تزايد استهلاك السلع في رمضان.. ضرورة أم إسراف

“استهلاك مضاعف” للسلع في رمضان تلك حقيقة يمكن أن يؤكدها كل متعامل بالأسواق وهو من المعلوم للتجار والمواطنين، أن حجم الاستهلاك لكل السلع يرتفع ويتزايد الطلب عليها، والثابت أن سلعاً ما يرتفع حجم الإقبال عليها لمستويات قياسية لا يصلها في غير شهر رمضان، وبغض النظر عن حجم الحاجة الفعلية لهذه السلع فهل تعتمد الأسر على موازنات محددة تشتري عبرها ما تحتاجه كل بمقدار أم هو محض شراء لكل ما يقع علي العين.
وبالرغم من الحراك الناشط بالأسواق إلا أن المواطنين يقولون إن ارتفاع الأسعار حرمهم من شراء ما يرغبون فيه، فيما عمد بعضهم لشراء جزء من المتطلبات وترك البقية نسبة لعدم توفر المال الكافي، فبالنسبة للمواطن البسيط، باتت مسألة توفير متطلبات الحياة اليومية، “رهقا” لا فكاك منه، فالمتطلبات تتزايد يوما بعد آخر، وأسعار السلع والخدمات معرضة للزيادات، ومقابل ذلك “دخل ثابت” وهو ما يضعه أما معادلة يصعب جعلها متزنة، لكن أغلب المواطنين يعملون بمبدأ يجعل حياتهم “تمضي بما تيسر”.
ومع حلول شهر رمضان ثمة حالة من الحراك المكثف تظهر للداخل للأسواق، ويقول تجار إن القوى الشرائية ترتفع مساءً بالمقارنة بالفترة الصباحية، ورغم الصيام فإن متوسط ما يتم استهلاكه يوميا لأسرة ما، يزيد عن استهلاك بقية الأيام المعتادة، فما الذي يجعل الأمر كذلك.
قبل الدخول في تبريرات المواطنين، وما يقوله أهل السوق، يجدر بنا النظر للأمر من قبل المختصين، وفي هذا السياق تقول الدكتورة إيناس إبراهيم، أستاذة الاقتصاد القياسي بجامعة الجزيرة، التي أرجعت الأمر لمحض أسباب نفسية وعادات موروثة، وقالت إن شراء السلع والمواد الغذائية بكميات وفيرة ليس من المناسب عده كسلوك تبذيري، حيث تقول إن الشهر مرتبط بالصدقات وإكرام الضيوف الذين يكثر توافدهم في زيارات اجتماعية منتظمة لبعضهم خلال الشهر الكريم، منوهة إلى أن البعض وعلى العكس من هذا المسلك التكافلي يتخذ حلول شهر رمضان للإسراف في الطعام والشراب، ووسمت المسلك بالخاطئ، وشددت على أهمية اعتماد مبدأ صرف اقتصادي يضمن ترشيد الاستهلاك وتوفير المتطلبات الحياتية بلا إسراف، لجهة أن الاستهلاك يرتبط أساسا بالحاجة، ولا يمكن استهلاك شيء دون وجود حاجة له، ولم تنفِ اعتماد بعض المستهلكين على النظر فقط للشراء وليس على مدى حاجتهم الفعلية للسلعة من عدمها، فبرأيها عند البعض تكفي نظرة فقط للشراء، دون معرفة ترتيب الأولويات ولا بماذا يستفيد من السلعة.
بائع الخضار بالملجة الواقعة بسوق الكلاكلة اللفة، مصطفى يقول إن القوى الشرائية ترتفع لمستويات فوق المتوسطة خلال أيام رمضان، ويقول إن الكثير من زبائنه باتوا يضاعفون الكميات التي يبتاعونها قبل ذلك، وبرأيه فإن ذلك أمر طبيعي قياسا بمتطلبات شهر رمضان لكنه لم يوافق على سيادة مظاهر التبذير والإسراف في الاستهلاك، وعدها مظهرا لا يتناسب مع روحانية الشهر المعظم، كما أنه لم ينف وجود وانتشار الظاهرة.
وتقول “ربة المنزل” سعاد إن مستلزمات رمضان تختلف عن بقية أشهر العام، وأكدت أن الحاجة تتزايد لبعض السلع خاصة الدقيق والسكر والخضروات واللحوم، وقالت إنها مكونات ثابتة بموائد رمضان ولكل الوجبات، فيما أقرت بأن المطلوب تحضير كميات الطعام على قدر الحاجة وعدم الإسراف في إحضار مواد غذائية وتجهيزها في وقت لا يتناولها أحد، أو يتم تناول القليل منها والاستغناء عن المتبقي بلا فائدة، وقالت إن الكثيرين يبتاعون كل ما تشتهيه أنفسهم نهاراً ولكن يتناولون جزءاً يسيراً منه عقب الإفطار، وهي هنا تشدد علي ضرورة ترشيد النفقات وشراء الضروريات وبكميات مناسبة وعلى قدر الحاجة، وقالت إن الفترة المقبلة ستشهد مراجعة الأسر لاحتياجاتها، وتحديد المطلوب، منوهة إلى أن الطلب سيقل تدريجياً خلال الأسبوع المقبل على المأكولات والمشروبات، وبرأيها فإن الاتجاه السائد سيكون لتوفير أغراض أخرى مثل الديكور والأثاثات استعدادًا للعيد، حيث تشير لتخصيص ربات المنازل لميزانيات منفصلة لهذه الأغراض وتجديد المنزل بمقتنيات جديدة، وقالت إنهن حريصات على ذلك.
للتدليل على تضاعف حجم الاستهلاك بين المواطنين لمعدلات عالية، يشير صاحب محل تجاري بوسط منطقة السوق العربي، لملاحظة قال إنها تفسر الأمر، قال إن المطاعم جميعها والكافتريات أغلقت محالها منذ بداية الشهر، وهي سوق كبير لأصحاب المخابز والخضروات والفواكه، منوها إلى أن إيقافهم لنشاطهم بفعل الصيام لم يوقف الاستهلاك، وقال إن المواطنين عوضوا كل فقد بأكثر مما كان يوزع من قبل.
وبالرغم من أن موازنة العام الحالي أن معاش الناس وزيادة الإنتاج والإنتاجية يعتبر من أولويات موازنة عام 2018 حسب الخطة الموضوعة لتحفيز مستويات النمو الاقتصادي بالبلاد إلا أن مايحدث من صفوف في محطات الوقود واستمرار الأزمة لأكثر من أسبوعين وزيادة في أسعار السلع الاستهلاكية بصورة كبيرة يصيب المواطن بالإحباط الشديد، من تلك التصريحات التي لا تتوافق مع أرض الواقع.
وبرأي خبراء ومختصين في الشأن الاقتصادي، فثمة فروقات كبيرة بين متطلبات المعيشة ومستوى الأجور المتاح للمواطنين، بين قطاعات المجتمع ومؤسساته العاملة، ويصف المختصون ذلك الأمر بـ “المشكلة”، خاصة في ظل توغل الفقر في المجتمع، والتصاعد التضخمي الذي يلتهم أي زيادة في الأجور.

الصيحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.