حكايات سودانية.. النمل “الفاسد” يلتهم أطنانا من السكر؟!

“نمل السكر” يلتهم 450 جوالا من سكر المواطنين.. عنوان بصحيفة سودانية خاصة، تسبب في حالة من الجدل الممزوج بالسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، انتقلت إلى بعض الدوائر العامة، حول حجم الفساد بالبلاد وخاصة بين المسؤولين المحليين.
العنوان كان لتحقيق صحفي أعدته صحيفة “الصيحة” السودانية ونشرته الأحد الماضي، وتناول اختفاء تلك الكمية من السكر الذي تقدمه الحكومة للمواطنين في إطار “دعم سلعي”.
وتناول التحقيق تبادل اتهامات بين وزارة المالية بولاية سنار (جنوب وسط)، ومسؤولين بمحافظة الدندر التابعة للولاية، حول اختفاء حصة المواطنين من سلعة السكر التي توصف محليا بالاستراتيجية، وتسربها من أيدي الحكومة إلى السوق السوداء.
ونقلت الصحيفة عن المسؤول في وزارة المالية بالولاية علي الحاج قوله، إن وزارته “سلمت 650 جوال سكر لمحلية (محافظة) الدندر التي دفعت سعر الكمية المستلمة”.
وأوردت الصحيفة في متن التحقيق تصريحا من عضو اللجنة المفوضة بتسلم حصة السكر من وزارة المالية بالولاية أحمد صالح، الذي قال وفق الصحيفة “إننا في (اللجنة) لم نعرف شيئا عن هذه الحصة مثار الجدل، فلا وزارة المالية أخطرتنا، ولم نحرر شيكا لها بمبلغ كمية السكر”.
وتابع: “لم نفوض أحدا باسم اللجنة ليستلم حصة المواطنين، ولا نعرف من الذي استلم الـ 450 جوالا”.
ومضت وتيرة التحقيق في التواصل مع المسؤولين الحكوميين في ولاية سنار، حتى اختتمته بخلاصة “استلام الجهات المختصة لـ 200 جوال سكر واختفاء 450″، وأن تلك الحصة المختفية التهمها “نمل السكر”، دون أن توضح بشكل صريح من تقصدهم بـ “نمل السكر”، غير أن الكثيرين فهموا الرسالة بأن المقصودين بالتعبير هم مسؤولون محليون.
ولم تكد تمر ساعات قليلة على نشر التحقيق، حتى عجت وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليقات الساخطة على الفساد وحجمه في البلاد، وهي تعليقات لم تخل من السخرية.
وتساءل نشطاء ورواد وسائل التواصل الاجتماعي عن قدرة النمل على التهام 450 جولا من السكر تبلغ سعتها 22 ألفا و500 كيلوغرام، بواقع 50 كيلو للجوال الواحد.
كما تساءلوا عن قدرة النمل الخارقة على التهام الجوالات التي يحفظ فيها السكر، حيث لا يمكن للنمل القضاء على جوالات البلاستك، في إشارة منهم إلى أن المقصود ليس النمل بالفعل، وإنما مسؤولون محليون.
ولم تسلم الصحيفة من النقد بسبب عنوانها، نظرا لأن عبارة “التهمه نمل السكر”، لم ترد على لسان مسؤول محلي، واتهمها صحفيون بالتضليل ونشر عنوان لا يوجد له تأكيد في متن المادة الصحيفة.
بيد أن أحمد يوسف التاي رئيس تحرير الصحيفة الناشرة للتحقيق، يقول إن “المادة الصحفية التي نشرت وأثارت الجدل حققت نجاحها المطلوب”.
ويوضح في حديثه للأناضول: “التحقيق الذي نشر مكتمل الأركان ومستوفٍ لكل شروط المهنية، حيث أورد فيه المحرر كل وجهات النظر وأطراف القضية من المسؤولين الحكوميين”.
ويضيف: “العنوان هو سر الانتشار، وقام على قاعدة صحفية شائعة وهي المفارقة، حيث أوردنا نمل السكر في العنوان بين أقواس، وذلك يدل على أنها توحي باستعارة أو يجب أن يركز عليها”.
ووفق “التاي”، فإن “مصطلح نمل السكر شائع في محلية الدندر التي وقعت فيها الحادثة، وأطلقه المواطنون هناك لوصف مجموعة محددة من التجار الفاسدين والمضاربين في الأسواق وبعض المسؤولين”.
ويضيف أن “سكان المنطقة التي شهدت الحادثة لم يستغربوا عنوان التحقيق، وكان بالنسبة إليهم من الموضوعات العادية، لاعتيادهم على المصطلح”.
وبحسب رئيس التحرير، فإن البعض “أفرغوا المادة من مضمونها، وتم توظيفها لتصفية حسابات سياسية دون التطرق للأزمة التي نوقشت في التحقيق”.
ويؤكد: “لو كلف البعض أنفسهم قراءة التحقيق لاستوعبوا المفارقة التي حملها العنوان، حيث لا يوجد تصريح لمسؤول ورد في التحقيق اتهم النمل بالقضاء على حصة المواطنين”.
ويعتبر “التاي” هذه الانتقادات “عدم موضوعية في التطرق للقضايا ومزايدة سياسية”.
وطالت موجه السخرية التي امتدت عقب نشر التحقيق، عددا من المسؤولين السودانيين، وتضمنت مطالبات وتساؤلات لا تخلو أيضا من السخرية، مثل: أي نوع من أنواع (الحشرات أو الحيوانات) سيتم توظيفه في المرحلة المقبلة لإخفاء الفساد؟
وحتى صباح الخميس، لم تعقب الحكومة السودانية أو مسؤول بها حول حالة الجدل التي أثارها تحقيق الصحيفة.
* نجاح وسائل التواصل الاجتماعي
ومؤخرا ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في دفع الجهات المختصة في السودان لإصدار توضيحات لم تكن مألوفة سابقا، بل ساهمت في وقف بعض القرارات الحكومية.
ومن بين أبرز تلك القرارات استبعاد أبو بكر حمد من الحكومة في مايو / أيار الماضي من أداء القسم في اللحظات الأخيرة لتقلد منصب وزير العدل، عقب تداول وسائل التواصل الاجتماعي للغط حول شهادة الدكتوراة التي يحملها، وأبلغته الحكومة آنذاك رسميا باستبعاده، وتكليف الوزير الحالي إدريس جميل بالمنصب.
وفي هذا الصدد يقول المتخصص في تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي حمدي صلاح الدين، إن “مواقع مثل فيسبوك وتويتر أصبحت مؤثرة بصورة فعلية على متخذ القرار في السودان خلال العامين الماضيين”.
ويرى في حديثه للأناضول أن “العقل الجمعي في السودان لديه القدرة على تكوين الرأي، ومتابعته والدفاع عنه حتى يصل إلى الهدف المراد تحقيقه”.
ووفق صلاح الدين، “أصبحت وسائل الإعلام التقليدي (إذاعة، وتلفزيون، وصحافة ورقية) تنقل ما يدور على شبكات التواصل الاجتماعي والقضايا التي يتداولها رواد هذه المواقع في قضايا كثيرة ومتنوعة، وأصبح دور الصحافة الورقية مكملا لشبكات التواصل الاجتماعي”.‎
وجاء السودان في المرتبة 176 بقائمة الدول الأكثر فسادا من جملة 180 دولة، وفق تقرير مؤشر مدركات الفساد لعام 2017 الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية في فبراير / شباط الماضي.
وأمس الأربعاء، صدر قرار قضائي سوداني بتأسيس محكمة جنايات تختص بمكافحة الفساد ومخالفات المال العام، ونظر الدعاوى الخاصة بقضايا الفساد واستغلال النفوذ، والتعدي على المال العام، وتخريب الاقتصاد الوطني.
فيما كان الرئيس السوداني عمر البشير تعهد لدى أدائه اليمين الدستورية رئيسا لولاية ثلاثة في يونيو / حزيران 2015، بالعمل على محاربة الفساد، معلنا منحه هيئة مكافحة الفساد صلاحيات كاملة وتكون تبعيتها مباشرة للرئاسة السودانية.

المصدر : كوش نيوز

Exit mobile version