مواطن “كسلاوي” يحكي بسرد شيّق ومؤثر قصة إصابته بداء “الكنكشة”
“يوميات مكنكش” تحت هذا العنوان، حكى المواطن الكسلاوي الأستاذ ” أحمد حامد سعيد” بسرد شيق ومؤثر
قصة إصابته بحمى ” الشيكونغونيا” أو ماتُسمى محلياً بالـ” الكنكشة” التي إجتاحت منطقة كسلا شرقي السودان مؤخراً، وقد حكى “سعيد” بحسب مانقل محرر “كوش نيوز” قائلاً :
قبل عيد الأضحى المبارك، سمعنا ببداية المرض ولانشغالي بالعيد لم أعط الموضوع اهتماماً كبيراً.
ولكن بمجرد عودتي من رحلتي إلى منطقة “ودالحليو” عقب العيد، اشتريت أربع علب “بيرسول بف باف” لمكافحة البعوض والحشرات ، كما اشتريت بخور البعوض “ريد”، وكذلك الكريم “سوفت”، وكلفت بعدها عاملاً لملئ “البركة” التي أمام منزلنا بالزيت المحروق، وذلك للقضاء على البعوض تماماً.
بدأت وزارة الصحة الولائية، في التوعية فقمنا بإراقة مياه الأزيار، وأي وعاء يتوقع أن يتوالد فيه البعوض، وبدأت حملات إصحاح البيئة التي شاركت فيها كل الفعاليات الخدمة المدنية والجيش والامن والشرطة.
وبرغم هذه الجهود كان الناس حولنا يتساقطون كجنود في معركة، يتمترس العدو في موقع استراتيجي مُحَصن، فيصطاد كل من يمر أمامه.
البعوضة التي تنقل المرض بعوضة نهارية والنهار فيه معاش الناس، فيمكن أن تصاب في السوق أو المسجد أو الفرن أو القهوة او اي مكان خلال تجوالك، فليست العبرة بنظافة بيتك فقط .
صارت الأيام تمضي والسؤال عن الحال يتردد
كَنكشت ولا لسه ؟ ، وكأن الكنكشة واجب “خدمة وطنية” سيأتيك مهما فعلت، وكما أطلق عليها الناس “كان ماجيتك مانسيتك”
وبالفعل لأكثر من عشرين يوماً يسقط كل يوم صديق أو قريب أو جار أو زميل، وكأن البعوضة لديها خطة مُحكمة، بدأت بغرب المدينة ثم شرقها !
ويواصل “أحمد حامد” في سرده قائلاً :
في يوم ما وفي “قهوة الاشراق” التي إرتادها عادة، اذ ببعوضة كما يوصفوها تلسعني، أسقط في يدي وتصرفت بغضب، وقتلتها راودتني شكوك بأنها قد نقلت إلى جسمي المرض .
وبالفعل بعد خمسة أيام أصبت بالداء اللعين الذي يسمونه علميا “شيكونغونيا” ومحلياً “الكنكشة” أو “أمر قبض” .
وقت مداهمة المرض لجسدي، لم يكن وقتاً جيداً، ففي تمام الساعة الثالثة صباحاً استيقظت لأجد حُمى شديدة لم أعرفها في نفسي من قبل، حاولت التحرك لأخذ مسكن بندول، لحين أن يدركني الصباح وأذهب إلى الطبيب، أم محمد وابناؤها نائمون.
حاولت أن أنهض وجدت أن أرجلي لاتستطيع حملي، فسقطت علي السرير، وهنا احست زوجتي بشئ، واستيقظت مفزوعة، طلبت بندول أعطتني ولكن لم تنخفض الحمى،
عندما حان وقت صلاة الفجر، اسندوني هي وإبني محمد للذهاب إلى الحمام ورششت على جسمي ماءً بارداً خفف وطأتها عني قليلاً .
كان اليوم جمعة، وكانت لي حقنة “فلتركس” احتياطي، وبرغم تحذير الأطباء بخطورتها وتسببها في حالات تكسر الصفائح، ولكني اخذتها مرغماً لتخفيف الألم، ارتحت قليلاً.
مضى يومي كله بالاسناد والمساعدة، ذهبت إلى الطبيب وتأكد انها “الكنكشة” وذلك بفحص الملاريا وcbc وهو فحص الدم كاملاً وحمدت الله على ما ابتلاني به وتوكلت عليه وبدأت في تناول العصائر بكميات لم أتناول مثلها من قبل، كما شرعت في تناول الغذاء الجيد، وأنا أحاول مقاومة عدم تقبل معدتي له.
أهلي جميعاً، أصابهم الهلع، الذين هم داخل مدينتي كسلا أو خارجها، القلق سيد الموقف فالمرض جديد وبعض الناشطين، يتحدثون عن الموت، والإعلام الحكومي يؤكد انه لاموت بالكنكشة.
ومع كل هذا التوتر منعتني “الكنكشة” من إكمال إمتحان الماجستير، والتغيب عن عملي لخمسة أيام.
اليوم الاول كنت متعباً جداً، والثاني لايقل عنه ولكن الثالث أفضل والرابع حالة مستقرة و اليوم الخامس انتهى بخروج “الكنكشة ” حيث لم يطب لها المقام، لانني استخدمت دواء لمقاومتها جعلها تهرب من جسدي، أكلت شطة خضراء بكميات حتي انني كنت أبلعها بلع داخل اللقمة كي لاتؤثر بحرارة فمي، كما اكلت الثوم بعد تقشيره وتقطيعه بأسناني مع شرائح من الطماطم، يبدو أن الجرثومة آثرت الخروج بأقل خسائر.
غداً بإذن الله ساواصل عملي والحق بماتبقي من إمتحاناتي، ولا أدري أكنت محسوباً في العشرة آلاف مصاب الذين رصددتهم الحكومة أم التسعون الفاً الذين رصدتهم المعارضة!.
أبومهند العيسابي
الخرطوم (كوش نيوز)