سودانيون ضد الحرب في اليمن..!!

قبل أيام كان أمام السفير أحمد أبوزيد المتحدث باسم وزارة الخارجية في مصر مهمة في غاية الصعوبة.. كان على السفير تصحيح تصريحات لرئيسه الأعلى وزير الخارجية المصري.. الوزير سامح شكري كان قد رحب بالفكرة السعودية الداعية لإرسال قوات عربية لسوريا.. تم فهم التصريح الدبلوماسي أن هذا يعني أن الجيش الجديد سيكون لحم سداته من الجيش المصري.. لكن استدراك أبوزيد رد الارتباك لعلة في أذن السامع.. فحسب المتحدث أن إرسال جيش مصري في مهام بالخارج يقتضي ترتيبات دستورية معقدة وضوابط سياسية.. ولا يحدث ذلك حسب المتحدث الدبلوماسي إلا في حالات المهام التي تندرج تحت راية الأمم المتحدة.
اتسعت في الآونة الأخيرة دعوات لسحب الجيش السوداني من اليمن.. فكرة مراجعة الموقف جاءت على لسان الفريق علي سالم وزير الدولة بالدفاع .. لكن السؤال الأولى بالإجابة لماذا في الأصل ذهبت القوات السودانية لليمن.. وهل صادق البرلمان على فكرة المشاركة في حرب خارج الحدود؟.. وهل في الأساس تمت إدارة شورى واسعة حول هذا الأمر حتى داخل أروقة الحزب الحاكم ؟.. في الحقيقة لم يحدث أي من ذلك.. لهذا كان الخطاب الحكومي غير متسق.. هنالك من يرى وجودنا في اليمن من أجل حماية الحرمين.. وآخرون يحسبون أننا في حرب مقدسة ضد المذهب الشيعي.. وقلة تعتقد أن مهمة القوات السودانية كانت إعادة الشرعية السياسية في اليمن بعد الانقلاب الحوثي على حكومة الرئيس عبد ربه هادي منصور.
يخطيء من يظنون أن المملكة العربية السعودية عاجزة عن حماية ترابها الوطني.. بل أن زعم حماية الحرمين يشكل إحراجًا لحكومة خادم الحرمين الشريفين.. لم تكن صنعاء أول عاصمة تسقط فيها الشرعية الدستورية على أسنة الرماح.. حدث ذلك في الخرطوم في يونيو ١٩٨٩.. وفي قاهرة المعز في يوليو ٣٠١٣.. لم تتحرك أي قوة عربية او إقليمية لإعادة الشرعية في أعلى وأدنى نهر النيل .. لهذا لم تجد حرب اليمن أي مظلة سياسية ولو حتى على مستوى الجامعة العربية.. أما عن علاقتنا بالمذهب الشيعي فأحيلكم لتصريح من الدكتور أمين حسن عمر قاله على الهواء مباشرة في برنامج الميدان الشرقي بقناة أم درمان.. مفكر الإنقاذ أكد أن المذهب الشيعي لا يشكل خطرًا على السودان لا في الحاضر ولا حتى المستقبل.
لكن الأهم من ذلك أن مشاركتنا في حرب اليمن تنضوي على مخاطر جمة.. ليس في مستوى الخسائر البشرية فحسب.. صورتنا في الوجدان اليمني سيصيبها تشويش كبير في ظل الحرب التي لا تختار ضحاياها بعناية.. كما أن أمد الحرب قد تطاول دون أمل قريب في تسوية سلمية.. ومن الملاحظ أن معظم الجهد السوداني منصب على العمل العسكري في الخطوط الأمامية .. فيما المحادثات الدبلوماسية تدور بين عواصم بعيدة وقريبة ليس من بينها الخرطوم .. بل من الممكن أن يجد السودان نفسه في قائمة دولية سالبة جديدة بسبب حرب اليمن.
في تقديري.. وفي ضوء كل الملاحظات السابقة حق للسودان أن يراجع موقفه من التواجد في المستنقع اليمني.. بلادنا تعيش في أزمات متلاحقة من نقص في الوقود وشح في النقود إلى أزمات اقتصادية قادمة.. كل ذلك وعدد من الأصدقاء والشركاء في التحالف العربي وهم في شغل شاغل.. بل الغريب أن أرض المعركة ذاتها في اليمن لا تعاني مثل معاناتنا.. أبجديات السياسة تقول إن الصديق وقت الضيق .. وجدنا الأشقاء حين النزال ولم نجدهم في وقت المصاعب الاقتصادية.
بصراحة.. حان الوقت لتكوين جبهة سودانية عريضة عنوانها (سودانيون ضد الحرب في اليمن).. جبهة تتجاوز الولاءات الضيفة وتعبر بين الأيديولوجيات .. سنجد في مثل هذه المبادرات سلوى حين تضع الحرب أوزارها ويبقى ماضى الذكريات الأليم لأهل اليمن.. حتى الحكومة ستستفيد من هذا التيار إن انسحبت أو حتى لو فضلت خيار الاستمرار في حرب تأكل الأخضر واليابس.

الصيحة

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.