الطاهر ساتي: النهر لاحقاً..!!

:: قبل أسابيع، كان الخبر بالنص : دشنت هيئة الموانئ البحرية عمليات صادر الثروة الحيوانية عبر ميناء هيدوب المتخصص في هذا المجال، و شهد الميناء تصدير أول شحنة من الضأن بلغت ثلاثة آلاف رأس متجهة إلى لبنان، وأشاد والي البحر الأحمر علي أحمد حامد بإنشاء موانئ متخصصة لمواكبة الطفرة العالمية، ويذكر أن ميناء هيدوب – المتخصص لصادرات الثروة الحيوانية – تم افتتاحه على يد النائب الأول ورئيس الوزراء الفريق أول ركن بكري حسن صالح في نوفمبر من العام 2017 م ..!!
:: وقبل أن يكتمل الإسبوع على هذا الحدث السعيد، جاء الخبر الآخر بالنص : أعلنت هيئة الموانئ البحرية إغلاق ميناء هيدوب لصادر الثورة الحيوانية والسمكية بعد ستة أيام من تشغيله، وقال مدير الميناء محمد حسن مختار إن التشغيل في الأصل كان تجريبياً، وأن تجربة الستة أيام كشفت عن ضرورة إنشاء المحجر البيطري قرب الميناء وتشييد حظائر الانتظار وتوفير مياه الشرب.. أي بعد تدشين وتشغيل الميناء، اكتشفوا عدم توفير المحاجر والحظائر ومياه الشرب ..!!
:: ما حدث بميناء هيدوب يذكرني بإحدى قصص الخيال.. عطلة رسمية بمناسبة وضع حجر الأساس لأكبر جسر نهري بالبلاد.. ثم حشد المعتمد جماهيره ونصب الخيام وذبح الذبائح وجاء بالفنان والمادح و ( لوري هتيفة)..ولكن قبل بداية الحفل بساعة، نصحهم حكيم القرية بأن المكان المستهدف بالجسر ليس به نهر وأن القرية ليست بحاجة إلى جسر .. فاعتقلوه..وعذبوه ثم وجهوا له تهمة إعاقة النظام عن أداء واجبه، ثم أعدموه .. له الرحمة، فالمسكين لم يكن يعلم أن نهج النظام يبني الجسور أولاً، ثم يبحث عن الأنهار لاحقاً..!!
:: وكذلك نهج العباقرة بوزارة الثروة الحيوانية وهيئة الموانئ ، حيث جاءوا برئيس الوزراء واحتفلوا و دشنوا وشغلوا الميناء (أولاً)، ثم بحثوا عن المحاجر والحظائر ومياه الشرب في الميناء وبجواره (لاحقاُ)، وعندما لم يجدوها أغلقوا الميناء .. ولا يزال ميناء هيدوب مغلقاً.. هذا الميناء هو الأحدث على طول الساحل، بحيث كل شيء يعمل إلكترونياً، وبأحدث نظم التشغيل .. (5 أرصفة)، بطول (241 متراً)، وعمق (12.5 متر)، وحمولة (30.000 طن).. والميناء مشروع شراكة ما بين هيئة الموانئ وشركة جيك الصينية (51%، 49%) ..!!
:: ومنطقة هيدوب تقع جنوب سواكن (30 كلم ).. ورغم قربها من سواكن، ورغم أنها غنية بخيرات البحر، تعتبر هيدوب من المناطق المنسية بشرق السودان.. تتخذها مراكب الصيد إحدى محطاتها ثم تغادرها سريعاً لافتقار المنطقة عوامل البقاء والاستقرار.. وكذلك كانت منطقة هيدوب من أوكار تجار السلاح والمخدرات وتهريب البشر.. وبميناء هيدوب كان يجب أن تشهد هذه المنطقة شروق شمس (حياة أخرى)، لتحل محل وعثاء العابرين و ضنك المبعثرين في الفيافي والجبال، أو هكذا كان الحلم عريضاً عند إنشاء الميناء ويوم التدشين والتشغيل ..!!
:: ومع ذلك لم يعمل ميناء هيدوب منذ تاريخ التدشين والتشغيل، حيث كانت الشحنة الضأن التي غادرت إلى لبنان – يوم التدشين والتشغيل – هي الأولى والأخيرة .. أسباب توقف الميناء عن العمل(مُخجلة للغاية)، ولكن السادة في بلادنا لا يستحون..فالميناء لصادر الثروة الحيوانية، واكتمل بعد ثلاث سنوات .. لكم أن تتخيلوا حجم اللامبالاة واللامسؤولية بوزارتي المالية والثروة الحيوانية.. ثلاث سنوات، ولم تُفكُر عبقرية السادة- طوال سنوات العمل – في إنشاء محاجر بيطرية، ولم تُفكر في تركيب حظائر المواشي، ولم تُفكر حتى في توفير مياه الشرب للمواشي ..!!

باج نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.