محمد لطيف: الرياض بين .. 30 يونيو الإسلامية وغريمتها العلمانية !

منذ فترة ليست بالقصيرة .. درجت دوائر سياسية وصحافية فى البلاد .. على صب جام غضبها على سياسة المملكة العربية السعودية تجاه السودان .. أو إن شئت الدقة فقل .. سياسة السودان تجاه المملكة العربية السعودية .. وما يرونه من ( عدم تقدير من المملكة لذلك الدور السودانى ) .. وقبل الغوص فى مناقشة هذا الأمر .. بل وتمهيدا لذلك .. فثمة طرفة ظلت متداولة سبعينيات القرن الماضى بين العاصمة السعودية الرياض .. وعاصمة عربية أخرى عرفت صحافتها حرية التعبير .. وتمسكت به منذ وقت مبكر .. الشاهد أن صحافيا مشهورا .. يمتلك مطبوعة واسعة الإنتشار والتأثير.. فى تلك العاصمة التى لا داعى لذكرها .. دأب على شن هجوم منتظم على المملكة وعلى سياساتها وعلى حكامها .. فتفتقت عبقرية سفير المملكة فى تلك العاصمة عن فكرة رحبت بها حكومته .. بإعتبارها فكرة مجربة فى التعامل مع الإعلام العربى آنئذ .. فتمت دعوة الصحافى الشهير الى العاصمة السعودية .. ثم حُمّل بالمعلومات .. وبالغالى والنفيس .. بعد أن أكد لهم السفير أن الأمر سيغير مسار الصحافى مائة وثمانون درجة .. وغادر الصحافى الى بلاده .. ففى ذلك الوقت لم تكن قد إكتشفت نظرية سمو ولى العهد .. التى تجيز إحتجاز منسوبى الدول الأخرى لإنفاذ سياسات المملكة .. و ظل السعوديون ينتظرون شهورا طويلة دون أن يفتح الله على ضيفهم بكلمة طيبة فى حقهم .. ووجد السفير نفسه فى موقف لا يحسد عليه.. فلم يجد مناصا من الإتصال بالصحافى عاتبا عليه أن مطبوعته تخلو من أى مادة إيجابية عن المملكة رغم زيارته الشخصية لها .. فجاءه الرد صاعقا من تلقاء الصحافى المعتق .. الزيارة كانت ثمنا لصمتى عن المملكة أما للحديث عنها فثمن آخر ..!
وعودا على بدء .. فكل من ينتقد موقف المملكة ينطلق من المقارنة بين موقف الرياض من القاهرة وموقفها من الخرطوم .. وينطلق حديث المتحدثين دائما من أن السودان لم يتوانى عن التضحية بأبنائه  دعما للمملكة .. وهو يقدم القوة الضاربة الرئيسة فى عاصفة الحزم باليمن .. وفى الوقت الذى لم تقدم فيه القاهرة شيئا .. فكل الرضى يذهب اليها .. الدعم والمساندة والإشادة .. وولى العهد .. بينما تجنى الخرطوم الحصرم .. وما سأقوله ليس دفاعا عن المملكة ولا تبريرا لها .. وشهادتى فيها ليست مجروحة .. فقد كنت اول صحافى سودانى إنتقد سياسات المملكة فى عهد سفيرها السابق .. ثم فى عهد سفيرها الحالى .. الذى نشهد له بسعة الصدر .. وحرصه على التواصل مع مخالفيه الرأى قبل موافقيه.. ولكنها رسالة للبعض هنا لقراءة الواقع .. والنظر اليه بمنظار جديد.. فالبعض هنا .. حكومة ومعارضة على حد سواء .. يحاول القفز على بعض الحقائق .. رغم أنها ملقاة على قارعة الطريق .. من هذه الحقائق مثلا .. أن الرياض قد رمت بثقلها .. منذ اليوم الأول .. خلف التغيير الذى شهدته مصر بعنوان .. 30 يونيو .. وهو التغيير الذى أنهى حقبة الإسلام السياسى فى مصر .. وكان جليا منذ الوهلة الأولى أن الرياض اكثر من مجرد مؤيد لإنقلاب وقع هناك .. فهو إن لم يكن صانعا فهو داعم .. و بعضنا يصر على أن لا يقرأ هذه الحقيقة التى تشكل وتفسر كل خطوات الرياض تجاه القاهرة ..!
أما 30 يونيو السودانية التى إفتتحت حقبة الإسلام السياسى فى السودان .. فقد كانت الرياض ولسنوات طويلة تسد ابوابها وتصم أذنيها عن التعاطى معها .. بل بحثت فى عدة خيارات لوضع حد لهذه الحقبة .. الماثلة حتى اليوم .. ثم جرت مياه كثيرة تحت جسور العلاقة بين البلدين .. بدأت من ذلك الصدود..وإنتهت الى جيش سودانى تحت إمرة الرياض .. ولكن النظام لم يتغير .. ولم يغير كثيرا .. و فى ظن كثير من المراقبين اليوم .. أن الرياض قد تعلمت من ذلك الصحافى ولسان حالها يقول .. وهى تقلب صفحات تضحيات الخرطوم .. هذاهو ثمن القبول والصمت .. أما الرضى الكامل والدعم .. فله ثمن آخر ..!

المصدر : باج نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.