ماذا لو انسحبنا من اليمن..؟

رسم شوان لاي رئيس الوزراء الصيني المخضرم تفاصيل هزيمة أمريكا في فيتنام..اعتمد لاي في خطته على استدراج أمريكا إلى الفخ الفيتنامي..أوصى الرجل الفيتناميين بالتدرج في قتال الأعداء وذلك للإيحاء بأن المعركة مجرد رحلة قصيرة في الغابات الآسيوية ..بعد سنوات غير قصيرة استوعب الأمريكان الدرس وحفظوا ماء وجههم عبر انسحاب ظللت سماءه التسويات السياسية ..في الحقيقة كانت الطبيعة وكثافة القوة الفيتنامية والعقيدة القتالية ترجح كفة أصحاب الأرض..فيما كان الأمريكيون يشعرون أنهم يخوضون حربًا ورّطهم فيها الساسة المدنيون قصيرو النظر..في هذا المناخ لمعت أسماء الهاربين من جحيم الحرب من أمثال جون كيري ..الجريح العائد من فيتنام بنى شعبيته الأولى على مناهضة الحرب.
قبل أيام اجتمع وزير الخارجية السوداني بعدد من السفراء العرب..من بين الذين اجتمع معهم الغندور سفراء السعودية والإمارات ومصر..بعيد الاجتماع صرح الوزير أن السودان سيستمر في حرب اليمن ضمن إطار قوات التحالف..المثير للانتباه أن مصر ليست عضوًا مقاتلاً في عاصفة الحزم كما غاب السفير اليمني عن المناسبة..لكن الأمر الذي يمكن استنتاجه وربطه بذات الاجتماع الدبلوماسي أن الانسحاب السوداني بات واحدًا من الخيارات الموضوعة أمام متخذي القرار في السودان.. بل تعدى ذلك ليصبح هاجسًا يؤرق جبهة التحالف العربي..حتى أن الرئيس البشير في خطابه الأخير أمام البرلمان أرسل رسالة تطمين لقادة التحالف أنه سيكون إلى جانبهم.
إلا أن السؤال المهم لماذا بات الانسحاب واحدًا من الخيارات أمام القيادة السودانية أو ينبغي أن يكون ..في الأشهر الماضية عاشت حكومة السودان في ظروف صعبة ما زالت آثارها ماثلة حتى اللحظة..صفوف الوقود يمكن رؤيتها من أي طائرة عابرة للأجواء السودانية ..انخفاض كبير في العملة السودانية يصاحبه ارتفاع أكبر في الأسعار ..لكن الجديد هو تهديدات الحوثيين باستهداف الأراضي السودانية..تهديد يجب أخذه في الاعتبار بعد أن وصلت رسائل الحوثيين عبر استهداف القصور الملكية في الرياض..كل ذلك يحدث دون أن يشعر السودانيون أنهم بعض من حلف يجب أن يكون معهم في السراء والضراء.
في الجانب الآخر تلوح الدول الأخرى التي تقف في المعسكر الآخر بيدها في سبيل كسب السودان..الأتراك بعثوا برئيسهم المحبوب إلى السودان..القطريون أعربوا عن استعدادهم لضخ أربعة مليارات من الدولارات في سبيل تأهيل ميناء سواكن العريق..الأجندة السودانية لا تتطابق تمامًا مع محور الخليج خاصة في الأزمة السورية وكذلك الأزمة في ليبيا ..بل أن صوت السودان ارتفع في البرلمان العربي رافضًا أي إدانة بحق تركيا..هذه الحقائق وغيرها يجب وضعها في الحسبان حول مستقبل السودان في الحلف الخليجي خاصة إذا ما تطاول أمد الحرب.
في تقديري أن الانسحاب من الحلف الخليجي يجب أن يكون بطاقة تلويح أكثر من أن تكون خيارًا واقعيًا..وجود السودان هنالك يجعله فاعلا في عدد من المعادلات ..كما من المتوقع ان تضع الحرب أوزارها قريبًا عبر تسوية خاصة بعد أن بات الحسم خيارًا ذَا تكلفة عالية ويحتاج الى وقت طويل..بل من واجب القيادة السودانية ان تتحدث بوضوح أنها لايمكن أن تقاتل في الخارج فيما البيت من الداخل يتعرض للتصدع.
بصراحة..على الحكومة السودانية ان تتحرك سياسيًا من أجل التسوية في اليمن..ليس مطلوباً منا فقط أن نقاتل فيما يتولى الآخرون الإمامة السياسية..نجحت إيران مثل الصين في تصفية حساباتها مع السعودية بعيداً عن التراب الوطني الإيراني..وبإمكان السودان ان يتواصل مع إيران في أمر التسوية السلمية في اليمن.

الصي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.