المؤتمر السوداني يخوض انتخابات 2020م فلماذا يقاطع الآخرون؟؟

دعا بنك السودان في بيان إعلاني احتل مساحة نصف صفحة المواطنين إلى اللحاق بركب التطور على حد قوله، والاستفادة من الخدمات المصرفية الميسرة عبر وسائل الدفع الإلكتروني، حيث تعتبر من الآليات التي تسهل على المواطنين دفع قيمة السلع والخدمات وكل المعاملات المالية دون الحاجة لحمل النقود، والخوف من مخاطر ضياعها، وذلك عن طريق استخدام البطاقات المصرفية أو بطاقة المحفظة الإلكترونية أو حساب الموبايل، ويمكن التعامل عن طريق نقاط البيع والصرافات الآلية بشراء الكهرباء أو دفع فواتير الهاتف أو سداد الخدمات الحكومية ورسوم الجامعات.. وذات البيان الإعلاني أو الدعائي للبنك المركزي يخاطب جمهور المواطنين بغباء ظاهر وكلمات مباشرة من أجل إغرائهم بالإقبال على المصارف وجذب مدخرات المواطنين وامتصاص السيولة من أيادي المواطنين إلى الجهاز المصرفي.. ومن حيث المبدأ يعتبر إعلان البنك المركزي المنشور في الصحف خطوة هامة جداً.. لمواكبة العصر الحديث حيث يستخدم بدلاً عن الكتلة النقدية.. وفي ظهر الأربعاء والمواطنين يطالعون الإعلان الجميل في الصحف تمددت الصفوف أمام الصرافات إن وجدت صرافة تعمل.. بينما حار البعض إلى أين يذهبون وأموالهم المودعة لدى البنوك لا يمكن الوصول إليها.. وبطاقات الصراف الآلي لا تعمل بسبب عجز البنك المركزي عن تغذية الصرافات بالمال.. وفي نوافذ البنوك حالات سخط عامة وضجر، ودعاء لرب العباد موجه للحكومة وقادتها وهي دعوات مظلومين في نهار غائظ حتماً هي من أسباب تعثر أداء الحكومة ونزع البركة من أعمالها.. وإذا كانت السياسات التي اتبعتها الحكومة في الفترة الماضية قد حرمت المواطنين من مدخراتهم المالية، وفرضت عليهم دون قانون أو دستور قيوداً على التمتع بأموالهم، في حادثة لم يسبق أن أقدمت عليها أي من الحكومات المتعاقبة..
وأمام المصرف الإسلامي السوداني كان هنالك رجل في منتصف الستينات، شاب منه الرأس ووهن الجسد، بحلق في صندوق الصرافة، ووجد علامة إكس حمراء.. وتتفاوت علامات نفاد النقود من الصرافات والنتيجة واحدة، المال عند بنك السودان والبنك يرفض إطلاقه لأصحابه خشية ارتفاع سعر الدولار.. أصابت الأسواق أمراض الكساد.. واستشرت ظاهرة بيع الشيكات للشركات التي تملك السيولة مقابل رسوم أتعاب.. وأشياء أخرى، كيف يقنع البنك المركزي المواطنين بصحة سياسته النقدية ويسترد ثقة الناس في المصارف، وقد أحجم الناس عن توريد أموالهم للبنوك التجارية والحكومية، ولجأ التجار لشراء الخزن الحديدية، وتحويل العملة الوطنية إلى الدولار واليورو، كل تلك الأساليب خاطئة، ولكن الحكومة هي السبب في فقدان الناس لثقتهم في المصارف السودانية التي لم تعرف طوال تاريخها أن أحجمت عن سداد طلبات المواطنين، أو ما يطلق عليهم العملاء، وإذا أطلقت الحكومة سراح أموال المواطنين المحتجزة بغير وجه حق شرعي ولا قانوني.. وتم توفير المال في الصرافات.. وعادت الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل ميزانية “الركابي” الحالية، فإن المواطنين شيئاً فشيئاً تعود إليهم الثقة في المصارف ويمكن بعدها أن يتحدث بنك السودان بثقة عن ضرورة أن يتجه المواطنون نحو الحسابات الإلكترونية، أما الآن فالأمر مختلف.
{ علامات استفهام عن الشرتاي
من أكبر مفاجآت التشكيل الوزاري والولائي الأخير خروج الشرتاي “جعفر عبد الحكم إسحق” والي وسط دارفور وتعيين السيد “محمد أحمد جاد السيد” والياً على زالنجي.. ومصدر الدهشة في الإعفاء والتعيين معاً.. فالشرتاي “جعفر عبد الحكم” إذا كان إعفاؤه لضعف الأداء السياسي والتنفيذي، فإن هذا المعيار يبدو مختلاً جداً.. وتعوزه الفطنة والقراءة السليمة، والشرتاي “جعفر عبد الحكم” يعتبر من أميز الولاة في دارفور.. حكمة وحنكة وعدلاً ونزاهة.. واستطاع إدارة ملف جبل مرة وتجريد الحركات المسلحة من كل أسلحتها، وخاض لأول مرة حركة سياسية بين المؤتمر الوطني وحركة تحرير السودان بقيادة “عبد الواحد محمد نور” وكسب المؤتمر الوطني المعركة في مواجهة “عبد الواحد محمد نور” بحسن قراءة الملعب.. والتقديرات السياسية للوالي “جعفر”، وتم تجريد الحركة بالسياسة من المقاتلين، ووقع عشرات القادة الميدانيين اتفاقيات محلية مع حكومة الولاية.. حتى ضعفت حركة “عبد الواحد” وفقدت السيطرة على جبل مرة.. ودخلت قوات الدعم السريع منطقة سرونق الحصينة، بعد أن مهَّدت اتفاقيات “جعفر عبد الحكم” والمتمردين بالجبل الطريق نحو نهاية التمرد.. كل ذلك بفضل حنكة الشرتاي الذي ألف بين الرزيقات والفور وخزام والمساليت.. والقمر والسلامات.. وجمع حوله كل أبناء الولاية و(رطن) مع النازحين في المعسكرات.. وحقق قدراً من السلام الاجتماعي.. ووقع اتفاقيات المصالحة القبلية بين العرب والفور.. ولكن كل ذلك لم يشفع للشرتاي “جعفر عبد الحكم” ليبقى في منصبه أو على الأقل العودة به مرة أخرى للحكومة المركزية.. ليعين والياً جديداً جاءت به المعادلات القبلية والموازنات من المعاليا.. ليصبح بديلاً لأهم الولاة وأكثرهم نجاحاً.. فالسيد “جاد السيد” وهو إسلامي (دقة قديمة) كان محافظاً في جنوب دارفور قبل أكثر من عشرين عاماً.. فبعثه د. “فيصل” من مرقده ليصبح بديلاً لـ”جعفر”.. باعتبار إن تمثيل شرق دارفور تبادلاً بين الرزيقات والمعاليا، وفي ذات الوقت الزج به في أتون ولاية وسط دارفور ليصبح حاكماً على ولاية أغلبية سكانها من الفور والرزيقات، فكيف لهذا الرجل أن يحقق نجاحاً؟ وستصبح المقارنة بينه والشرتاي “جعفر عبد الحكم إسحق” حاضرة في مجالس الناس؟؟ كيف خرج الوالي الناجح جعفر” ولماذا المجيء بوالي عجزت كل الصحف الصادرة في الخرطوم من الحصول على صورة له لتقديمه للقراء كواحد من الولاة الجدد.
المؤتمر السوداني والانتخابات
في خطوة لم تجد ما تستحقه من اهتمام وقراءة من كتاب الرأي في الصحافة السودانية، أعلنت مجموعة سياسية ناشطة في المعارضة عن خوضها انتخابات 2020م، في حال تيقنها من نزاهة العملية الانتخابية وحياد الأجهزة المنوط بها تنظيمها، وإقرار الحكومة مناخاً عاماً يساعدها على خوض الانتخابات، وحسم المؤتمر السوداني موقفه من الانتخابات بتأييد غالب قيادته على خوض التجربة، وذلك بعد أن أيقن الحزب بضعف المؤتمر الوطني وضآلة كسبه الجماهيري بعد فقدانه للكثير من قاعدته المساندة له بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية وتدهور الحالة العامة، ويقول المؤتمر السوداني إن الانتخابات إذا جرت في مناخ ديمقراطي حر يستطيع الحزب المنافسة ودخول البرلمان بعدد مريح من المقاعد يتيح له معارضة دستورية من داخل النظام.. أما في حال تزوير الحكومة للانتخابات يصبح الخروج للشارع مبرراً ومسنوداً من الشعب وتندلع ثورة تقتلع النظام من جذوره، ذلك هو منطق المؤتمر السوداني بقيادته الشابة للتعاطي مع مسألة الانتخابات.. ولو تمتع المؤتمر الوطني بحصافة سياسية وعقل مفتوح ورؤية، لكان أعلن ترحيبه بخطوة المؤتمر السوداني وشجعه عليها.. لأنها خطوة ظلت الحكومة تبحث عنها أقوالاً.. ومواقف في الفضاء.. وذلك لنقل الصراع من ميدان المواجهة العسكرية.. والقتال إلى فضاء التنافس السياسي الشريف، لكن المؤتمر الوطني تسيطر على مفاصله شخصيات تنظيمية أقرب إلى القوات النظامية، لم تعر ما قاله المؤتمر السوداني اهتماماً.. أما تسفيهاً واحتقاراً أو شعوراً بالعظمة وقوة السلطة.. وكثرة الجماهير.. التي تمنح الوطني ما يطلبه وقت شاء.. وذلك في تقديري خطأ فادح فالقوة (متحركة) والجماهير لا يستطيع حزب تعليبها في أوانٍ زجاجية والاحتفاظ بها لوقت الحاجة، والمؤتمر السوداني الذي تخلق في رحم أحزاب اليسار السوداني العريض من بعثيين وشيوعيين خاض تجربة مميزة في المعارضة الداخلية المناهضة لسياسات النظام، وكان رهانه على الشارع والتعبئة العامة، ودفع ثمن ذلك بأن فاضت السجون والمعتقلات بمنسوبي الحزب ومنسوباته.. وتصدى الحزب لقضايا الجماهير فكسب أراضي واسعة وشعبية وسط الناس جعلته الحزب الأول في المعارضة، في الوقت الذي شاخت الأحزاب الكبيرة وتبدى عجز الأمة والحزب الشيوعي وبات حزب المؤتمر الشعبي ما بين المعارضة والحكومة وسد المؤتمر السوداني الفراغ في الساحة.. ودخول الحزب ساحة الانتخابات القادمة من شأنه إحداث زخم مطلوب في الوقت الراهن.. وحيوية.. ولن ينافس المؤتمر السوداني على رئاسة الجمهورية حيث يفتقر إلى القيادة التي يصوت لها الناس كبديل للبشير.. ولن يجرؤ الأستاذ “إبراهيم الشيخ” الذي خسر معركة دائرة النهود في مواجهة “سالم الصافي حجير” لن يجرؤ على منافسة رئيس “سالم الصافي” وشيخه وقائده “عمر البشير” في انتخابات 2020م، التي حسمت لصالح “البشير” قبل أن تبدأ.. ولكن المؤتمر السوداني يمكنه الفوز بمقاعد عديدة في البرلمان القومي وفي المجالس التشريعية في الولايات حيث السلطة الحقيقية.. والتأثير على الناس.. وتجربة الانتخابات الأخيرة كشفت عن هشاشة الأحزاب (المتوالية) وفشلها في الفوز بدوائر تم (تفريغها) لها (كمكرمة) من المؤتمر الوطني، ولكنها سقطت وفازت أحزاب أخرى، وكادت بعض رموز وقيادات الأحزاب أن تسقط في الدوائر التي أنسحب منها الوطني (إكراماً) لها مثل دائرة عطبرة التي تنازل عنها الوطني لصالح “إشراقه محمود”.. ودائرة الدكتور “أحمد بلال عثمان” الذي أرهق “أحمد هارون” وكذلك “سيد أحمد ذكي” في دائرة بارا.. أما في دائرة الدلنج فقد خصصها المؤتمر الوطني للحركة الشعبية مجموعة “دانيال كودي” ولكنها خجلت من نفسها و(خافت) من قواعد “عبد العزيز الحلو” فآثرت الانسحاب ولم يجد “آدم الفكي” غير دعم حزب العدالة بقيادة “مكي بلابل” ولكنه سقط هو الآخر وفاز حزب الإصلاح الآن بوابه (مستقلة) ولو أن المؤتمر الوطني يقرأ جيداً لساند الحزب الاتحادي الديمقراطي برئاسة “الدقير” في تلك الدائرة.. وفي دارفور استغل “بحر إدريس أبو قردة” ضعف تنظيم “التجاني سيسي” وأسقطه في عدة دوائر جغرافية تم (تفريغها) فاز فيها أبو قردة”!! مستفيداً من خبرته التنظيمية وضعف خبرة “التجاني سيسي”.. وذلك خوض حزب منظم مثل المؤتمر السوداني للانتخابات يقتضي بالضرورة قيادته لحملة واسعة لتسجيل عضويته.. وعقد ندواته.. ومؤتمراته.. وإضفاء حرارة حقيقية على مناخ الانتخابات، خاصة إذا ما نجحت الدولة في ترتيب أوضاعها الاقتصادية وقيام الانتخابات في مناخ ديمقراطي صحي وتنافس شريف يمثل خدمة كبيرة للمؤتمر الوطني الذي إذا لم يجد من ينافسه سينافس نفسه ويظل عرضة للانقسامات والتصدعات ويخوض به قادته الانتخابات مستقلين عن الحزب.. مثلما فعل زعيم المعارضة “برطم” شخصية وجدت نفسها منافسة لـ”بلال عثمان” في دائرة دنقلا.. وفاز “أبو القاسم برطم” بأصوات المؤتمر الوطني وأعضاء الحركة الإسلامية في دائرة فازت فيها الجبهة الإسلامية في الثمانينات، فكيف تفشل في الفوز بها بعد ثلاثين عاماً من السلطة المطلقة والمال، وهي منطقة خرج من صلبها أغلب قادة الإنقاذ “الزبير محمد صالح” و”بكري حسن صالح” و”ميرغني صالح”.. و”مصطفى عثمان إسماعيل” والراحل د.”أحمد علي الإمام” والشهيد “كمال علي مختار” ود.”عبد الرحمن ضرار” و”بلال عثمان” و”أبو القاسم برطم” (مؤتمر وطني زعلان) وكذلك نائب دائرة القضارف “مبارك النور”.. ونائب دائرة الدلنج “بكري عبد الله سلمي” ونائب دائرة القطينة وحتى النائب العسيلي من جنوب دارفور يعتبر من قيادات المؤتمر الوطني المحلية.
لذلك تعتبر مشاركة حزب المؤتمر السوداني في الانتخابات القادمة بمثابة هدية ذات قيمة ومدلول يقدمها حزب “إبراهيم الشيخ” للمؤتمر الوطني إن أحسن استقبالها وتعاطى معها برؤية سياسية وعقل مفتوح، ولكن إذا ما نظر إليها بعين السخط.. وضعف بصيرة التنظيميين الذين لا ينظرون إلا تحت أقدامهم.. وحسناً قالت الحركة الشعبية الجناح السياسي وبقيادة “مالك عقار” ورحبت بالخطوة التي أقبل عليها حزب المؤتمر السوداني.. وبيان الحركة الشعبية الذي وقعه “عبد الرحمن أردول” وضع حداً فاصلاً ما بين التيار العسكري في الحركة بقيادة “عبد العزيز الحلو” والتيار السياسي الرافض لحق تقرير المصير، ومن المفارقات دعم الوطني لمجموعة “الحلو”.. ورفض التفاهم مع التيار السياسي لأسباب تفتقر إلى المنطق والحجة.

المجهر السياسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.