الفاتح جبرا : لقد صرنا والله في (ورطة) من أمرنا بسبب هؤلاء .. لذا فهم يتكالبون على المناصب (ويحفرون لبعضهم البعض)

لقد صرنا والله في (ورطة) من أمرنا بسبب هؤلاء الذين لا يبالون بِعِظَم الأمانة التي كلّفهم الله تعالى بها، وبات المنصب في حقهم مغنمًا يزدادون به غنى ويتطاولون به على عباد الله، لا مغرمًا يخدمون من خلاله أبناء مجتمعهم، ويسدون به جوعة الفقير ويكسون به عريه؛ لذا فهم يتكالبون على المناصب (ويحفرون لبعضهم البعض) كما قال أحدهم من أجل الفوز بها،
_______
ساخر سبيل – الفاتح جبرا
خطبة الجمعة

الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكّر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كل شيء فقدّره تقديراً، أحمده وأشكره، مصليا على رسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، ووحدوه، فبالتوحيد تزكو قلوبكم، وبالتقوى يصلح حالكم، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:21].
عباد الله:
مما يؤسف له حقاً إننا قد صرنا في هذه البلاد عرضة كل يوم بل كل ساعة لمزيد من الأحداث التي تنغص على الناس حياتهم، وتقض مضاجعهم بسبب خيانة الأمانة من قِبَل مجموعة ممن لعب الشيطان بعقولهم واستمالهم إلى جانبه بحفنة من المال الحرام، فباتوا لا يبالون بِعِظَم الأمانة التي كلّفهم الله تعالى بها، وبات المنصب في حق هؤلاء مغنمًا يزدادون به غنى ويتطاولون به على عباد الله، لا مغرمًا يخدمون من خلاله أبناء مجتمعهم، ويسدون به حاجات الفقراء والمساكين.
إننا نجد أنفسنا الآن أمام تحديات حقيقية في مواجهة الفساد الذي استشرى في المؤسسات وسيطر بأذرعه الأخطبوتية على مراكز إصدار القرار والتخطيط، فما بين الفساد المالي والإداري يقبع كثير من الشياطين المنتهبين لأموال الأمة ومقدراتها دون وازع من دين أو ضمير..
عباد الله:
إن كثيرًا من ضعاف النفوس من المسؤولين للأسف الشديد ليسوا على مستوى المسؤولية المرجوة، ولا الكفاءة المطلوبة، فيُفسدون أكثر مما يُصلِحون، ويحققون مكاسب شخصية ومغانم ذاتية على حساب مصلحة المجتمع ككل، فلا بأس عندهم أن يملؤوا بطونهم وخزائنهم من أموال الرِّشا والعمولات والاختلاسات، في الوقت الذي يبيت فيه البسطاءٌ من أبناء اهذا الوطن جوعى بلا عَشاء، أو مرضى بلا علاج أو مشردين بلا مأوى لا يهمهم ذلك مادام يعيشون هو في أجمل القصور، ويركبون أفره السيارات، ويأكلون أطيب الطعام، ويتمتعون بشهوات الدنيا وملذاتها، من حلال كانت أم من حرام.
لقد صرنا والله في (ورطة) من أمرنا بسبب هؤلاء الذين لا يبالون بِعِظَم الأمانة التي كلّفهم الله تعالى بها، وبات المنصب في حقهم مغنمًا يزدادون به غنى ويتطاولون به على عباد الله، لا مغرمًا يخدمون من خلاله أبناء مجتمعهم، ويسدون به جوعة الفقير ويكسون به عريه؛ لذا فهم يتكالبون على المناصب (ويحفرون لبعضهم البعض) كما قال أحدهم من أجل الفوز بها، ويتقاتلون على الولاية التي ذم الشرع مَنْ طلبها، ولذلك نرى كثيرًا من الفساد والأخطاء القاتلة التي تصدر من هؤلاء بسبب أنهم لا يوفَّقون لحسن الأداء في مناصبهم؛ حيث هم موكولون إلى أنفسهم، ولا يعانون على تأدية واجباتهم، فعن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “يا عبد الرحمن بن سمرة: لا تسأل الإمارة؛ فإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها”.
عباد الله:
إن المتأمل لبلادنا اليوم يرى عجبا: شعب يئن تحت خط الفقر والمسغبة, وألوف مؤلفة تشتكي ظلم الرعاة وجور الولاة؛ الجوع هدهم، والفقر حدهم؛ يبحثون بكل السبل عن العدل، نعَم عن العدل، ويشتكون من الظلم في تصريف المال العام، ملايين العملات الأجنبية تضيع فلا يعرف لها مكان ومئات الممتلكات العامة تباع فلا يعرف لثمنها أثر وأطنان من الذهب لا تظهر في ميزانية البلاد العامة.
إن تضييع الأمانة ممن أوسدت له هي أول درجات البلاء، إن الظلم وأكل المال العام بالباطل مُنْقَلَبُهُ أليم، ومرتعه وخيم؛ نعم، لقد أُضِيعَت في كثير من الجهات الأَمَانَةُ فَأُكِلَتِ الأَموَالُ العَامَّةُ بِأَدنى الحِيَلِ، وَأُضِيعَت حُقُوقُ العِبَادِ بالخِدَاعِ وَالمكرِ، وَأُهدِرَتِ المبَالِغُ الطائلة في مَشرُوعَاتٍ وَهمِيَّةٍ بقروض ربوية سوف يئن بها كاهل هذا الشعب لأجيال وأجيال قادمة والله المستعان.
عباد الله:
إن الأمانة ثقيلة أبت عن حملها السماوات والأرض والجبال، وحملها الإنسان، (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [الأحزاب:72]، فما بال أناس حملوها وليسوا لها بأهل، غرهم حسن المنصب، أو كرم الجاه، ولم يستشعروا عظيم المسؤولية، وكبير الأثر؟ وفي الحديث: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”.
عباد الله:
والله لن تقوم لنا قائمة إلا إذا مشينا على خطى (العمرين) حيث يفيض العدل، ويدحر الظلم، وتحفظ الحقوق؛ حيث كان الشعار: إن الله يأمر بالعدل والإحسان، والدثار:اعدلوا هو أقرب للتقوى، وحيث كان الزاجر: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، وكان الآمر: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل.
ليتذكركل من أكل المال العام ظلما أنه صائر إلى الله، وأن للمظلومين دعوات لا يحجبها عن الله حاجب، ولئن كان الظلم في المال الخاص ممقوتا، فإنه في المال العام أنكى أثرا، وأشد خطرا، وأبعد ضررا وإن يئس الضعفاء من أخذ حقوقهم في هذه الدنيا الفانية فالحساب لا محالة أت {يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ} * {وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} * {وَصَٰحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} * {لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}.. صدق الله العظيم
اللهم الف بين قلوبنا واصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام ونجنا من الظلمات الى النور، وجنبنا الفواحش وبارك لنا في اسماعنا وابصارنا وقلوبنا وازواجنا وذرياتنا وتب علينا، إنك انت التواب الرحيم، اسال الله ان نكون من الفائزين المقبولين وإستغفره لي ولكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله..
كسرة:
دنيا زائلة بس ناس غبيانة ساكت!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.