تعتبر الاستطلاعات أشهر وسيلة لقياس (الرأي العام) بل وأكبر موجه له إزاء قضايا مفصلية تشغل الناس. ولكن في ذات الوقت فإن استطلاعات الرأي قد تعد مفجرة للخلافات سواء من حيث الأطروحة أو من حيث النتائج، ولنا هنا التمثل بالاستفتاء الذي طرحه موقع قناة (روسيا اليوم) لزواره السودانيين والمصريين، حول تبعية مثلث حلايب.
وترفض مصر الذهاب إلى التحكيم الدولي في قضية مثلث حلايب لحل نزاعها مع السودان الذي يصر على امتلاكه وثائق تؤكد أحقيته في المثلث، مع تكراره الدائم على اتباع منهج الحوار، وعدم رغبته في خوض حرب عسكرية ضد جارته الشمالية.
اكتساح سوداني
انتقل الصراع بين (السودان – مصر) على المثلث الذي يضم (حلايب، شلاتين، أبورماد) من الواقع إلى الافتراض، إذ تنادى السودانيون والمصريون لحشد الآراء المدللة على تبيعة المثلث لإحدى الدولتين، ويكأن المنتصر في الاستفتاء سيحوذ المنطقة الغنية والمتاخمة للبحر الأحمر في الحقيقة.
وكانت آخر النتائج التي اطلعت عليها (الصيحة) تشير إلى اكتساح السودانيين للتصويت، حيث صوت 55.9% لكون المثلث أرضاً سودانية، بينما صوت 44.1% لصالح مصر.
غضبة
كانت ردة الفعل المصرية إزاء طرح سؤال القناة الروسية (هل ترى مثلث حلايب أرضاً) ليكون الخيار بين سودانية ومصرية، عنيفة جداً، حد اعتذار القناة الروسية بقولها (تأسف إدارة قناة آر تي لما سببه الاستطلاع من استياء لدى الجانب المصري).
وقال موقع قناة (سبوتنيك) إن الهيئة العامة للاستعلامات المصرية عبرت عن (أسفها وإدانتها الشديدين لقيام موقع “روسيا اليوم” بنشر استطلاع للرأي لمتصفحيه حول تبعية مثلث حلايب، لمصر أو للسودان).
وأضافت الهيئة حسب الموقع الروسي (تعلم الهيئة الرأي العام المصري، أنه فور نشر هذا الاستطلاع المسيء والمستفز للحقائق الثابتة وللعلاقات الراسخة بين الدول الشقيقة والصديقة، وبدأ التشاور بينها وبين الجهات المصرية المختصة وعلى رأسها وزارة الخارجية المصرية، للاتفاق على الخطوات والإجراءات التي سيتم اتخاذها في مواجهة هذا الخروج عن التقاليد الإعلامية المهنية واحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها).
ومن ثم تبعت القاهرة أقوالها باستدعاء المسؤولين المعتمدين لديها عن مكتب “روسيا اليوم” في مصر لإبلاغهم برفض مصر التام وإدانتها الكاملة لطرح ما يخص سيادتها ووحدة أراضيها بتلك الطريقة، والتعرف منهم على ملابسات نشره تمهيداً لاتخاذ الخطوات والإجراءات المشار إليها سابقاً).
برود
ردة الفعل السودانية كانت أقل بروداً ولم تتخطْ تنادي السودانيين لحشد أصواتهم المؤكدة لتبعية حلايب للتراب السوداني، مع تشدد بائن في مواقع التواصل الاجتماعي على ضرورة إظهار المثلث كرقعة سودانية للروس وللعالمين.
وتكتفي الخرطوم عادة بتجديد شكواها السنوية لمجلس الأمن الدولي ضد مصر لاحتلالها المثلث الحدودي عقب محاولة اغتيال الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك في قمة أديس أبابا منتصف تسعينيات القرن الماضي.
أمر مخيف
مع محاولات الدراما المصرية إظهار تبعية المثلث للقاهرة، فإن المحلل السياسي محمد نورين يذهب إلى أن الغضبة المصرية حد حذف الاستفتاء من موقع (آر. تي)؛ ناتج عن تأثيرات النتيجة في تشكيل الرأيين العالمي والإقليمي، وقد يدفع ارتفاع أصوات السودانيين في الاستفتاء كثيرين إلى البحث في جذور أزمة حلايب وربما تشكيل رأي مساند للسودان.
وينبه نورين في حديثه مع (الصيحة) إلى أن استطلاعات الرأي العام عادة ما تسهم في بلورة وتشكيل اتجاهات الأحداث، وهو أمر مخيف في العادة لمن يريد بث رؤية معينة.
تأثيرات
لمعرفة مدى تأثير استطلاعات الرأي العام على الانترنت ومنصات التواصل الاجتماعية، ذهبنا إلى المتخصصة في شؤون (السوشيال ميديا) لدى عدد من الشبكات السودانية، هالة إمام، فقالت لـ (الصيحة) إن الإنترنت بات أهم وسيلة للحشد، ويظهر ذلك جلياً في أزمنة الانتخابات، وفي استفتاءات الرأي العام.
بيد أنها عادت وحذرت من أن الإنترنت قد يسوق إلى نتائج خاطئة في بعض الأحيان، بسبب عنصر الدعاية والنشر الكثيف، ضاربة المثل بذهاب الأمريكيين نواحي اكتساح هيلاري كلينتون للانتخابات الأخيرة بينما كانت النتائج لصالح دونالد ترامب.
مشيرة إلى أن الأشد نكالاً وخطورة هو حمل الرأي العام على تبني قرارات خاطئة عبر اتباع وسائل قريبة من (الإعلانات) التي تتعمد رسم صورة ذهنية معينة حول منتج لدى جمهور المتتبعين، وذكرت هنا بحدث خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك كله قالت هالة إن فضيحة (فيسبوك) الأخيرة أثبتت تعملق وسائل التواصل الاجتماعية، ودخولها كعنصر مهم وحاسم في الترويج للإحزاب والكيانات والشخوص والمنتجات على حدٍ سواء.
اتجاهات
قد يتساءل البعض عن سر صمت الحكومة السودانية من الاستفتاء المحذوف، وتكون الإجابة هنا ذات شقين، أولهما أنها –الحكومة- راضية عن الاستفتاء لما فيه من تعريف بمشكلة حلايب، وثانيهما رؤية الموضوع على أنه من صغائر الأمر ومستحدثاتها، وكل محدثة في السياسة إنما هي بدعة تستحق الاصطلاء بنار التجاهل.
الصيحة