هدفت لإزالة التشوهات.. الركابي.. إجراءات جديدة.. وخيارات عديدة..!!

أعلن وزير المالية، الفريق محمد عثمان الركابي، سعي الحكومة لضبط الأداء الاقتصادي ومحاربة تجارة العملات، وتوقع انخفاض سعر الدولار إلى “18” جنيهاً، وأكد تدخل الحكومة ضد تجار العملة المحتكرين لبعض السلع المسيطرين على أسعارها… خازن المال العام كان يتحدث أمس الأول لبعض من رؤساء التحرير، وقال فيما نقلته عنه الصحف ، إن الحكومة ستتدخل لفض الاحتكار لمنع التجار من التحكم وفرض أسعارهم، وقال إن تحديد هؤلاء التجار لأسعار السلع يتم وفقاً لتقديرات وصفها بـ “غير الحقيقية” لسعر الدولار، مشيراً إلى أنهم أقاموا “دولة اقتصادية”. محصلة حديث الركابي يدور في اتجاه الحكومة للتدخل وضبط الاقتصاد العام باتخاذ سياسات تؤدي لهذا الغرض.

حديث متجدد

ليس جديداً أن تقول الحكومة وعلى لسان مسؤوليها مثل هذا القول، إذ تكررت خلال الشهرين الماضيين أحاديث المسؤولين عن ضرورة ضبط الأداء الاقتصادي بتدخل حكومي حاسم، وما أن تحل بالحكومة معضلة في الاقتصاد إلا وسارعت للحديث عن تدخلها.

كثيرة هي المعارك التي خاضتها الحكومة في سني عمرها الطويل، وفي غير ساحة الحروب ما من قضية شكلت هاجساً للحكومة مثلما شكل “الدولار” وارتفاع أسعاره مقابل العملة المحلية، وما يتبع ذلك من اختلالات في الأداء الاقتصادي ككل، وعلى مدى الشهور الماضية ظلت أسعار الدولار توالي ارتفاعها بمتوالية مستمرة، إذ ارتفعت العملات الأجنبية مقابل العملة المحلية حتى ناهز الدولار في وقت قريب مستويات مقلقة، ووصل لأرقام رفعت حاجب الدهشة عند المهتمين بالأداء الاقتصادي.

رؤية مختصين

يرى مختصون أن الأزمة الاقتصادية التي برزت بقوة خلال الفترة السابقة جعلت الحكومة تفتح أعينها جيداً، وهي تعلم في قرارة نفسها أنه “إما التدخل الحاسم أو الانهيار” فعمدت لبعض المعالجات لكبح جماح الدولار، وتشديد الخناق على المتاجرين في سوق العملات، ومراقبة الأسواق وتحديد تسعيرة لكل سلعة.

اللافت أن سياسات الحكومة الأخيرة جميعها لا تستند على نظرية اقتصادية، بل هي معالجات سياسية وأمنية ورقابية بحسب خبراء تحدثوا لـ(الصيحة)، رأوا أنها أدت لنتائج إيجابية تمثلت في خفض سعر الدولار وتراجعاً طفيفاً في أسعار السلع، وهي عرض لمرض، حيث ما يزال الداء الذي يعاني منه اقتصاد البلاد بعيداً عن مبضع الجرح وهي “اختلالات وتشوهات اقتصادية عميقة” كما يقول المختصون في الاقتصاد ليس من اليسير التخلص منها بمحض تدخل حكومي.

مشكلة سياسات

يرى الخبير الاقتصادي ورئيس لجنة الحوكمة بالنيباد، البروفيسر ميرغني ابنعوف خلال حديثه لـ(الصيحة) أن اقتصاد البلاد تأثر بعدم استقرار وثبات السياسات، ونادى بترقية المناخ للاستثمارات الجادة ذات العائد، ومكافحة الفساد وانتهاج الشفافية في الإدارة، وقلل ابنعوف من حديث الحكومة عن قدرتها على ضبط الأداء الاقتصادي، مشيراً إلى أن المشكلات الهيكلية التي يعاني منها اقتصاد البلاد لا تعالج بقرارات بقدر ما هي مراجعة شاملة، وأكد أن الحظر الاقتصادي لم يكن سبباً وحيداً لتراجع اقتصاد البلاد، وحذر من مغبة استمرار الأوضاع على ما هي دون معالجات.

سبب الأزمة

هنا يثور سؤال حول أسباب أزمة الدولار، ويجيب ابنعوف بالقول إن أول سبب هو ضعف الإنتاج المحلي، والاعتماد على الواردات في ظل ميزان تجاري يميل بوضوح لمصلحتها مقارنة بالصادرات، وزاد ابنعوف بأن على الحكومة الإجابة بصراحة عمن يملك الدولار، وأجاب: إذا كانت هي تملكه لما دخلت في أزمة ندرة وشح النقد الأجنبي، ولكن كما قلنا إن السياسات الاقتصادية والاستثمارية تحتاج لمواكبة وتناسق مع علم الاقتصاد، فمن المفروض حتى المستثمرين الأجانب ألا يتملكوا أرباحهم بالدولار إلا إذا خرجوا من البلد، عدا شركات الاتصالات، وأضاف لا توجد مشكلة في تعاملهم جميعاً بالعملة المحلية في الاستيراد والتصدير، والحكومة تعلم من يملك الدولار ومن يتحكم فيه، وزاد ابنعوف شارحاً رؤيته، لكن عليها تطبيق القانون بصرامة وعدم السماح بتخريب الاقتصاد القومي بممارسات لا تفيد البلاد في شيء بقدر ما تسبب له الضرر.

تحويلات المغتربين

فيما طالب الخبير الاقتصادي د. هيثم فتحي الجهاز المصرفي باستقطاب تحويلات المغتربين السودانيين التي ما زال جزء كبير منها خارج النظام المصرفي، ودعا لوضع سياسات تحفيزية لجذب مدخرات وتحويلات السودانيين العاملين بالخارج المقدرة بنحو 6 مليارات دولار ووضع سياسات تمويلية جديدة لا تؤثر على سعر الصرف للمغتربين، مثل تلقي الودائع بنسب عالية تنافس سعر الودائع العالمية ووضع سياسات لتسهيل التعاملات وحركة الصادر والواردات وتوفر النقد الأجنبي عبر الاستيراد وسياسات نقدية تحافظ على سعر الصرف والعملة الوطنية وتهيئة البيئة للاستثمارات الأوربية والأمريكية الجديدة بالسودان. مشيراً لضرورة تشجيع القطاع الخاص المنتج في الزراعة والصناعة، وتوفير كافة الشروط التي تزيد من قدرته التنافسية وعلى نحو خاص في إنتاج السلع التي تلبي الاحتياجات الأساسية للمواطن من غذاء وكساء، وتمكينه من إنتاج هذه السلع بتكلفة أقل وأن تشمل الإجراءات الهادفة لتشجيعه تقييد استيراد السلع والخدمات المماثلة والبديلة للإنتاج المحلي.

وعزا فتحي ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه السودانى لعدة أسباب أجملها في ضعف الإنتاج والإنتاجية وبالتالي تقليل الصادرات السودانية وتراجع مساهمة القطاعات المنتجة في الناتج المحلي الإجمالي إضافة لزيادة الطلب على الدولار بأكثر من المعروض فضلاً عن وجود أشخاص يشترون الدولار كمخزن للقيمة وزيادة الطلب عليه لتغطية حاجات المسافرين للعلاج والدارسين بالخارج، بجانب مشكلة الحظر على التحويلات البنكية فى إطار العقوبات الاقتصادية على السودان في الشق التجاري والرسمي للدولة والتي بحسب هيثم فتحي تقف عائقاً أمام المستثمرين الأجانب لتحويل أرباحهم، مبيناً أن جميع هذه الأسباب زادت الطلب على الدولار ورفعت سعر صرفه مقابل الجنيه السوداني في ظل ارتفاع واردات البلاد لأكثر من “9” مليارات سنوياً مقابل “3” مليارات دولار للصادرات.

الحل الأمثل

لاشك أن الحل لمشكلة ارتفاع سعر الدولار يستوجب التركيز على زيادة الإنتاج وخفض تكلفته لخلق وفرة تجسر الفجوة بين الواردات والصادرات وتخفض عجز الميزان التجاري وأن تتخذ الدولة سياسات حازمة للحفاظ على استقرار سعر العملة وإيقاف صادرات الخام السوداني زراعية كانت أم صناعية وتطويرها وزيادة القيمة المضافة للصادرات وتدخل الدولة كشريك بنسبة كبيرة في مجال المعادن وإنتاج الذهب أو إقامة شركات كبرى “مساهمة عامة” للعمل في مجال الذهب والمعادن وخفض الإنفاق الحكومي.

اخر لحظه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.