كاتب مصري : خسرنا الكبار.. فتركنا السودان

بقلم : عبد الرحمن فهمي

لماذا قال مصطفى النحاس لمجلس وزراء بريطانيا العظمى قولته الشهيرة؟: تقطع يدى ولا أفصل السودان عن مصر.

كانت العلاقة بين الدولتين علاقة غريبة.. علاقة «اندماج».. كل من الدولتين لا غنى لأى منهما عن الأخرى.. علاقة حياة أو موت.. كانت السودان هى مزرعة مصر الكبرى.. خير ربنا كله فى السودان.. أرض شاسعة بلا حدود، صالحة للزراعة.. الماء موجود بلا حدود والماء يحمل الطين الأسود الذى سموه يوماً «الذهب الأسود» الذى يحول الأرض البور إلى أخصب أرض.. ثمن الخروف الكبش الكبير فى مصر بجنيه!!.. خروفان عاديان أيضاً بجنيه!! عندما كنا نلعب مباريات فى السودان كان الإفطار أول طبق الذى لا يتغير عبارة عن ريش لحمة مشوية تشم الدخان قبل صالة الأكل!! أطباق كبيرة مليئة بالريش بلا خبز أو أى شىء آخر.. يتم أكل الريشة مثل الحلوى.. نمسك العصا ونقضم اللحم الساخن ونرمى العصا وراء بعض ولا تسأل عن عدد الريش!!.. خير ربنا كله.. هذا مجرد مثال «بعد الريش الفول بكل أنواعه والبيض».

فإذا كانت السودان هى مزرعة مصر الكبرى العظمى.. فقد كانت مصر كل شىء بالنسبة للسودان.. مدارس ومستشفيات وبضائع من كل نوع وبناء بيوت ومساجد.. كان أجمل مسجد فى السودان بل فى أفريقيا كلها مسجد الملك فاروق- وكنا حتى آخر مباريات لنا هناك نجد اسم الملك فاروق كبيراً فوق سلم المسجد !!

كنا نرسل للسودان كل شىء حتى الموظفين لإدارة بعض شؤون الحكومة.

كل هذا على نفقة حكومة مصر.. وظل فاروق «ملك مصر والسودان».. إلى أن جاءت ثورة ١٩٥٢.. وكثر الكلام عن هذه الوحدة بين البلدين.

فى هذه الفترة بدأ موضوع السودان هو موضوع مجلس قيادة الثورة.. يسافر بعض أعضاء مجلس الثورة برئاسة محمد نجيب القريب من السودانيين ولكن صراع السلطة كان قد بدأ.. وتأجل السفر أكثر من مرة.. ثم اختاروا صلاح سالم للسفر وحده باعتبار أن السودانيين أفريقيون ساذجون معظم حياتهم فى الغابات وصلاح سالم رجل «مناظر» يسمونه «شووى» سيأكل عقل شعب على طبيعته الطيبة.. وبالفعل قضى صلاح سالم وقتاً فى الغابات يقفز هنا وهناك ورقص مع من رقص من الشباب.. ولم يقابل أو يتفاهم مع المثقفين ورؤساء الأحزاب.. عاد صلاح سالم وهو يظن أنه أدى مهمته على أكمل وجه وسيكسب الرأى العام.. وكانت المفاجأة أن حتى أحزاب الوحدة فى السودان بدأت تفكر فى أن هؤلاء حكام مصر الجدد لا يصلحون لاستمرار الوحدة مع مصر.. ولأول مرة يرفض الشعب السودانى استمرار الوحدة.

بعد سنوات طويلة.. فى جلسة ما جمعت كل أعضاء مجلس الثورة قالها عبدالناصر: صلاح سالم أضاع السودان.. وأنور السادات سبب نكسة اليمن «باعتباره هو الذى نصح بإرسال الجيش إلى اليمن».

كتبت هذا المقال لكى أوضح بعد نظر زعماء زمان.. مصطفى النحاس وافق على كل شروط لندن لتوقيع معاهدة ١٩٣٦، استمرار الامتيازات الأجنبية والمحاكم المختلطة، فقال حاضر ووافق على كل الطلبات لأنه سيلغيها فيما بعد. إلا «السودان».. لن يستطيع إعادة السودان إذا فقدها.. خسرنا السياسيين الكبار منذ إلغاء الأحزاب القديمة فى أول الخمسينيات وهذا هو حالنا الآن.

المصري اليوم

تعليقات الفيسبوك

تعليق واحد

  1. يتحدث المصريون و كأن السودان ملك يمينهم ناسين أو متناسين أنهم مطية المستعمر لاحتلال السودان . و ظنهم أن السودان ملكهم ينم عن جهل عميق في تركيبة مثقفيهم . اختلفت الأجيال و سقطت الأقنعة و فقدتم محبتنا لكم . و ما مضى لن يعود . كنا بحاجة لكم . ام الان و الى الابد انتم هم من بحوجة لنا . اتمنى أن تضعوا انوفكم على الأرض تواضعا و ترك الفتن و الغدر و الدسائس و الأنانية و حب النفس . عسى أن يبدل الله نظرتنا لكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.