تصاعدت هذا الأسبوع ، وتيرة دعوات سودانية لسحب القوات المشاركة في حرب اليمن ، فقد أعلنت وزارة الدفاع أمس أنها ستتخذ قراراً بشأن تقييم مشاركة الجيش هناك ، ويوم الأثنين الماضي أصدرت كتلة برلمانية بياناً ، قال بعدم دستورية مشاركة هذه القوات ضمن ( التحالف العربي ) في اليمن ، ونادى بسحبها .
في بداية أبريل الماضى نشرت قناة المسيرة صوراً لجثثٍ قالت أنها لعشرات قتلى القوات السودانية بمدينة الميدي اليمنية ، اغتنصتهم في كمينٍ بعد استدراجهم ، وقتها انتظمت حملات من نشطاء سودانيين ، في وسائل التواصل الإجتماعي دعت لسحب القوات من اليمن ، والتي تشارك في القتال هناك منذ مارس من العام 2015م ، تبعتها نداءات من كتلة ( الاصلاح الآن ) بالبرلمان بذات المطلب . وقبلها بأيام ظهرت تهديدات من جماعة أنصار الله اليمنية بتوجيه صواريخ الباليستية لضرب الخرطوم ، اثر ما أُشيع عن اغتصاب جندي من القوات السودانية لفتاةٍ يمنية. وفي سبتمبر من العام الماضي أعلن قائد قوات الدعم السريع ( مليشيا قبلية تم ضمها للجيش بقرار من الرئيس ) أعلن عن مقتل أكثر من أربعمائة من قواته باليمن .
كل هذه الأحداث ، على جسامتها ،لم تحرك ساكن الحكومة ولا مصادرها المطلعة ، لتفكر في جدوى ونتائج المشاركة في حرب اليمن ، فماهو الجديد الذي دفعها للتلويح بالإنسحاب.
الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يمر بها السودان ، والتي تمظهرت في صفوف المواطنين في محطات الوقود ، وندرة العملة الصعبة وما يقابلها من تراجع في سعر العملة المحلية ، إضافةً لفشل الحكومة في السيطرة على أسعار السلع . وفوق ذلك الأزمة التي يعيشها الحزب الحاكم ورئيسه مع اقتراب انتخابات الرئاسة المقرر لها العام 2020م ، والتي تستدعي تعديل الدستور حتى يتمكن عمر حسن البشير من الترشح للرئاسة . ما أحدث انقساماً داخل المؤتمر الوطني بين مؤيد ومعارض . كلها أسباب دفعت الحكومة السودانية للتويح بالخروج من هناك . إذ لم يتحقق ما كانت ترجوه من مساعداتٍ للسيطرة على انفلات الإقتصاد ، ولم ينل الرئيس ما كان يتوقعه المملكة العربية السعودية ودولة الأمارات المتحدة من تليين لمواقف الولايات المتحدة الرافضة لترشحه لولاية جديدة .
هنالك دواعي دستورية وأخلاقية تستوجب سحب القوات من اليمن ؛ فمشاركتها في البدء جاءت مخالفة لدستور السودان الإنتقالي للعام 2005 م ، إذ جاء في الباب الرابع منه والمعنون ب( الهيئة التشريعية القومية ) ، (مهام الهيئة التشريعية ) في البند (91) ( و ) :التصديق على إعلان الحرب . فبرغم من أن الدستور قد وضع أمر إعلان الحرب بيد الرئيس لكنه قيده ببقية النصوص الواردة بالدستور ، ما يعني أن وجود القوات السودانية التي تقاتل باليمن مخالفٌ للدستور المعمول به بجمهورية السودان . وأن كل جنديٍ قد قُتِل في هذه الحرب مات نتيجةً لمخالفةٍ دستورية ارتكبها الرئيس وتستحق المحاكمة بالمحكمة الدستوية العليا ، وكذلك المحاكمة العسكرية وفقما تقضي قوانين ولوائح المحاكم العسكرية .
أخلاقياً فان هذه المشاركة جاءت لدوافعٍ غايةً في الانتهازية ، كون رئيس أو نظام حاكم يقايض جنده بحفنة دراهم تعينه على الجلوس على كرسي الحكم ، فالأزمة الإقتصادية لم تكن بعيدة عن ذهن صانع القرار ، وهناك أيضاً تحالف المضطر مع الدول التي تحارب في اليمن ، والذي لجأ إليه نظام البشير طمعاً في رضا الإدارة الأمريكية حتى ترفع عقوباتها الإقتصادية عن السودان .
لذلك ، لن يسحب نظام البشير قواته من اليمن ، قد يهدِّد بذلك للفت نظر حلفاءه لسوء أحواله الإقتصادية ، وربما يناور إعتراضاً على قلة مكتسباته من المشاركة في الحرب ، فالنظام الذي يستأجر جنده للقتال ، لا يستفزه إلا قلة ما حصل عليه ، أو يثير حفيظته منافسٌ مستأجرٌ من بلاد شبيهة تبيع كرامتها وكرامة أهلها بالمال والمواقف.
سودان تربيون