بينما كان السودانيون يترقبون قرارا بتعيين وزير جديد للخارجية، فأجأهم الرئيس عمر البشير بقرار جمهوري بتقليص البعثات الدبلوماسية.
وخلت الخارجية من وزيرين، أحدهم أُقيل، وهو إبراهيم غندور، والآخر، وهو وزير الدولة حامد ممتاز، عُين وزيرا للحكم الاتحادي، منتصف مارس/ آذار الماضي.
ولم يبق في الخارجية إلا وزير الدولة محمد عبد الله إدريس، حيث يباشر مهامه في الوزارة، منذ أسبوعين.
البشير أصدر، أول أمس الأربعاء، قراراً جمهوريا بإغلاق 13 بعثة دبلوماسية خارج البلاد، دون تسمية الدول الموجودة بها.
وجاء ذلك بعد 13 يوماً من إقالة وزير الخارجية، إبراهيم غندور، بعد أن دعا برلمان بلاده إلى التدخل لحل أزمة رواتب الدبلوماسين السودانيين في الخارج، والتي بلغت متأخراتها 30 مليون دولار.
القرار تضمن أيضا إغلاق “كافة الملحقيات الاقتصادية والتجارية، عدا الملحقية الاقتصادية في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، إضافة إلى إغلاق أربع بعثات قنصلية”.
وكذلك شمل القرار “إغلاق كافة الملحقيات الإعلامية في الخارج، عدا ثلاث ملحقيات”، دون تسميتها.
وكان البنك المركزي السوداني، أعلن، في 21 أبريل/ نيسان الماضي، أنه سدد 92% من الميزانية المصدقة لوزارة الخارجية، لعام 2017، وتعهد بسداد المتبقي قبل انتهاء الثلث الأول من ٢٠١٨.
** الدبلوماسية الرئاسية
قرار البشير تحدث عن “إعادة هيكلة التمثيل الخارجي للسودان، ترشيدا للإنفاق، الذي اقتضته الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد”.
ويرى متابعون إن ترشيد الإنفاق الحكومي ليس فقط هو المستهدف من القرار، وإنما القصد منه، وفق هؤلاء المتابعين، هو إبراز دور الدبلوماسية الرئاسية في تحسن علاقات السودان الخارجية مؤخرا.
وقامت الدبلوماسية الرئاسية، حسب المصادر نفسها، بخطوات هامة لتطوير علاقات السودان الخارجية، بعيداً عن وزارة الخارجية، كما هو حاصل في ملف العلاقات مع الصين والهند، وكذلك في تحسن العلاقات، خلال السنوات الأخيرة، مع السعودية والإمارات وبقية دول الخليج.
وفي أكثر من مناسبة، تحدث البشير عن دور الدبلوماسية الرئاسية، أحدثها في الأول من مارس/ آذار الماضي، حين قال إن المجلس القومي للسياسة الخارجية سيحدد أولويات السياسة الخارجية، ويعيد هيكلة آليات العمل، بما يكفل حسن توظيفها بقيادة “دبلوماسـية الرئاسة”.
والمجلس القومي للسياسة الخارجية كونه البشير، في 24 يناير/ كانون 2018، بقرار جمهوري، ضمن خمسة مجالس رئاسية سيادية يترأسها هو.
** مزيد من التقليص
يرى خبراء أن البشير سيمضى أكثر في ملف الخارجية، عبر تقليص صلاحياتها، والإبقاء فقط على البعثات الدبلوماسية ذات المردود الاقتصادي والسياسي، كالموجودة في مصر، إثيوبيا، تركيا، الدول الخليجية، الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، الصين واليابان.
ويستشهد هؤلاء بأن القرار الجمهوري تضمن حديثا عن الصعوبات الاقتصادية للبلاد كسبب رئيس لتقليص البعثات الدبلوماسية، وإلغاء الملحقيات، وتخفيض الموظفين الإداريين في وزارة الخارجية.
ودوافع القرار واضحة، فالحكومة تنفق على سفاراتها بالعملة الأجنبية، والتقليص سيقلل الإنفاق، لاسيما وأن الخارجية في عهد غندور توسعت إلى درجة كبيرة، وأصبح بها جيش من الدبلوماسين والموظفين في أنحاء العالم.
ويتوقع محللون أن يتم كذلك تخفيض رواتب الدبلوماسيين في الفترة المقبلة.
** دول التقليصات
وينتقد البعض بدء الحكومة إجراءتها التقشفية بوزارة الخارجية ذات الأهمية الكبرى، بينما توجد إجراءات تقشف أخرى أكثر سهولة، وليست ذات تأثير وأهمية، مثل الخارجية.
ويدعم هؤلاء رأيهم بأن أموال إعادة الهيكلة وتقليص البعثات ليس لها تأثير كبير في ميزانية الدولة، فالخرطوم لا تنفق كثيرا على الدبلوماسية.
ويعاني السودان ضائقة اقتصادية منذ إقرار ميزانية العام الحالي، أواخر ديسمبر/ كانون أول 2017، بعجز 28.4 مليار جنيه (4.11 مليارات دولار)، أي 2.4% من الناتج المحلي الإجمالي.
وتوجد 20 سفارة سودانية معتمدة في الدول العربية، و16 في إفريقيا، و9 في آسيا، و16 في أوروبا، و5 في الأمريكتين الشمالية والجنوبية، إضافة إلى 8 قنصليات، حسب موقع الخارجية السودانية على الإنترنت.
بينما ذكرت وسائل إعلام محلية أن السودان يمتلك 88 سفارة وقنصلية بالخارج، بواقع 24 في آسيا، و36 في إفريقيا، و22 في أوروبا، و6 في الأمريكتين، مقابل 58 سفارة وقنصلية أجنبية في البلاد.
وجاء رصد هذه السفارت والقنصليات ضمن حملة إعلامية استهدفت وزير الخارجية المقال، إبراهيم غندور، باعتبار أنه لا جدوى لكثير من هذه السفارات والقنصليات التي تصرف أموالا بلا فائدة، وفق الإعلام.
ويتردد أن الإغلاق سيشمل السفارات في الفلبين، النرويج، النمسا، إسبانيا، اليونان، بلاروسيا، رومانيا، التشيك، المجر، أوكرانيا، الصومال، نامبيا، بتسوانا، ملاوي، ساحل العاج، بوركينا فاسو، غانا، النيجر والكاميرون.
ورجحت تقارير صحفية إغلاق قنصلية السودان في أربيل بإقليم شمالي العراق، وقنصلية قوانزو في الصين، وتخفيضها في مصر، حيث توجد قنصليتان في مدينتي أسوان (جنوب) والإسكندرية (شمال)، وكذلك قنصليتان في ليبيا بمدينة بنغازي (شرق) والعاصمة طرابلس (غرب).
أما الملحقيات فتشمل الاقتصادية والتجارية والإعلامية، إضافة إلى المكاتب الشرطية والأمنية والعسكرية بالبعثات الدبلوماسية، وهي الأكثر تأثرا بإعادة الهيكلة، التي جاءت في القرار الجمهوري.
** 69 مليون دولار
وتصيب سهام التقليص مفاصل الخارجية السودانية، وهو أمر ينتقد متابعون الإقدام عليه، بدعوى ترشيد الإنفاق الحكومي.
ويعزون ذلك إلى ضألة مبلغ تقليل النفقات في الخارجية، إذ يبدو متواضعاً بالنسبة لكثيرين، أولهم وزير الخارجية المقال.
فقبل أسابيع من مغادرته منصبه، قال غندور: “هناك 277 وظيفة دبلوماسي مصدقة لها بالخارج، تُشغل بها 74 وظيفة فقط”.
وكان غندور قد صرح، في فبراير/ شباط الماضي: “ربما يستغرب البعض أن تكلفة سفارتنا في الخارج هي 69 مليون دولار فقط في العام”.
الخرطوم/ عادل عبد الرحيم/ الأناضول