أمبيكي في الخرطوم.. لقاء ساعة مع الرئيس

امرأة في الأربعينيات من العمر تصل لأحد مقرات اللاجئين في منطقة ما سيراً على الأقدام لمدة «12» يوماً، المرأة الهاربة من جحيم المواجهات بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال في جبال النوبة ربما تعتقد أن من يتحدث باسمها من جانب الحكومة وقطاع الشمال لا يمثلانها بأي قدر من الأوزان، وربما رأت وهي تستريح تحت شجرة ظليلة أن ما يقال عن مقترحات أمبيكي وشروط الحكومة وقطاع الشمال لا تجلب لها شيئاً وأن سيرها الطويل لن ينتهي إلا بمشاركتها في التفاوض لعكس معاناة الناس هناك، الصورة القاتمة التي أظهرتها الحرب بين الطرفين وما تلى ذلك من مواجهات تفاوضية خلافية باتت عنواناً كئيباً، لكن ما يظل يؤكده الطرفان أنهما راغبان في تحقيق السلام والدخول الجاد في مباحثات مثمرة قبل كل جولة تفاوضية تنتهي إلى لا شيء غير الخلافات والاتهامات بإدراج أجندة لا تلقى قبولاً لدى أحد الطرفين. الصورة هنا ربما أراد رئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوى ثامبو أمبيكي أن يضع لها لوناً نهائياً بالتوجه الى الخرطوم للقاء قيادات الدولة قبيل الجولة المقبلة الخميس القادم. أمبيكي الذي التقى الرئيس البشير في بيت الضيافة أمس في لقاء استمر حوالى الساعة خرج للصحافيين مطلقاً عديداً من النقاط المهمة حول مستقبل التفاوض وغيره.

اجتماع الساعة
عقد الرئيس عمر البشير لقاء مع رئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوى ثامبو أمبيكي ببيت الضيافة امس تناول عدداً من القضايا والتفاوض مع قطاع الشمال، وقال أمبيكي للصحافيين إنه عقد اجتماعاً مفيدا وجيدا مع البشير وناقش معه عدة قضايا، وذكر أن في آخر لقاء بأديس في يناير الماضي قدم البشير لهم إيجازاً حول خطته وفكرته في عقد حوار جامع واسع مع كل العناصر والمكونات السياسية في السودان لجمع الصف وتوحيد الرأي وبناء علاقات بينية وتصور مشترك لمستقبل الحكومة وأضاف «نحن سعداء ان أعاد لنا الرئيس إيجازاً حول نفس الموضوع والخطوات العملية التي اتخذت في ذات الاتجاه لتحقيق ذات الأهداف كوننا آلية افريقية أكدنا دعم الآلية لهذه العملية ومساندتنا لها وتأييدنا لدعوته لجمع الصف الوطني وتوحيد الرأي لمصلحة السودان عامة».
مع جوبا
وأوضح أمبيكي ان اللقاء تطرق الى مناقشة العلاقة بين السودان وجنوب السودان في إطار الاتفاقيات التي وقعت بين البلدين، وقال إن البشير اكد على حرص الحكومة على تنفيذ الاتفاقيات المبرمة مع الجنوب، وأردف «نحن كآلية سنذهب الى جوبا لمقابلة سلفا كير لحثه والعمل معه لتطبيق الاتفاقيات الموقعة بين البلدين». وأبان ان البشير ابدى اهتمامه بالوضع في جنوب السودان وحرصه على الأمن في جنوب السودان وتقديم الخدمات والسلام، وذكر«نحن كآلية نشاركه في ذلك ونحن والإيقاد سنعمل مع بعض لإنجاح المحادثات التي تدور داخل منظمة إيقاد».
رغبة ثنائية
ولفت أمبيكي الى ان البشير اكد اهتمامه بالوضع في أبيي والبحث للخروج بالقضية للحل، وذكر ان الآلية بدروها ستعمل في ذات الاتجاه وستتحدث مع المسؤولين في جنوب السودان الذين عبروا عن رغبتهم في الوصول لحل حول قضية أبيي.
حل مرضٍ
قال أمبيكي ان اللقاء كذلك تعرض للمحادثات الأخيرة بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال، مؤكدا انهم سيواصلون الجهد للوصل الى حل، ونبه الى ان هناك اجتماعات ستعقد، منوها لثقته في الوصول لحل مرضٍ في المفاوضات المقبلة.
العودة للخرطوم
جزم أمبيكي انه سيكون بالخرطوم خلال ايام لمقابلة بعض الأحزاب والمنظمات المدنية للحديث والتفاكر حول ما طرحه البشير حول الحوار الشامل الذي يشمل كل مكونات المجتمع السوداني، لافتا الى انهم كآلية يساندون هذا التوجه ويتمنون له النجاح.
دفع المسيرة
قال رئيس وفد الحكومة المفاوض إبراهيم غندور إن امبيكي التقى البشير ودار نقاش بينهما حول ثلاثة موضوعات تشمل العلاقة مع جنوب السودان، واكد ان البشير نقل لأمبيكي التزام السودان بعلاقات متميزة مع الجنوب، متمنيا للجنوبيين ان يصلوا لتوافق لإيقاف نزيف الحرب، واكد تنفيذ الاتفاقيات وطلب من امبيكي دفع هذه المسيرة، واكد أن السودان التزم بترحيل النفط وايواء الجنوبيين وفق اتفاق الحريات الأربع، بينما وعد امبيكي بالعمل على تواصل اللجان المشتركة لحل القضايا العالقة، وستشهد انفتاحا في الأيام المقبلة.
القضية الثانية
وذكر غندور ان القضية الثاني التي ناقشها أمبيكي مع البشير هي قضية الحوار الشامل. وقال ان امبيكي ظل يتابع الحوار منذ فترة طويلة حتى اصبح الآن في موقع نستطيع ان نقول إننا مقبلون على التنفيذ. وشرح له الرئيس الخطوات التي تمت واللقاءات مع الأحزاب والآلية التي تدير الحوار واللقاءات.
القضية الثالثة
ونوه غندور الى ان القضية الثالثة التي بحثها امبيكي مع الرئيس شملت الحوار مع قطاع الشمال، لافتا ان البشير اكد على التزام السودان بتحقيق السلام في المنطقتين انطلاقا من القرار «2046» والالتزام بإغاثة فورية وفقا للاتفاقية الثلاثية الموقعة بين الحكومة وقطاع الشمال مع الاتحاد الافريقي والجامعة العربية والأمم المتحدة والالتزام بتحقيق السلام وفق القرار الأممي.
تسريع العملية
قال مساعد رئيس الجمهورية إن الرئيس البشير طلب من امبيكي تسريع عملية السلام حتى لا تتم إضاعة الوقت في قضايا جانبية لا علاقة لها بجوهر القضية، وان طريق المشاركة في الحوار الشامل او الحل الشامل كما يقول قطاع الشمال ليس في اتفاقيات ثنائية بين الحكومة وقطاع الشمال إنما في اتفاق شامل يجمع عليه كل السياسيين السودانيين ذلك الطريق للمشاركة فيه، يجب وقف القتال واتفاق شامل لوقف للقتال وإنهاء القضية ليكون قطاع الشمال فاعلا سياسيا من بين الفاعلين السياسيين في السودان.
انطلاق الجولة
قال رئيس وفد الحكومة المفاوض ان المفاوضات المقبلة مع الحركة الشعبية قطاع الشمال ستنطلق يوم الخميس القادم 27 فبراير الجاري، وان وفد الحكومة سيغادر يوم الخميس، وان امبيكي سيغادر لأديس، منوها الى تلقي الحكومة دعوة من الوساطة لاستئناف المفاوضات.
دمغ الحكومة
قال مساعد رئيس الجمهورية ابراهيم غندور ان البند الإنساني يمثل اولوية للحكومة لكن القرار الأممي ملزم للجميع، وان الحكومة ملتزمة به، مشددا على ان القرار لا يتحدث عن الجبهة الثورية وقال«الجبهة الثورية لا نتحدث عنها نحن نتحدث حول الحركة الشعبية قطاع الشمال والقرار 2046 لا يتحدث عن الجبهة الثورية وان كانوا ملتزمين بالقرار الأممي في فقرته الرابعة يتحدث ان أساس الدعم الإنساني هو الاتفاقية الثلاثية»، وتابع بالقول«إن كانت القضية هي الشأن الانساني فعلاً، فالطريق اليها المضي قدما لاتفاق شامل لوقف اطلاق النار وإغاثة المحتاجين لكن القضية هي شعار سياسي يحاولون به دمغ الحكومة ولن يجدوا فرصة لذلك».
معادلة شائكة
منذ وقوع الحرب بالمنطقتين وإعلان بدء التفاوض للمصالحة وحل أزمة الولايتين باتت ملامح المعادلة الشائكة تطغى على وجه العلاقة التفاوضية بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال، وكثيرا وفي مراحل مختلفة اتهمت الحكومة رئيس وفد الحركة ياسر عرمان بالسير على طريق تخريب المساعي المتلاحقة لحل أزمة المنطقتين وإيقاف الحرب فيهما، بينما يعتقد رئيس وفد الحركة ان الحكومة غير جادة في حل الأزمة وتمضي في طريق المراوغة، كل تلك المعادلات الشائكة تقود مباشرة لمحطة التفكير حول جدوى تلك المفاوضات وامكانية حل الأزمة، وهل تلك المفاوضات مجرد عمل سياسي دبلوماسي تنفذه الأطراف المختلفة في إطار خضوعها للقانون الدولي والقرارت الأممية الصادرة في حق تلك المناطق التي تدور فيها الحروب، بيد ان الإجابة هنا تبدو اشبه بالبحث عن إبرة في كوم قش يرى البعض ان تحقيق بعض النقل لأكوام من القش ربما يظهر الإبرة الخلافية التاريخية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية باختلاف الأوقات والمناسبات، ومما لا شك فيه ان السودان يمر هذه الأيام بمرحلة مهمة في تاريخه اذا لم تكن الأهم، حيث يحاول الحزب الحاكم قيادة الدولة خلال الفترة المقبلة بطريقة مختلفة عقب إعلان الرئيس البشير للحوار مع القوى السياسية بجانب إعلان نائبه امكانية قبول حكومية قومية رفضتها المعارضة فورا، وطالبت مجددا بإسقاط النظام بل ذهبت أكثر من ذلك وطرحت «هبوط آمن» لقيادات الوطني حالما سلموا السلطة. السودانيون الآن بانتظار جولة تفاوضية جديدة بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال وصفها الأستاذ الهندي عز الدين في كثير من الأوقات بأنها جلسات عبثية لا تحقق شيئاً ورأى في كتابات بالمجهر السياسي طوال اليومين الماضيين أن المقترح الذي دفع به رئيس الوساطة الإفريقية رفيعة المستوى ثامبو أمبيكي مفخخ ويمثل «نيفاشا 2» باعتبار ما ورد فيه من فقرات تتحدث عن ترتيبات انتقالية وعسكرية وأمنية وانسحاب قوات وعدم دخول قوات اخرى الى مناطق وبقاء قوات في مكانها.
أزمات متلاحقة
منذ انطلاق مفاوضات السلام المباشرة بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال، والأزمات متلاحقة، والمنعطفات متتالية في طريق هذه المفاوضات المتعرجة التي لا تعرف استقراراً، ويبدو للعيان أن السبب في ذلك هو نقاط الخلاف بين الطرفين على العديد من القضايا الشائكة والقنابل الموقوتة التي يمتليء بها طريق الطرفين.
إن الأزمة الحقيقية لا تكمن في طبيعية وظروف المفاوضات أو حتى في صعوبة ملفات التسوية، إنما في طبيعة الصراع السياسي والشخصي بين الحكومة وقطاع الشمال. ويرى القيادي بالوطني بالنيل الأزرق المك أبو شوتال ان على الحكومة إشراك من يفهمون طبيعة المشكلة القائمة وليس وضع شخصيات لمجرد التمثيل في المفاوضات باسم أبناء المنطقتين، ويضيف لـ «الإنتباهة» ان هناك جانبا مهما جدا يتمثل في إشراك المدركين لطبيعة المشكلة والقادرين على إدارة حوار حقيقي مع اعضاء الحركة الشعبية وقال «هم يخبروننا ونحن نخبرهم جيدا ونعرف كيف يفكرون ومتى يتضجرون ومتى يكونوا سعداء وماذا يقودون في ذاك الطريق ولم لا يحبون السير على ذاك الطريق الآخر». ويجزم بأن هناك مقترحات ضمها أمبيكي في مسودته التي عرضها على الحكومة وقطاع الشمال سترفضها الحكومة، ويردف«هناك مقترحات ربما ترفضها الحكومة وربما كذلك تكون ذات تأثير على المفاوضات نفسها»، ويعتقد أبو شوتال ان مسألة مناقشة القضايا القومية على طاولة اديس ابابا لا تمثل شيئا للقضية الأساسية للمنطقتين، ويضيف«مسألة أجندة الحركة الشعبية في مناقشة القضايا القومية والمطالبة بذلك هي اجندة وهمية ولاعلاقة لها بالقضية الجوهرية والأساسية ووراءها أرزقية وتجار» ويلفت الى ان القرار 2046 لم يتحدث عن مناقشة قضايا قومية بل ان أمبيكي نفسه ليس ضمن تفويضه مناقشة القضايا القومية السودانية.
المشكلات لا تتجزأ
المشكلة الحقيقية تكمن في الأساس الذي تقوم عليه عملية التفاوض، فبينما ينطلق المفاوضون الحكوميون في المفاوضات على اسس تعتمد على قوة المنطق الحاكم، ينطلق قطاع الشمال على أساس مختلف وهو منطق القوة المبني على فرض الشروط لتحقيق كل المكاسب السياسية والعسكرية. ويرى مراقبون ان الحكومة تعمل على أساس تلقيح ملكة النحل حتى يموت بمعنى انها ترغب في وضع حد للحرب والخلافات والخروج بأقل الخسائر السياسية ووأد الحركة الشعبية قطاع الشمال عسكرياً، بينما يعتقد مخالفون للرأي ان العملية السابقة تعمل عليها الحركة بمفهوم تلقيح الملكة لقتلها سياسياً والانعراج بطريقها السياسي الى مرحلة جديدة تستحوذ فيها الحركة على جزء كبير من الخريطة السياسية لتطبيق بعض مشروعاتها وأفكارها. ويرى خبراء أكاديميون أن الأساس الذي يجب الانطلاق منه في تقييم أية تفاوضية بين طرفين يتمثل في البحث عن الجذور والخلفيات لكل طرف عن الآخر بحيث يتمكن العقل من فهم ما كان، وما يمكن أن تكون عليه العملية التفاوضية خلال المرحلة المقبلة، وعلى انها محادثات سياسية تتم بين طرفين من أجل تسوية سلمية للقضية المتنازع عليها ويعمل كل طرف على الحصول على تنازلات من الطرف الآخر، ويرون ان الحركة الشعبية تسوق نفسها بانها الضحية وان الجاني عليها هي الحكومة، فيما تقود الحكومة العملية التفاوضية بمفهوم القيادة الكاملة وانها هي الأصل وتلك الحركة او الطرف الآخر جناح مخالف عادي يتم التعامل معه في الميدان تارة وعلى الطاولة التفاوضية تارة أخرى وهذا أس المشكلة اذ أن كثيرين من أبناء المنطقتين يعتقدون ان تلك الفرضيات غير مجدية ولا تحقق لهم السلام وهم المكتوون كما يقولون بتلك الحرب، وفي هذا السياق تأتي المفاوضات مثقلة ومحملة بالتصورات في ذهنية كل طرف، اذ يرى الطرف الأول وهو الحكومة ان الحركة الشعبية تمارس التعنت وليست اكثر التزاماً بالسلام، في الوقت الذي ترى فيه الحركة الشعبية قطاع الشمال أن الطرف الأول يعمد لجعل الأزمة مزمنة وطويلة بلا نتائج ويتراجع عن اتفاقيات سابقة.

الانتباهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.