب الذعر حول فيروس زيكا -الذي يمكن أن يؤدي إلى حدوث تشوهاتٍ خلقية – في أثناء دورة الألعاب الأوليمبية التي أُقيمَت في البرازيل في العام ٢٠١٦ في زيادة أعداد زوار العيادة الراغبين في تجميد الحيوانات المنوية كإجراءٍ احتياطي. وفي الآونة الأخيرة، تردد على العيادة رجالٌ يبلغون من العمر 70 عاماً، يرغبون في الاستفسار عن هذه العملية. ومع ذلك، وكما يرى أوجا وغيره من العلماء، يبدأ العقم قبل الميلاد.. في رحم الأم.

وأوضح أوجا: “أن الأعضاء المُنتجة للحيوانات المنوية للجنين الذكر تنمو في الشهور الثلاثة الأولى للحمل. وفي هذه المرحلة، ويؤثر كل ما تستهلكه الأم على مستقبل الجنين. ولتجنُّبالضرر في هذه المرحلة، يتوَّجب علي النساء الحوامل تغيير سلوكهن في أثناء الفترة الأولى من الحمل، والتي تتراوح بين 6 إلى 12 أسبوعاً”.

ويبدو أنَّنا سنعود إلى المرأة مرةً أخرى لتفسير تلك المشكلة من دون أن نحملها المسؤولية . إذ يستشهد أوجا بحالةٍ قديمة في إيطاليا لنساءٍ تعرَّضن لمستوياتٍ مرتفعة من الديوكسينات السامة في أثناء فترة الحمل، نتيجة حادث صناعي وقع في أحد مصانع إنتاج المبيدات الحشرية في العام 1976. أبناء هؤلاء النساء كانوا يُنتجون حيواناتٍ منوية أقل من المعدلات الطبيعية . ولم يظهر على الرجال الذين تعرَّضوا للحادث نفسه في مرحلة البلوغ أي تأثيرٍ مشابه.

واتضح أيضاً أنَّ التعرُّض لمواد الفثالات الموجودة في حاويات الطعام وأغلفتها يقلل من معدلات الخصوبة لدى الذكور. ومنذ أربع سنوات، أصدرت الكلية الملكية لطب النساء والتوليد في المملكة المتحدة ورقةً بحثية توصي النساء بضرورة تجنب التعرض للمواد الكيميائية بمستوياتٍ منخفضة، وتقليل استخدام منتجات العناية الشخصية، مثل بعض المواد الهلامية المستخدمة في الاستحمام. ولكن لنشر التوجيهات الجديدة، هناك حاجة إلى أدلة علمية قوية، وهو ما نفتقر إليه في الوقت الحالي.

حيوانات معطلة

يرجع ألان باسي، الرئيس السابق للجمعية البريطانية للخصوبة والأستاذ الحالي لطب الذكورة في جامعة شفيلد في إنكلترا انخفاض مُعدل الحيوانات المنوية إلى عوامل متغيرة، وإلى الطرق التي جمع بها العلم الحيوانات المنوية على مدى عقود، ويرى أنَّ العمر هو العامل الحاسم.

موضحا أن : “المشكلة الأكبر هي انتظار الأزواج ليصبحوا أكبر عمراً قبل محاولتهم إنجاب طفل. ومن الهراء القول بأنَّ مُعدل الحيوانات المنوية يستمر كما هو إلى الأبد؛ فقد يُنتج الرجل نفس معدل الحيوانات المنوية حين يتقدم في العمر، لكنَّها تكون أقل كفاءة. وحين تُترك تلك الحيوانات فترةً طويلة، تظهر كل أنواع المشكلات”.

وبغض النظر عن حالتي مغني الروك الشهير وعضو فريق رولنج ستون مايك جاغر الذي استقبل طفله الثامن في عمر ٧٣ عاما و رود ستيوارت الذي استقبل طفله الثامن في عمرٍ66 على التوالي، يمكن لجودة السائل المنوي في حالة الإنسان العادي أن تقل في منتصف العشرينات من العمر، وهناك ساعة بيولوجية كذلك لدى الرجال.

وخطر الإجهاض لدى زوجات الرجال الذين تزيد أعمارهم على 40 عاماً أكبر، بغض النظر عن أعمارهن، واحتمالية حدوث الحمل تقل بمقدار النصف تقريباً لديهن عن زوجات الرجال تحت سن الخامسة والعشرين.

لا نعرف الكثير

المشكله التي تصاحب الحديث عن امراض الذكوره ان ما نعرفه عنها قليل باعتراف منظمة الصحة العالمية التي قالت أنَّنا نملك معلوماتٍ قليلة جداً حول مرض عقم الذكور، وظهرت دعوات للحصول على مزيدٍ من التمويل للبحث حول هذا المرض. وتقول سارة مارتنز داسيلفا المحاضرة السريرية في طب الإنجاب والمختصة في أبحاث الخصوبة في جامعة دندي: “المشكلة هي أنَّنا لا نفهم حتى طبيعة الحيوانات المنوية ولا نعرف لماذا تتعطل بعض هذه الحيوانات المنوية، ولا كيفية التعامل مع المشكلة”.

وتُعد مشكلة الخصوبة لدى الذكور منطقةً لا تلقى تمويلاً جيداً على الإطلاق. وافتراضياً، يتجه الأزواج إلى العلاج عن طريق عمليات التلقيح الصناعي والحقن المجهري، والتي تُعالج في الأساس المرأة، لمجابهة مشكلة الرجل. وفي حال نجاح تلك العلاجات، يُنظر إليها باعتبارها أمراً رائعاً، لكنَّها تُعد وسيلةً طبية مبالغ فيها للوصول إلى الحمل. وسيكون من الأفضل العثور على وسائل أخرى”.

وتوصي الخبيرة بالحصول على جرعاتٍ عالية من فيتامين “سي” والوجبات الغذائية الغنية بمضادات الأكسدة لزيادة قوة الحيوانات المنوية، مع الحلم بالوصول إلى كبسولة دواء سحرية تصبح يوماً ما قادرة على زيادة مُعدل الحيوانات المنوية. وأضافت: “نملك بالفعل بعض المركبات المُبشرة، لكن يتطلب الكثير منها تمويلاً. آمل أن أرى في حياتي اختلافاً كبيراً في خيارات العلاج المتاحة للرجال”.

وفي حال تعذُّر الأمر، يمكن للبحث الخاصة بالخلايا الجذعية توفير المفتاح لتصنيع الحيوانات المنوية والبويضات داخل المختبرات. ففي العام الماضي، استطاع العلماء تحويل خلايا جذعية جنينية، والتي يمكن أن تتطور إلى أي نوع آخر من الأنسجة، إلى حيوانات منوية من خلال مجموعة من المواد الكيميائية والهرمونات وأنسجة الخصية.
البحث الصيني الذي تم على الفئران عام 2016، أخذ خلية جذعية، وحولها إلى حيوانات منوية أولية، ثم استخدامها لتخصيب بويضة لانتاج فئران في صحة جيدة. ونُشرت الدراسة في مجلة “سيل ستيم سيل”.

كذلك استطاع علماء في جامعة كامبريدج، في تجربة أجريت على الفئران مؤخرا، تخليق أول جنين اصطناعي في العالم باستخدام نوعين من الخلايا الجذعية للفئران. ومع ذلك، تأمل سارة في التوصُّل إلى حلولٍ غير مشكوكٍ بها من الناحية الأخلاقية.

هاف بوست

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.