الحلو مر. هذا ليس استنتاجاً وجودياً، إنّما هو مشروب سوداني شعبي يتناوله أهل البلاد حصراً خلال شهر رمضان، عند الإفطار. والحاجة زينب عبد الله (75 عاماً) من هؤلاء النسوة اللواتي اعتدنَ في كلّ عام تحضير “الحلو مر”، وهو أمر يستوجب عملية طويلة.
ثمّة طقوس خاصة لإعداد الحلو مر تبدأ إمّا في شهر رجب وإمّا في شهر شعبان، فتتشارك نساء الحيّ الواحد – خصوصاً في الأرياف – صنعه، ويُخصَّص كلّ يوم لواحدة منهنّ حتى تنجز مهمتها. ويتخلل جلسات التحضير تلك وقت للأنس ولتناول القهوة والشاي.
ويُصنع الحلو مر الذي اكتُشف صدفة قبل عشرات السنين، من الذرة بعد تخميرها لمدّة أيام ثمّ طحنها وعجنها قبل وضعها في النار لتخرج على شكل رقائق مربعة ومستطيلة. وخلال شهر رمضان، عند الصباح، توضع تلك الرقائق في الماء حتى يحين موعد الإفطار، فيقدّم على المادة اليومية كمشروب بطعم مميز. ولن يجد أحد مائدة إفطار سودانية من دون الحلو مر.
وتخبر زينب أنّها، بعد تحضير الحلو مر، توزّعه على المتزوجين من أبنائها وبناتها وأقربائها. كذلك تفعل النساء السودانيات بمعظمهنّ، في سياق عادة أصيلة في المجتمع السوداني لم تؤثّر بها حتى الظروف الاقتصادية التي عرفتها البلاد خلال السنوات الماضية، والتي ساءت خلال هذه السنة. بالإضافة إلى الحلو مر، تحرص السودانيات على إعداد طبق “الرُقاق” المخصّص للسحور وطبق “الويكة” وإرسالهما إلى الأقارب حتى ولو كانوا في خارج السودان. يُذكر أنّ مشروبات أخرى تُعَدّ في غرب السودان، من قبيل “أم جنقر” و”التبلدي” و”الدوم”.
تجدر الإشارة إلى أنّ السودانيين يتمسّكون بتقليد المعايدة عند حلول الشهر الفضيل، ويؤكد حمد عبد الله (77 عاماً)، وهو من قرية نائية في سهول البطانة بوسط السودان، أنّه يحرص على زيارة منازل القرية واحداً واحداً والمباركة لأهلها وطلب الصفح والسماح منهم، ويبادله هؤلاء الأمر.
للأطفال دورهم في بداية رمضان، إذ يوكلون بمهمّة تهيئة أماكن الإفطار الجماعي، عبر تنظيف الشوارع ورشّها بالماء وبسط السجاد الذي يجدّد سنوياً في أوّل شهر رمضان. وهؤلاء يشعرون بفرحة كبيرة، إذ إن بعضهم يشارك في “إفطار الكبار”، قبل أن ينخرطوا في ألعابهم الجماعية. وعند السحور، يعمد الصبيان إلى قرع الطبول والأجراس بهدف إيقاظ الناس.
وبحسب العادات، فإنّ كثيرين يحرصون على أن يكون إفطار اليوم الأول من رمضان في قراهم ومناطقهم الأصلية، مع العائلة الكبيرة، حتى ولو استلزم ذلك سفراً من ولاية إلى أخرى. لكن في هذا العام، لم ينجح عدد كبير في ذلك، نظراً إلى ارتفاع أسعار تذاكر النقل في ظل أزمة الوقود في البلاد، واكتفى البعض بالاتصالات الهاتفية. ويأسف نبيل علاء الدين، إذ إنّه لم يتمكّن من الذهاب إلى أهله في ولاية سنار (جنوب)، لأنّ سعر التذكرة إلى بلدته يوازي نصف راتبه.
ولعلّ العادة الأبرز لدى السودانيين خلال رمضان، هي خروج الرجال إلى الطرقات مع موائدهم، بما في ذلك الطرقات السريعة، حيث يتجمّعون بأعداد كبيرة رغبة منهم في استضافة عابري السبيل ومشاركتهم المائدة. ويأتي ذلك بإصرار شديد، حتى ولو بسدّ الطرقات بواسطة براميل المياه. وقد تطوّرت هذه العادة في السنوات الأخيرة، فراحت منظمات عدّة تنشر أفرادها المتطوّعين عند التقاطعات الرئيسة لتوزيع قوارير المياه والعصائر وغيرها، على من لم يستطيع إدراك الإفطار في منزله. الأمر نفسه تقوم به منظمات أخرى في المستشفيات ودور الرعاية الاجتماعية والمساجد وغيرها.
في سياق متصل، تشهد الأندية الرياضية والثقافية في السودان نشاطاً كبيراً خلال شهر رمضان، إذ يلتقي فيها الشباب عقب صلاة التراويح، للترفيه عن أنفسهم، إلى جانب تنظيم بعضهم أمسيات شعرية وغنائية ودينية. أمّا في آخر يوم خميس من شهر رمضان، فتجتمع الأسرة بعد شراء رأس غنم أو ماعز، وتقام وليمة تقدَّم كصدقة عن أرواح الأموات، ويتبع ذلك دعاء وابتهال لعلّ الله يرحم أمواتها.
العربي الجديد