يرتاده متعلمون ومثقفون الدجالون.. انتعاش سوق غير شرعي

خديجة: رفضت أعطيه مصوغاتي فعمل لي سحر التفريق
مسنة: نهب أموالي ووعدني بالذهاب لأمريكا ببساط الريح
طبيبة: أمنيتي في الدنيا أن أجد عريساً
طالبني بإحضار (تيس) أسود ودجاج أحمر للخُدَّام
تحقيق: مياه النيل مبارك
من المفارقات الغريبة التي لم أكن أتوقعها، وأنا أتجول على عدد من المنازل التي يوجد فيها من يطلق عليهم شعبياً معالجين روحانيين أو شيوخاً، فإن عدداً مقدراً من الذين كانوا جلوساً في انتظار مقابلة “الفكي” هم من الطبقة المثقفة والمتعلمة، وبدا هذا واضحاً من خلال حديثهم ومظهرهم، وهو أمر أثار تعجبي ودهشتي، بيد أن أحدهم يقول إنه جاء مرافقاً شقيقته يكشف عن اعتقاد البعض بأن المعالجين الروحانيين رجال دين صالحون ويكشف عن أنه يرى بخلاف ذلك، مؤكداً على أن الكثير منهم مجرد دجالين ومشعوذين ينحصر جل همهم في جمع المال.
وفي المناطق التي زرتها للوقوف على هذه القضية، فقد التقيت العديد من الموظفات والمتعلمات والطالبات الجامعيات وقد تفاوتت أسباب حضورهن .
نظرة عن قرب
ولمعرفة ما يدور حول هذا العالم السفلي ذهبت برفقة إحداهن عندما أخبرتها بأنني لديّ مصوغات ذهبية تمت سرقتها، وقد أرشدتنى على الفور إلى منطقة مايو جنوب الخرطوم، استغللنا المواصلات إلى منطقة مايو إلى أن وصلنا سوق ستة ومن هناك اتخذنا عربة كارو وسيلة لإيصالنا إلى حيث منزل رجل الدين المقصود، وبعد نصف ساعة وصلنا إلى منزل الفكي حيث وجدناه يجلس على الأرض وكانت على رجليه إعاقة واضحة شاهدت بجواره أدوات العمل المبعثرة، وكانت تتمثل في كورة ولوح وقلم قصب وكمية من الأوراق والبخرات وعطور غريبة لم أشاهدها قط في حياتي وأنواع من جلود الحيوانات المختلفة وزواحف نافقة، حينها شعرت بالخوف وكادت أن تفشل مهمتي الصحافية، إلا أنني تماسكت، وقطع شرودي صوت ذلك الفكي يقول (كتكوت) ويعني الخدام وأمسك بالسبحة وطلب مني إمساك إحدى حبيباتها وأحضر عطراً رائحتة كريهة مسحه على يدي، وقال (لي الخاتم عند المرة القصيرة بتعرفيها كويسة عيونها واحدة حوصاء لكن “الخُدام” عندهم طلبات لابد من تنفيذها… استفسرته عن تلك الطلبات، أخبرني بأن هنالك أحد أنواع البخور وفردة حمام ومبلغ مالي نظيرذلك، لازم تنصرفي سريع حتى لا يتم بيعه مضيفاً بأنه سوف يقوم بتحويطه.
“إيدو لاحقة”
خرجت من غرفته وتوجهت صوب راكوبة تضم عدداً من طالبي الخدمات وأخبرتني سيدة بأن هذا الفكي ( إيدو لاحقة) وهو مبروك وسردت لها قصة سرقة مصوغاتي الذهبية، فأكدت قائلة (برجعوا ليك)، لكنه يحتاج إلى دفع مبالغ مالية كثيرة، وبدأت السيدة تسرد العديد من القصص بأنها حضرت إليه بواسطه صديقتها بعد أن علمت بأن زوجها كان يفكر في الزواج من أخرى، وأضافت: حضرت (جري) إلى الفكي الذي أعطاني بخرات وحجاب (ومشيت البيت فكيت البخرة الأولى صاحبنا وأهلو طفشو من بيت العروس ما عرفوه وين)، وجاب لي الشيلة راجعة وأموري ماشة وقبل أن تخلص الحكاية جاء دورها ودخلت إلى الفكى، لم أقاوم الفضول لمعرفة المزيد من الحكايات، وجلست إلى جانب شابة عشرينية لأعرف ما بداخلها، وبدأت أتجاذب أطراف الحديث معها، وقالت إنها بصدد الزواج من طبيب، وقد طلب منها الفكي إحضار بخور ودجاجة، وتقول: الشيخ فتح المصحف وقرأ الآيات بالمقلوب وكتب آيات من القرآن ومعها بخور وصفق عشر مرات وأشياء لم أعرفها، وأحكم لف الورقة بالخيط في شكل كرة، وتم تلطيخها بالدم وطلب مني دفنها في المقابر.
ظاهرة الدجل
شكلت مسألة الدجل والشعوذة هاجساً كبيراً للمجتمع خلال الفترة الماضية سيما وأنها طفحت أصبحت تهدد استقرار الأسر بصفة عامة، لغياب الوازع الديني واليقين وعدم الرضا بالواقع، خاصة بين النساء، ومن القصص المؤلمة المتعلقة بهذا العالم الخفي أو ما يسمى، (علم الغيبات) سرد العديد من ضحايا هؤلاء المشعوذين الكثير من القصص التي تدور معظمها في ربط الرجل أو جلب الرزق أو البحث عن العريس والبحث عن الولادة.
سحر التفريق
خديجة التي سردت مأساتها بحسرة، وأشارت إلى أن زوجها تغيرت معاملته معها رغم أنه ميسور الحال، فدلتها صديقة على فكي يقوم (بترويب الموية)، كما أكدت لها، والذي يقع منزله يأطراف العاصمة، صمتت برهة تسترجع ذاكرتها ، وقالت: الفكي أخبرني بأن زوجي تربطه علاقة بإحدى زميلاته في العمل، وهو على وشك الزواج منها، وكدت أن أفقد صوابي، وطلبت منه إيقاف الزواج، ولكنه طلب مبالغ طائلة، وفي كل مقابلة يطلب مني مبلغاً أكبر من الأول بحجة أن الخدام لهم طلبات كثيرة، وطالبني بخروف بشرط أن يحمل ثلاثة ألوان، (أسود وبيجي، بني)، ولم يكن أمامي سوى شرائه وفي المرة الأخيرة طلب مني مبلغ (5) آلاف جنيه، لإخراج السحر، وتوقيف الزواج الذي تقف خلفه عشيقة زوجي، وعندما أخبرته بأني لا أملك هذا المبلغ، طلب مصوغاتي حتى لا يرتد علي السحر، وعندما رفضت رمى زوجي يمين الطلاق علي دون إبداء أسباب، وتدهورت صحتي، وفقدت كل شيء بسبب هذا الدجال، وظللت لفترة من الزمن على هذا الحال، الى أن قامت أسرتي بأخذي إلى (شيخ) بغرض الرقية الشرعية، وعلمت أن هذا الساحر عمل لي سحر التفريق والكراهية بيني وزوجي إلى أن تم الطلاق، والآن وأحمد الله تعافيت تماماً .
بساط الريح وأمريكا
وفي إحدى ردهات المحاكم بالخرطوم، التقيت بمسنة حضرت إلى المحكمة في مواجهة دجال ادعى إمكانية فك السحر، وقالت إنها كانت تريد إعادة ابنتها التي تقيم خارج البلاد لعدة سنوات، ودفعت له مبلغ ألف جنيه ومصوغات ذهبية لإرجاعها، وأضافت بأنه قد أخطرها أنه يتعامل مع السفلي، وأنها سوف تسافر عبر بساط الريح إلى أمريكا، حيث محل إقامة ابنتها، وطالبها بعدم فتح باب غرفتها ليتضح بعد انتهاء المدة المقررة أن غرفتها خالية من الأثاثات، وعلمت أنها وقعت ضحية مشعوذ، فدونت بلاغاً جنائياً في مواجهة المتهم.
قصتي والمهندسة
فى إطار بحثي عن قصص الدجالين لكشف الحقيقة التي شاهدتها بأم عيني بعدد من أحياء العاصمة المختلفة، فعند وصولي آخر محطة بجنوب الخرطوم سألت أقرب شخص من سكان المنطقة عن منزل أحد الشيوخ (وصفو لي فكي هنا)، فاستفسرني عن اسمه فأخطرته بأني لا أعلم، فردّ علي مقتضباً (ولو ما عارفه اسمو جاية تعملي شنو)، ودلني على عدد من الشيوخ الذين تنتشر منازلهم بكثرة، فقادني إلى أحدهم وهو قادم من نيجيريا، وبالفعل وصلت منزل (الفكي)، وحينما دخلت وجدت عدداً كبيراً من النساء يجلسن على عناقريب قصيرة منسوجة من الحبال، ويبدو عليهن أنهن من بنات الذوات، وأغلبهن من أحياء راقية، إحداهن تحمل هاتفا قيِّماً وترتدى ثوبًا فخماً وحلي ذهبية، طلبت من إحداهن أن تتنازل لها نسبة لاستعجال سائقها الخاص، وبالفعل دخلت المهندسة للفكي، هنا تملكني الفضول وسألت السيدة التي تنازلت عن دورها لتلك المهندسة، وقالت (دي عاملين ليها عمل والشيخ دا ما شاء الله يدو لاحقة، طلعوا ليها وهسي أمورو معاها.
تيس أحوص وعمل في كوشة.
وبعد انتظار ممل جاء دوري ودخلت إلى غرفة الفكي ، وجدتها مشيَّدة من الجالوص، ويجلس الفكي على الأرض في (مصلاية)، يضع صاحب الحاجة البياض تحت لوح مقابل الخيرة أو فتح الكتاب، الغرفة مبعثرة بها أنواع كثيرة من الأشجار والعروق بما فيها عرق المحبة وعرق بندة، وضعت البياض، وأخبرني بأنه معمول لي عمل، سألته “عملو لي منو “، حينها ساد الصمت المكان، بعدها نظر إلي بخوف، وقال: عندك الزهج وعدم النوم والتفكير الكتير، ومن ثم أخرج لي ورقة بيضاء، وطلب مني كتابة اسمي وأمي مجدداً في ورقة بيضاء ووضعها تحت اللوح، وبالفعل نفذت ذلك وبعد دقائق معدودات أخرجت الورقة من مكانها فوجدتها بيضاء نظيفة، هنا كدت أفقد صوابي، فقال (شفتي بيان بالعمل)، أجبته بنعم، وقال لي: (العمل دا عملو ليك واحد كان عايز يتزوجك وأنتِ رفضتي، والعمل دا مدفون في كوشة ولازم يطلع).
طلبات كثيرة
سألته، عن كيفيه إخراجه.. فأخطرني بأن ذلك “شغل الخدام” وأن لديهم طلبات نظير ذلك بأسرع ما يمكن، سألته ما هي هذه الطلبات فقال:(عاوزين عطور زيتية وبت السودان وعدة أنواع من البخور توجد في عطارات معينة وتكلفتها 500 جنيه، وتيس أسود عيونو محوصة يتعمل كرامة، والدم لازم)، هنا طلبت منه منحي فرصة حتى أتمكن من تحضير الطلبات، فطلب مني الإسراع ووعدته أن أحضر في اليوم الثاني، وفي معيتي الطلبات كلها، ومن ثم خرجت من الغرفة إلى المكان المخصص لاستقبال الزائرت، ، إحداهن سألتني، (أها لقيتي الشيخ ؟)، قلت لها: (خطير مبالغة، قال لي حاجات كلها حاصلة)، قالت لي: (أول مرة تجي)؟ أجبتها بنعم.
دجل وشعوذة
ويقول علماء الدين حول تلك الظاهرة بعدم جواز الذهاب إلى المشعوذين الذين يزعمون معرفة الغيب، حيث لا يجوز تصديقهم، وعند علماء الدين فإن المشعوذين عندما يتحدثون فهم يتحدثون رجماً بالغيب ويستعينون بتحضير الجن لقضاء حوائجهم، وهؤلاء شأنهم الكذب، والاستعانة بهم شرك أكبر، مستدلين بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل صلاته أربعين ليلة” (رواه مسلم)، وفي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم”، كما لا يجوز من يذهب إلى مشعوذ أو دجال أو ضارب رمل أو قارئ كف يسأله عن أمر يتعلق بالغيب من أمور تتعلق بالزواج، والمحبة، والعداوة والفراق فإن ذلك من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله.

الصيحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.