الخبز.. وعود حكومية و أزمةٌ تُرواح مكانها

يبدو أن أزمة الخبز التي ضربت أنحاء واسعة من البلاد ستتحول إلى مرض مزمن يقلق مضاجع الحكومة ما لم تنفِّذ السلطات المختصة حراجة عاجلة بغية إزالة العلة من جذورها، ذلك أن أزمة الخبز ظلت حاضرة في المشهد، تغيب لفترة ثم تعود، ما يعني أن جذر المشكلة ظل موجوداً على الرغم من المعالجات الحكومية.

حصة منقوصة

حسناً، فالأزمة تبدو هذه المرة أكبر من ذي قبل، ذلك أنها ضربت أنحاء واسعة من البلاد في توقيت واحد، بل إن عدداً من المخابز أغلقت أبوابها بعدما فشلت في الحصول على حصتها من الدقيق، وربما ذلك ما فاقم أوجاع المواطنين، حيث شهدت المخابز ازدحاماً غير مسبوق وصفوف طويلة بسبب الانعدام التام للخبز. ويشير صاحب مخبز فضل حجب هويته لـ(الأحداث نيوز) إن الوكلاء لا يلتزمون بتوزيع الدقيق، لجهة أن المطاحن قللت الإنتاج، ولذلك لم يستلموا الكميات المطلوبة ما انعكس سلباً على إنتاج المخابز.

غياب الاتحاد

الثابت أن أزمة الخبز ليست نابعة فقط من عدم حصول المخابز على حصتها الكاملة فحسب، بل إن غياب اتحاد أصحاب المخابز كان له دور كبير في تفاقم الأزمة، حيث ظل الاتحاد يعلب أدوراً فعالة في الأزمات السابقة. ويبدو أن حل الاتحاد كان له أثر سالب، حيث غاب الصوت الذي يطالب بحقوق أصحاب المخابز، ويلفت الحكومة إلى أوجه القصور. ومعلوم أن اتحاد أصحاب المخابز تصدى في آخر أزمة، وأعلن بجرأة نادرة أن انعدام الخبز سببه عدم توفر التيار الكهربائي في المطاحن، وهو ما جعل وزراة الكهرباء ترد بخطوة عملية، مُعلنةً أن التيار متوفر للمطاحن على مدار اليوم.

هنا يقول مصدر باتحاد أصحاب المخابز لـ(الاحداث نيوز) إنهم كانوا يحسبون أن الأزمة والمشكلة في الدقيق بسبب الإمداد، ولكن امتدت الأزمة إلى أكثر من ثلاثة أسابيع ، منوهاً إلى أن ذلك يعني أن هنالك خلل جوهري، مؤكداً أن ارتفاع أسعار العملات الأجنبية يعد سبباً رئيسياً في ارتفاع أسعار الدقيق، لجهة أن المركزي يعطي سعر (30) جنيهاً لاستيراد القمح، في وقت وصل فيه سعر الدولار إلى (45) جنيها.

بدائل شخصية

مع تمدد أزمة الخبز لم تجد كثير من الأسر خياراً سوى اللجوء إلى الكسرة والقراصة والعصيدة، لكن غالبية تلك الأسر تشكو من ارتفاع سعر كيلو الدقيق من (18) إلى (25) جنيهاً. ولكن مع ذلك تجد الأسر نفسها مضطرة للمضي في هذا المجال، على اعتبار أن المخابز أصبحت لا تعطي أكثر من (20) عيشة.

معالجات حكومية

يخشى كثيرون داخل الحكومة من أن تتحول أزمة الخبز إلى “صداع” مزمن، خاصة أنها سلعة استراتيجية وأمنية، وربما هذا ما جعل الحكومة تسارع إلى إنهاء المشكلة، تحوطاً لأي رد فعل شعبي، على اعتبار ان الخبز عنصر غذائي مهم في كل أسرة. وكشفت متابعات (الأحداث نيوز) عن اتجاه قوي لزيادة أسعار الدقيق من (550) إلى أكثر من (700) جنيها، على الرغم من أن هذا التفكير لا يجد الإجماع داخل المؤتمر الوطني الحزب الحاكم، لكونه يقود لزيادات كبيرة في أسعار الخبز.

وأكدت مصادر أن سعر الخبز (4) قطع سيرتفع إلى (5) جنبهات بدلا عن (4) جنيها بواقع جنيه و(25) قرش لقطعة الخبز بدلا عن واحد جنيه.

الشاهد أن تلك الحلول الحكومية تثير حفيظة واستغراب كثيرين على اعتبار أن أسعار القمح عالمياً تشهد تراجعاً، حيث هبط سعر جوال الدقيق عالمياً إلى (20) جنيها مقارنة مع (45) جنيها للدولار ليصبح سعر الجوال بسعر الدولار بالسوق الموازي بأكثر من (900) جنيها، ما يجعل زيادة أسعار الدقيق والخبز أمراً واقعًا ، غير أن ذات المصادر أكدت أنه بالرغم من أن الدولة رفعت الدعم عن القمح إلا أن الرفع لم يكن كليا وأن الحكومة مازالت تدعم جوال القمح بواقع (100) جنيها ، حيث يبلغ سعر جوال الدقيق (650) جنيها وبعد الدعم تبيعه المطاحن بواقع (550) جنيها ، مشيرا أن الحكومة تدعم القمح الذي يتم استيراده بسعر الدولار (30) جنيها ، قاطعا بأن الزيادات الحالية في الدولار في حال حاولت الحكومة ان تدعم القمح فان تدخلها سيكون مخلاً، لجهة أن الدعم سيكون كبيراً، ويصل إلى أكثر من (300) جنيه على الجوال وعليه سيكون هنالك تهريب للدقيق، مؤكدا أن دعم الحكومة للقمح يتيح الباب واسعا لتهريبه لدول الجوار لجهة أن أسعار الدقيق بدول الجوار سيكون محفزاً للتهريب باعتبار أن الأسعار ستكون مغرية، فيما اذا حاولت عدم الدعم سيكون هنالك تسريب للدقيق من المخابز لاحتياجات أخرى في صناعة البسكويت والشعيرية والمعكرونة وغيرها من الصناعات التى يتم فيها استخدام الدقيق.

هيكلة الدعم

وشدد المصدر الذي تحدث لـ(الأحداث نيوز) مشترطاً حجب هويته، على أن الحل الأمثل لدعم الحكومة هيكلة الدعم بأن تدعم الأسر الفقيرة أو المستهدفة بزيادة في المرتبات، أو بأن يتم تخصيص بطاقات تموين لتوزيع الخبز، كما في كثيرٍ من الدول لضمان أن يصل الدعم لأصحابها والمعنين. وقطع المصدر بأنه كلما كان سعر الدقيق بالداخل قريبا من السعر العالمي فإن ذلك يمنع التهريب.

تكدس وزحام

الحكومة ليست وحدها التي تسعى إلى حل المشكلة، فقد كشفت متابعات (الاحداث نيوز) في عدد من مطاحن الدقيق، عن ازدحام وتكدس من قبل وكلاء الدقيق في سبيل الحصول على حصتهم، وتعالت أصوات الوكلاء وشكواهم من تراجع الحصص التي كانت تمنح لهم، مؤكدين على تأثير تراجع الدقيق في إنتاج الخبز.

وبدورها، بررت المطاحن تراجع الحصص وعدم عمل المطاحن بكفاءتها الكلية إلى القطوعات المتكررة في الكهرباءـ مع عدم توفر الجازولين لتشغيل المولدات، وكشف مصدر بإحدى المطاحن فضل حجب هويته لـ (الاحداث نيوز) أن قطوعات الكهرباء أثرت تاثيرًا كبيرًا في تراجع الحصص وإنتاج الدقيق بنسبة (50ــ 60) % من الطاقة التصميمية، مشيرين إلى أن ارتفاع أسعار الدولار له انعكاسات في الأسعار، غير أن المطاحن لم تزد أسعار الدقيق بعد ومازالت تسلم الوكلاء بسعر (550) جنيها للجوال.

مدخلات الإنتاج

ربما لم يتفاعل الناس والخبراء معاً، بمثلما تفاعلوا مع أزمة الخبز هذه المرة، وهو ما جعلهم يبحثون عن مبررات لإنعدام الخبز. هنا يقول رئيس اتحاد المخابز السابق عبد الرؤوف مصطفى إن ارتفاع أسعار المنتجات ومدخلات صناعة الخبز الأخرى بشكل كبير من شأنه أن يزيد من أسعار الخبز، مؤكداً أن المدخلات الأخرى من (خميرة ، غاز وعمالة) زادت عشرات الأضعاف.

وقال عبد الرؤوف لفضائية النيل الأزرق، إن الدقيق كان يمثل نسبة 70% من تكلفة الإنتاج وبقية المدخلات 30% لكن في الآونة الأخيرة اصبح العكس الدقيق 30% وبقية المدخلات الاخرى 70%، مقرا بأن قطوعات الكهرباء وعدم توفر الجازولين اثر على صناعة الخبز، مؤكداً على التزام أصحاب المخابز بأسعار الخبز بواقع واحد جنيه .

حلول جديدة

وفي محاولة لمجاراة تطورات الأوضاع داخل المخابز، انخرطت الحكومة في اجتماعات مكثفة بغية إنهاء أزمة الخبز، حيث شهد يوم الأحد، اجتماعاً عاصفاً، ضم الجهات ذات الصلة بقضية دقيق الخبز في البلاد، حيث تم التشاور حول خلفيات الأسباب التي أدت إلى أزمة الخبز الحادة التي أطلت برأسها منذ أيام. وضم الاجتماع كلا من وزير الدولة بالمالية طارق شلبي والإدارة العليا للأمن الاقتصادي وممثلين لأصحاب المطاحن بالبلاد، وبعد نقاش مستفيض تم التوصل إلى اتفاق تم بموجبه موافقة وزارة المالية الاتحادية على زيادة الدعم الحكومي لجوال الدقيق من 150 جنيهاً الى 242 جنيهاً .

وطبقاً لصحيفة (مصادر) فقد جاء هذا الدعم كحل وسط، فقد كانت المطاحن تطالب برفع الدعم إلى500 جنيهاً، ووفقاً لهذا الاتفاق فقد تم إلزام المطاحن بتوفير نسب معينة من جوالات الدقيق يومياً لمنافذ البيع والتوزيع بالعاصمة .

بحسب الصحيفة، سوف تنتج شركة (سين) للغلال 50 ألف جوال وشركة (ويتا) 20 ألف جوال، وشركة (سيقا) 10 ألف جوال ومطاحن (الحمامة) 5 ألاف جوال و(روتانا) 3 ألف جوال دقيق يومياً، لمقابلة حاجة البلاد اليومية من الدقيق والتي تبلغ 90 ألف جوال يومياً.

الاحداث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.