ترشيحات عِدّة طُرِحت على الساحة السياسية بعد إقالة وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، لكن أيًا منها لم يُصدق عليها رسميًا حتى الآن، ليجري تسيير أعمال الوزارة بدون ما تُطلق عليه وسائل إعلام محلية “حارس بوابة” السودان، منذ 19 يومًا، في سابقة هي الأولى من نوعها منذ وصول نظام الإنقاذ للحكم عام 1989.
أُقيل غندور، (66 عامًا)، من منصبه على خلفية تصريحات للبرلمان أعلن خلالها إفلاس وزارته، لرفض بنك السودان تحويل رواتب الدبلوماسيين وإيجارات المقار لـ7 أشهر، لكن مراقبين يقولون إن الإقالة كانت متوقعة على خلفية تقارير عن تقديم الوزير السوداني استقالته مطلع العام الحالي، نفاها الأخير لاحقًا.
وتنوّعت الترشيحات لمنصب وزير الخارجية مُستندة إلى الاضطرابات التي يواجهها السودان في الداخل والخاج، وأخرى لم تتعدّ كونها مجرد “مصالح” ودعاية لأسماء بعينها تهدف لوضعها على طاولة البشير حين يأتي وقت الاختيار.
من أبرز المُرشّحين الذي تواردت أسماؤهم بعد إقالة غندور “السفير السابق الدرديري محمد أحمد، ومدير جامعة السودان العالمية بكري عثمان سعيد، ووزير الدولة للخارجية السابق عطا المنان بخيت، وكيل الخارجية الأسبق مطرف صديق، المستشار في الخارجية السعودية طه الحسين، رئيس نادي المريخ جمال الوالي”.
ورغم التوقّعات العديدة، لا يزال “كرسي غندور” شاغرًا لأسباب تتعلّق بانشغال حزب المؤتمر الوطني الحاكم بالأزمات الاقتصادية الخانقة، وتمحيص قوائم الخلفاء المرشحين، علاوة على انكباب البشير على عدة ملفات خارجية، تشمل مشاركته في قمة للأمن الأفريقي في بحردار الإثيوبية، والاحتفاء بزيارة رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد أبي أحمد.
مجرد مرحلة
ومع غياب “حارس بوابة” السودان منذ 19 يومًا، تؤكد مصادر بوزارة الخارجية- التي يحكمها هيكل تنظيمي معلوم يشمل وزير دولة ووكيلًا- بأنها “مجرد مرحلة لن يطول أمدها، كما أنها غير مؤثرة على الإطلاق”.
ونقلت صحيفة “الصيحة” السودانية عن مصدر في وزارة الخارجية، لم تذكر هويّته، قوله إن “هيكلة الوزارات لا تقبل الفراغ مُطلقًا”. وفي حين لا تحتمل الوزارات غياب الوكيل، يؤكّد المصدر أنها “عادة لا تتأثر بغياب الوزير باعتبار أن منصبه في طبيعته التنفيذية سياسي، فيما يُعتبر الوكيل حجر الزواية في كافة الوزارات ومُمسكًا بكل الملفات”.
وأوضح المصدر أن “شؤون الخارجية تُدار حاليًا بصورة طبيعية، حتى أنه يُمكن تمرير قرار تقليص البعثات الدبلوماسية بشكل طبيعي لحين تسمية الوزير الجديد”، بحسب الصحيفة السودانية.
كان البشير أصدر قرارًا، مساء الأربعاء الماضي، بإعادة هيكلة التمثيل الخارجي للبلاد، لترشيد الإنفاق الذي اقتضته الأوضاع الاقتصادية، ولترقية الأداء بوزارة الخارجية، من خلال “إغلاق 13 بعثة دبلوماسية واعتماد بعثة الرجل الواحد في 7 بعثات”، حسبما أفادت وكالة الأنباء السودانية (سونا).
يأتي ذلك في أعقاب فشل الحكومة السودانية في توفير رواتب البعثات الخارجية لـ7 أشهر، حسبما كشف وزير الخارجية المُقال إبراهيم غندور، بعد الإطاحة به في 19 أبريل الماضي، عقب تصريحاته أمام البرلمان التي شكا فيها من تقاعس البنك المركزي عن سداد مرتبات الدبلوماسيين.
سابقة أولى
لم تشهد الحكومة السودانية حالة فراغ بسبب عدم تسمية وزير منذ عام 1989. تقول الصحيفة إنه بالرغم من أن غياب طاقم الوزارة بالكامل في بعض الأحيان لإجراءات تتعلّق بالإلغاء أو الدمج، جرت العادة أن يصدر أمر إعفاء الوزير مع تسمية خلفه على الفور، وحتى لو تأخّر تسمية خليفة الوزير المُقال، فلا يستغرق ذلك أكثر من أسبوع.
وتُعزي الصحيفة السبب وراء كسر القاعدة هذه المرة إلى احتمالين؛ أولهما يتعلّق بالمشاورات الجارية على قدمٍ وساق لإجراء تعديل وزاري يُتوقع أن يطيح ببعض الوجوه التي أثبتت فشلًا، لاسيما في الملفات ذات الطابع الاقتصادي، ومن ثمّ فإن تسمية خليفة “غندور” سيُعلن عنها مع التعديل المُرتقب الذي تعكف عليه الحكومة حاليًا.
أما الاحتمال الثاني فيدور في فلك “القبول الغربي”؛ إذ تشير الصحيفة إلى أن الوزير الجديد ينبغي أن أن يجد قبولًا من الخارج، وأن يكون مُلِمًا بملفات حيوية بما في ذلك الحوار مع الولايات المتحدة من أجل حذف اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، إلى جانب ملف المياه الحيوي المرتبط بسد النهضة الإثيوبي، علاوة على امتلاك قدرات دبلوماسية تخوّل له المرور في الفراغات بين الملفات الخارجية المتقاطعة.
وينتمي غندور لحزب المؤتمر الوطني الحاكم، وعُيّن في ديسمبر 2013 مُساعدًا للبشير ثم وزيرًا للخارجية خلفا لعلي كرتي، في التشكيل الوزاري الذي أجراه الرئيس البشير في 6 يونيو 2015.
وبالرغم من إدارة وزارة الخارجية على منحى طبيعي بدون تسمية وزير جديد منذ 19 يومًا، فإنه “لا يُحتمل أن يُترك منصب وزير الخارجية شاغرًا لفترة طويلة”، حسبما يقول المحلل السياسي السوداني أحمد نورين للصحيفة.
وأضاف أن “وزير الخارجية يُمثّل لسان حال الدولة في عدد كبير من المحافل، وصاحب القول الفصل في كثير من القضايا، وإن كانت الخارجية قادرة على إدارة شؤونها الديوانية بدونه، فلا يمكنها ذلك حين يتعلق الأمر بالبتّ في الملفات الشائكة”. واستشهد في ذلك باجتماعات سد النهضة التي عادة ما يحضرها وزراء الري والخارجية ومديرو أجهزة الأمن في الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا).
مصراوي – كتبت- رنا أسامة