مأساة المنتظرين القمسيون الطبي.. الحجيم في التطعيم!

عداد غفيرة تقف تحت وطأة الشمس الحارقة بلا اكتراث كل ما يشغل بالها الحصول على كرت للتطعيم المعروف شعبياً بـ”كرت الحمى الصفراء “، لتكملة الإجراءات التي ارتبطت به، نساءً ورجالاً كبار في السن، يجدون معاناة كبيرة للانتظار الساعات الطوال لينهار قواها بالجلوس في المساطب الأسمنتية التي تختزن بداخلها درجات الحرارة العالية، مشاهد مؤثرة وحقائق مؤلمة تلك يكابدها المواطنون لتلقي الخدمة، أزمة وفرة أمصال الحمى الصفراء بجانب كروت التطعيم، ظلت تمثل الهاجس الأكبر لكل من ينوي السفر، صفوف عديدة تراصت في موضع لا يسع لكل تلك الجموع، (التيار) استطاعت الدخول لكشف الحقيقة وعكس الواقع…

الخرطوم: حمد سليمان

تجمع كبير بالخارج

رغم شدة حرارة الشمس الحارقة، تجمع لأعداد كبيرة من قبل المواطنين خارج مركز القمسيون الطبي والتطعيم الدولي بوسط الخرطوم، وقفتُ أراقب ذلك المشهد، أحد الموظفين يقف وسطهم ويعلو صوته لإذاعة عدد من الحاضرين، يصمت برهة بعد مقاطعات احتجاجية ليواصل مرة أخرى، مشاهد عديدة تقف شاهدة على مستوى الخدمة التي يتم تقديمها، وعندما تتم إذاعة أحد الأسماء يردد صاحبها فرحاً بـ(أيوة).

احتجاجات متكررة

بعدها دلفت للداخل، غرفة الاستقبال تكتظ بطالبي الخدمة يصطف الموظفون خلف تربيزة كبيرة، يستقبلون سيلاً من الاحتجاجات أحياناً يصل لدرجة التلاسن، إستوقفني مشهد لسيدة وجدت موطئاً أمام التربيزة وسط الاكتظاظ الكبير للمواطنين ليرتفع صوتها قائلة:”ياخ أنا من الصباح واقفة والله أنا جيت الساعة 7:15 ولي هسه ما خشيت”. لتقاطع أخرى الموظفين باحتجاجها أيضاً :”أنا من الصباح وما لاقية فرصة أسجل حتى، رد عليها الموظف بأن التسجيل كان بالخارج لكنها ردت بقولها:” أنت هسي مش شيلت الورقة ورفضت تسجل؟”.

محنة الدخول

تخطي غرفة الاستقبال يبدو نوعاً آخر من التحدي لصعوبة الإجراء إذ أن الدخول غير ممكن دون المرور على موظف يقف خصيصاً لتفحص الأوراق الثبوتية، شعرت حينها بمحنة التخطي، بدأت أبحث عن الكيفية التي يمكنني الدخول عبرها، وقفت لبرهة أفكر في الحيلة التي يمكن أن أفلت من سيل التحري، انتظرت حتى قلَّ الاندفاع نحو الباب الداخلي، عندها تقدمت نحوه لكن سرعان ما ناداني أحد الموظفين بقوله:” أها شنو يا أخونا؟، عندها لم يكن أمامي سوى الرد، رددت عليه لدي مرافق بالداخل يحتاج لمبلغ مالي، رد بقوله: خليهو يجي هنا، عندها قلت له كيف يترك (الصف) ليخرج للباب، بعدها لم يرد على بكلمة وتقدمت نحو الباب حتى وصلت للداخل.

بالداخل الوضع لم يعد أحسن مما شاهدته بالخارج، عدد كبير من المواطنين يجلسون على الأرض بينهم كبار السن من الجنسين وآخرين يقفون على أرجلهم، وضع على الجانب الشرقي صيوان لكنه امتلأ تماماً، والساعة تشير لـ(1:14) دقيقة أغلقت نافذة التحصيل التي تقع بالناحية الشرقية، وبعد استفسار المواطنين جاء ردهم بأن الموظف يريد تناول وجبة الإفطار، حالة من الضجر من قبل طالبي الخدمة بعد إغلاق النافذة، وما بين الفينة والأخرى يطرق أحدهم على الشباك على أمل أن يفتح، ومن بين الجموع ظل البعض يؤلف رداً ساخراً على كل من يسأل عن سبب إغلاق الشباك بقوله:” قالت دايره تصلي ودايرة تفطر وعندها رسائل واتساب ما قرتهم”. استمر الوضع على ما هو عليه حتى الساعة (1:42) لتعود النافذة للخدمة.

سوء التعامل

من خلال الطواف الداخلي ومشاهداتي إن أعداداً كبيرة تتوزع داخل المبنى الضيق، امتلأت الصالة الداخلية التي وضعت فيها عدد من المقاعد إضافة لتهويتها الجيدة، إلا أن الجحيم على مرمى حجر منها يصطف طالبو الخدمة عبر نافذة تحصيل الرسوم الخارجية بينهم كبار السن، تحت أشعة الشمس الحارقة. من خلال معايشتي للواقع التعامل لم يكن جيداً من قبل الموظفين مع المواطنين ففي الداخل يصدح صوت موظف جهور بقوله:” يلا يا هوي الممر دا دايرو فاضي”. وعند خروجي لمعايشه السلوك لدى الموظفين بالخارج وجدت إن من يذيع الأسماء ليس بأفضل منه إذ إنه يردد بقوله:” يا جماعة والله بنقفل بابنا على كدا وما بنشتغل تاني، انا ما بقرأ اسم ولا بذيع تاني”. لكن رجاءات عديدة من أصوات نسائية ورجالية تثنيه عن قراراه ليواصل مرة أخرى.

فوضى

مواطن وجدته يقف عند أحد الصفوف يبدو عليه التعب بدأ حديثه معي بقوله:” أنا والله حضرت منذ الساعة السابعة ونصف صباحاً لكنني الآن استطعت الدخول _ وقتها الساعة 1:29_ وهأنذا اقف خلف شباك الرسوم المغلق، وأضاف:”في الفترة الصباحية قالوا لديهم (110) كرت تطعيم، وبعدها وعدونا بكروت أخرى طلبوا منا الانتظار لحين حضورها”. المواطن (ع) يقول لـ(التيار) وبنبرة حادة :”دي فوضى إنحنا من الصباح ما قادرين نعمل إجراء التطعيم، هسي الناس ديل ماشين لي حتة _ جدة_ بمشوا فيها العشرة آلاف في ثواني ديل ما قادرين يمشو العدد دا؟ أحسن ينقلوها المجمع والافضل يدفعوا القروش في البنك بدل الإذلال والفوضى دي”.

حكاية الكفيف

مواطن آخر إسمه عبد المطلب بدأ يحكي عن قصته اليوم إذ إنه طلب الخدمة بالقمسيون الطبي عند صباح الأمس (الأحد) ويقول لـ(التيار):”كنت في المركز لطلب الخدمة وأثناء انتظارنا حضر أحد المكفوفين وهو كبير في السن يطلب تقديم خدمة (تطعيم)، لكنه لم يجد أي اهتمام من قبل الموظفين، عندها قلت للموظف:”ياخ الراجل دا كفيف وغير كدا كبير في السن الأفضل إنك تمشي وتقدم ليهو الخدمة بأسرع فرصة وما توقفوا في الصف”. لكنني فوجئت بعدم اهتمام من قبل الموظف ولم يرد بكلمة، شعرت بحزن تجاه الموقف، اصطحبت الكفيف وخرجنا سوياً ناحية وزارة الصحة ولاية الخرطوم، ذهبت للأمين العام (مجاهد) بدوره استنكر الموقف ورد بقوله:” هذا الرجل يجب أن تقدم له الخدمه لسببين، أولاً لأنه كفيف، وثانياً لعامل كبر السن”. اصطحبنا الأمين العام عبر عربته واتجه بنا صوب القمسيون الطبي وقام بتقديم الخدمة للكفيف.

القمسيون يرد

وفي رد من قبل مدير القمسيون الطبي ولاية الخرطوم د. حيدر محمد لـ(التيار) وفرة الأمصال وكروت التطعيم على مستوى الولاية مشيراً للتصديق بـ(7) آلاف مصل تطعيم يتم استلامها اليوم (الإثنين) منوهاً إلى أن يوم أمس شهد استهلاك (800) جرعة، وأقر محمد بالازدحام الكبير من قبل المواطنين.

المدارية


إنضم للواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.