شائعة موت الرئيس البشير

أثارت شائعة مرض الرئيس البشير ، والتي تحولت لاحقاً إلى خبر موتٍ كاذب ، أسئلةً ملحَّة كانت مؤجلة دوماً أو حتى منسية ؛ فالرجل الذي يحكم لثلاثة عقود بقبضة السلاح والأمن ، قد دفع بأكثر من عشرة ملايين مواطنٍ خارج البلاد للهجرة بأنواعها المختلفة ، وقتل قرابة المائتي ألف روح ، في إقليم دارفور وحده ، كما أنه أحال البلاد من أرضٍ منتجة وواعدة إلى بلدٍ يتسول القمح والوقود والإحترام .

رئيس بهذه المواصفات تلاحقه المحكمة الجنائية منذ أكثر من عشر سنوات ، وتطارده لعنة حافة الهاوية التي وضع فيها السودان ، يصعب ، حتى في الخيال ، التوقع له بموتٍ عادي كبقية خلق الله ، كأن يمرض ، تأتيه سكرات الموت فيرحل . سيناريو ليس من السهل أن تستوعبه أذهان ضحاياه ، وهم الغالب الأعم من الشعب السوداني ، فالآثام التي يحملها البشير على كاهله أثقل من أن تسمح له برحيلٍ هادئ .

ماذا لو مات البشير ؟ ما الذي سيحدث لو غاب عن الحياة فجأة ، خاصةً وأنه خلال الأعوام الماضية قد تعرض لعدة وعكات صحية ، لكن لم تتبعها شائعات بهذه الكثافة حول وفاته . ماذا لو خلا مقعده بعد ثلاثين عاماً مرت ثقيلةً على أهل السودان كالدهور ؟ كيف سيكون مشهد الأحداث ؟

في البدء ، وبلا شك ، فأن غياب البشير عن المشهد ، أياً كانت الأسباب ، يشكل مصدر راحةٍ متعاظمة ، للكثيرين داخل النظام ، ولحلفائه في المنطقة وحول العالم . أقلها سينقشع كابوس 2020، الإنتخابات التي يستميت البشير على خوضها حتى ولو على حساب وحدة وتماسك تنظيمه ونظام حكمه .

سيجد المجتمع الدولي سانحة إلهية تخرجه من معمعة المحكمة الجنائية التي أُريد لها أن تكون مخلب قطٍ بلا أظافر ، يخدش لكنه لا يؤذي . وكانت ورقة معهد السلام الأمريكي الشهيرة باسم( وثيقة ناعمة لهبوط البشير ) ، والتي كتبها المبعوث الأمريكي الأسبق للسودان السفير بريستون ليمان ، كانت قد حفَّزت رأس النظام بطرح إمكانية تجميد ملاحقة المحكمة الجنائية له مقابل البدء في تغييرٍ ناعم ، يُفتتح بحوارٍ داخلي وإصلاح يفضي إلى قيام حكومة ديموقراطية . الوثيقة الأمريكية التي أصبحت فيما يبدو أحد المراجع الدولية للخروج من الأزمة السودانية ، لم تكن موضع اتفاق بين مكونات المعارضة السودانية ، فبينما ترفضها قوى الإجماع الوطني جملةً وتفصيلاً ، تتمسك نداء السودان بالشروط الواردة في قراري مجلس السلم والأمن الأفريقي ( 456 , 539 ) التي تتحدث عن تهيئة المناخ لبدء العملية السياسية على أساس خارطة طريق الآلية الأفريقي ، كوثيقة سياسية حظيت بتوقيع الحكومة إلى جانب قوى سياسية وعسكرية هامة ، في العام 2016 م .

أما المشهد داخل صفوف النظام ، فقد بات من الواضح وجود قناعة بفشل البشير في وقف التدهور الإقتصادي ، وعدم قدرته وتواضع إمكاناته عن محاولة تجريب طرق أخرى فاعلة لإحداث اختراقات تسهم في تحقيق السلام ، وقد كان إثارة ترشحه للإنتخابات القادمة فرصةً لائقة لتظهر مدى تضعضع ثقة رفاقه في النظام والحزب به . كما أبانت حربه التي أعلنها على الفساد داخل نظامه، أن أصحاب المصالح قادرين على هدم المعبد بمن فيه ، عندما تُمَس مصالحهم الإقتصادية.

وبرغم من تعدد مراكز القوى داخل النظام الحاكم ، إلا أنه ، وبعد التحجيم الممنهج الذي مارسه البشير على رفيقه ونائبه الاول الفريق بكري حسن صالح ، وبعد تقليم أظافر الجيش ، وإبعاد رجالات الحكم الأقوياء بالتدريج ، أصبح الفريق صلاح قوش ، سفَّاح بيوت الأشباح ، ومبتدر التطبيع مع أمريكا ، الذي أعاده الرئيس لموقعه كمدير لجهاز الأمن والمخابرات في يناير الماضي ، هو الأقرب لخلافته ، ليبقى الأمر إنتقالٌ من سفاحٍ مطلوب دولياً ، لآخرٍ لا يقل عنه دموية ، لكنه ، ولسوء حظ البلاد ، قد يكون مقبول من المجتمع الدولي ، ومن دول الإقليم ، ليصبح حصان الرهان في الهبوط الناعم.

أحد السيناريوهات أن يحدِث موت البشير غضباً في الشارع يقود لثورةٍ تقتلع ما تبقى من النظام ، المحزن وقتها ، أن الرئيس لن يسمع اللعنات التي سيوجها الشعب له ولنظامه .
هذا ، وعلى الرغم من شائعة موته ، التي انتشرت بقوة ، شارك البشير أمس الخميس ، في قمة منظمة دول الإيقاد الطارئة حول جنوب السودان بأديس أبابا .

سودان تربيون

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.