يسألونك متى تسقط الحكومة ؟..!!

في ذاك اليوم قرر الأب قطع الحلم المشروع .. أخبر أبناءه أن أوان العودة للأهل قد حان.. احتج أوسطهم أنهم اقتربوا من الوصول للكنز.. في ذلك الوقت توقفت معظم الآليات العاملة في التنقيب بسبب انعدام الوقود.. بات شبح الموت عطشًا بين الجبال والوديان واردًا.. حزمت الأسرة الصغيرة أمتعتها وطوت معها حلم الثراء.. في أحد الأودية بدأت العربة تصدر صوتًا ينبئ بالإجهاد فيما الأعين تتسع من هول المفاجأة.. تعطلت الدابة في الطريق الموحش.. كلما لاح ضوء عربة في ظلام الليل تبدد مع الخوف من النهب المسلح.. المغيث يخاف أن يكون المنكوب عدوًا .. انتهى الزاد القليل.. انتبه الأهل أن ركب ابنهم لم يصل.. باتوا يتحسسون الأخبار .. الولوج للصحراء في أزمة الوقود يشكل انتحارًا.. في النهاية وبعد بحث جماعي مكثف وجدوا الشيخ وقد شرع في تكتيف أولاده بحبل قوي حتى ينتظروا الموت في جماعة ولا يرهقوا الأهل في رحلة البحث عن الجثث.
منذ فترة بت أشعر أن الحكومة لا تدرك مكمن الأزمة.. وأن وزير النفط ليس إلا شيخًا بريئًا حينما طلب من عامة المواطنين تحديد مكان الأزمة.. أمس الأول كان الدكتور فيصل حسن إبراهيم،مساعد رئيس الجمهورية والمسؤول الثاني في الحزب الحاكم، يشير بإبهامه إلى مكان الأزمة.. حسب مساعد الرئيس أن الأزمة تكمن في عدم التنسيق بين وزارتي المالية والنفط من جهة وبنك السودان من جهة ثانية.. تقريبًا كل من المؤسسات التي طالها الاتهام الرئاسي يهيمن عليها الحزب الحاكم عبر كوادره.. أغلب الظن أن الاتهام هو مقدمة لخطاب الإطاحة بهذه الرؤوس عبر سياسة صنع كبش فداء.
أنظر سيدي القاريء ماذا فعل وزير النفط في عز الأزمة.. بجرة قلم واحدة أطاح بمئتي من مساعديه بحجة أنهم يوالون وزيرًا سابقًا.. التعديلات العشوائية شملت مدير المصفاة التي كادت أن تتوقف بسبب تأخير الصيانة.. محافظ بنك السودان كان الأكثر تهذيبًا حيث اكتفي بإقالة ثلاثة من مساعديه ورابعهم نائبه الأول.. أرجوكم لا تسألوا لماذا في الأصل هنالك أكثر من نائب وعصبة من المساعدين .. بالطبع المشكلة في الرأس وليست في السواعد ورغما عن ذلك يحدث مثل هذا التخبط الإداري.. معظم الخبراء المختصين يحذرون من التغيير أثناء الأزمة لأنه يزيد الطين بلة بسبب قدوم وجوه جديدة كما يثبت الاضطراب في الوقت الذي يكون الثبات مطلوبًا.
من ناحية أخرى أثبتت الأزمة أن بعض الكبار يكذبون على شعبنا.. الدكتور عبدالرحمن، وزير النفط ، صرح للصحف أن المملكة السعودية وافقت على تزويد السودان بنفط لمدة خمس سنوات.. وذلك عقب زيارة قام بها وفد رفيع للرياض.. لكن نائبه في الوزارة سعد الدين البشرى نفى ذاك الاتفاق في حديثه لقناة (سودانية ٢٤).. مع كل صباح يوم جديد يخرج أحد الوزراء مؤكدًا أن الأزمة في طريقها للانفراج .. وبعد ساعات تكذبه الصفوف .. بل بلغ الاستهتار درجة أن تستضيف الخرطوم منبرًا عربيًا لينصب الشيخة بدرية سليمان في منصب تشريفي.. وفي عز هجير الأزمة كان اللواء عبدالرحمن المهدي يقلد الهادي الضلالي وسام الجدارة.
في تقديري.. رغم غرابة هذه الأجواء إلا أنني وكثير من أبناء وطني وجدنا السلوى في مقال خطه السفير الشفيع أحمد محمد.. حيث قال الرجل لا فُض فيه ” حان الوقت الذي يجب أن يعترف فيه الحاكمون بكل شجاعة ووطنية بأن البلاد في مأزق حقيقي وأفق مسدود”.. بل تنبأ السفير بأن النظام سيسقط من تلقاء نفسه لأنه من المستحيل الاستمرار بهذه الطريقة.. تكتسب شهادة السفير قيمة إضافية باعتباره كان سياسيًا من أهل الحل والعقد في الحزب الحاكم.. كما جاءت الكلمات الصريحة والرجل يشغل منصبًا دبلوماسيًا.. وهو يدرك بالطبع أن ثمن الصراحة فادح وقد دفعه وزير الخارجية الدكتور غندور.
بصراحة.. من المهم جدًا استنهاض مثل هذه الأصوات الأمينة على مستقبل الوطن.. ومن المهم جدًا التعامل مع تيار المعارضة المتسع داخل أروقة الحزب الحاكم.. علينا أن نشعر أننا جميعًا داخل سفينة تائهة في بحر تتقاذفه الأمواج.

الصيحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.