تسونامي بالخرطوم..محاكمة (سودانية 24).. إلى أين ستنتهي القضية؟

تسونامي بالخرطوم..محاكمة (سودانية 24).. إلى أين ستنتهي القضية؟

مزمل فقيري: هدف مقدم البرنامج هدم ثوابت الدين
محمد علي الجزولي: تناول القضية لم يخلُ من الغرض والبرنامج لم يكن محايداً
بضع ساعات فصلت بين بث حلقة برنامج “شباب توك” من قبل قناة دويتشة فيله- القسم العربي، التي قدمها الإعلامي جعفر عبد الكريم، حول ماذا تريد المرأة السودانية اليوم؟ وبين عاصفة الانتقادات التي كادت أن تعصف حتى بمقياس سفير- سمبسون للأعاصير، في قناة (سودانية 24) لتأخذ الحلقة بعدًا دينيًا، بعد أن أثارت جدلًا اجتماعيًا خلال الأيام الماضية، بسبب انتقادات الفتاة “وئام شوقي” لرئيس هيئة علماء السودان، محمد عثمان صالح، بشأن لباسها وحريتها في المجتمع. لم يقف الجدل الديني على منابر خطبة الجمعة الماضية لكبار الدعاة في العاصمة الخرطوم وغيرها من المدن عند هذا الحد، فتحول إلى مجالس المدينة والريف، بعد أن انهالت أقلام كبار الإعلاميين بالنقد على تصرف تلك الشابة، لتعلو أصوات منادية بإغلاق القناة الشريكة وأخرى ترى محاسبة القائمين على البرنامج وفق اللوائح والقوانين المنظمة للعمل الإعلامي. وقُبيل أن تتعالى اللجج قال الحزب الحاكم إنه يرفض إغلاق (سودانية 24)، على خلفية بث الحلقة المثيرة للجدل.

(1)

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالفيديو الذي يُظهر فتيات يتحدثن عن التحرش والزي الفاضح من بينهن الناشطة، وئام شوقي، وأخريات أثناء ردهن على رئيس هيئة علماء السودان محمد عثمان صالح، الذي كان ضيفاً على برنامج شباب توك الذي تبثه قناة DW التلفزيون الألماني القسم العربي، وحديثه عن أن الزي الفاضح هو السبب الرئيسي في التحرش، ذلك ما أعقبته عاصفة من النقد وموجة أخرى مضادة قادها مدافعون عن رأي الفتاة، وبعد أن تعالت الأصوات الداعية لإغلاق القناة من قبل رواد بالسوشيال ميديا في ظل صمت من قبل الجهات الرسمية، قالت القناة في بيان لها إنها لا علاقة لسودانية 24 من قريب أو بعيد، بمحتوى برنامج شباب توك، ولم تبث الحلقة على شاشتها، أو على المنصات التابعة لها (على اليوتيوب أو وسائط التواصل الاجتماعي)، ولم يظهر شعار سودانية 24 عليها، ولا أحد مذيعيها طوال مدتها. ويبدو أن هذا التعليق لم يخفف حدة الموجة، فالداعية الذي يوصف بأنه مثير للجدل “مزمل فقيري”، يرى أن برنامج شباب توك استضاف بعض (البنات الشيوعيات) ليتناول عدة محاور في شكل غير جاد، واعتبر أن هدف مقدم البرنامج “هدم ثوابت الدين”. إلا أن محمد علي الجزولي، المنسق العام لتيار الأمة الواحدة، يرى أن الهجمة الشعواء التي وجهت للقناة غير مبررة، قائلاً: الناس أعطوا الموضوع أكبر من حجمه، وقال في حديثه لـ(الصحيفة) إنه لا يؤيد الأصوات المنادية بإغلاق القناة، داعياً الجهات المختصة للجلوس مع إدارة القناة لمراجعة برامجها وتقييدها بقيم المجتمع دون الخروج عنها، وتابع بالقول: “القائمون على أمر القناة يتقبلون النقد، ذلك ما جعلهم يستفيدون منه”. ولم يكتفِ الداعية الجزولي بذلك بل قال إن تناول القضية من قبل الإعلام لم يخلُ من غرض، قائلاً: “الإعلام كان صاحب غرض ولم يكن محايداً، حيث لم يسلط الضوء على حديث “أماني صلاح”، التي أدلت بإفادات داخل نفس الحلقة دافعت فيها عن القيم السودانية وهوية بلادها.

(2)

الرجل الذي كان على دائرة ضوء الحلقة، رئيس هيئة علماء السودان محمد عثمان صالح، لم يكتفِ بالتصريح المقتضب الذي أبدى فيه امتعاضه مما وصفه حملة حين غرة إلى شرك عاود حملته ضد قناة سودانية 24 وبرنامج شباب توك، الذي بثته قناة دويتشة فيله- بعد تعرضه لهجوم وانتقاد من قبل مجموعة فتيات ونساء سودانيات شاركن معه في البرنامج من بينهن الناشطة، وئام شوقي. ودعا رئيس هيئة علماء السودان محمد عثمان صالح، وزارة الإعلام والجهات المسؤولة في الدولة للانتباه لمشاركات القنوات السودانية مع قنوات معادية للسودان، واعتبر مشاركة قنوات أجنبية معادية أخطر من حاملي السلاح. وقال صالح، بحسب صحيفة المجهر، إن الغرض من البرنامج هو إظهار السودان باعتبار أنه قامع لحريات الناس وحرية المرأة على وجه الخصوص، بل إن الأمر تجاوز إلى أن الإسلام لم يعطِ المرأة حقوقها. وأضاف: “الهدف الآخر من وراء البرنامج هو الترويج لاتفاقية سيداو، والمطلوب من السودان هو الدخول تحت رعاية ومظلة الجهات المعادية للإسلام”، ودعا إلى ضبط القنوات الخارجية عندما تأتي للسودان، حتى لا تقوم بتشويه صورته في الخارج.

(3)

وحين لا تزال مواقع التواصل الاجتماعي تضج بمقطع فيديو للحلقة المثيرة للجدل، وانقسام روادها ما بين مُؤيِّدين لأفكارها ومجموعات رافضة، وجهت عدد من الأقلام انتقادات لاذعة للبرنامج، حيث وصف الكاتب الصحفي ذائع الصيت الأستاذ “الهندي عز الدين” في صدر مقاله “شهادتي لله” بأخيرة صحيفة المجهر السياسي، القضية بـ(جريمة سودانية 24)، متناولاً الموضوع في ثلاث حلقات، ويقول عز الدين “توجيه الحلقة واضح من الترويج لها ومدخلها وضيفاتها، فحتى عندما اعترضت شابة اسمها (أماني صلاح) على الادعاء بكبت المرأة في السودان وانتشار التحرش في المجتمع قائلة: (نحنا عندنا حرية في السودان والبت المحترمة ما بتحرشوا بيها)، كبتها المذيع ووجّه المايكروفون إلى أخرى يسارية النزعة لتخالفها بعنف وجلافة، ثم إنه لم يروّج لهذا المشهد الوحيد الناسف لفكرة البرنامج، ما يؤكد عدم مهنية الإعداد والتقديم. وختم مقاله بمطالبة ساقها لمجلس إدارة القناة الذي يرأسه السيد وجدي ميرغني – رجل الأعمال المعروف، بمحاسبة إدارة القناة. ويقول الإعلامي ذائع الصيت “فليس هذا البرنامج وحده، بل إن النهج الإعلامي العام للقناة منذ انطلاقتها ينحو قريباً من رؤية (شباب توك) التحررية، الرافضة لثوابت المجتمع”.

(4)

وحسب رئيس القطاع الإعلامي بالحزب الحاكم، د.إبراهيم الصديق، فالاتجاه السائد يسير نحو تطبيق القوانين واللوائح على القناة، معلناً رفض الحزب للأصوات المنادية بإغلاقها بعد أن أثار البرنامج موجة من الجدل الكثيف في المجتمع، بسبب حديث عن حقوق المرأة والتحرش بالنساء وقانون النظام العام. وأفصح رئيس القطاع الإعلامي بالحزب د.إبراهيم الصديق في تصريحات صحفية، عن اتجاه الحزب للمطالبة بسن قانون إطاري لتنظيم عملية البث الفضائي والإذاعي أسوة بقانون الصحافة. وقال الصديق إن إغلاق القناة اتجاه غير مناسب، لجهة أن المسألة إجرائية. وأضاف (المسألة إجرائية ولا تتطلب موقفاً سياسياً، لأن المصداقية أهم حاجة). ويرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، الجميل الفاضل، أن خطوة الحزب الحاكم بذلك ستكون موفقة حين أعلن عدم التفاته للأصوات المنادية بإغلاق القناة، ويقول الجميل إن الارتباطات المتعلقة بالسوشيال ميديا خلقت بوناً واسعاً بين الأجيال، داعياً لإتاحة مزيد من الحريات من أجل مناقشة قضايا الشباب وليس التعتيم عليها. ووصف الوضع الدائر الآن بالطبيعي، معللاً ذلك بتأثر الجيل الحالي بالثقافات الواردة والتي بدورها أثرت على التقاليد والإرث خاصة في مفاهيم الجندر.

(5)

في العاصمة الخرطوم وغيرها من المدن لم تخلُ المنابر والتجمعات فيها من مناقشة الموضوع، ليس ذلك وحسب بل وُجه هجوم حاد على شخص مقدم البرنامج، جعفر عبد الكريم، وبرزت أصوات تدعو عبد الكريم إلى النقاش والحوار لمقارعة الفكرة التي يحملها. وخصصت المؤسسة الشبابية للإنتاج الإعلامي ندوة خاصة للحديث عن “الرؤية والنظريات في مفهوم الحريات”، تناولت الحلقة مثار الجدل، وأدان “نعمان عبد الحليم” الهجوم الذي تعرضت له سودانية 24 وقال “إنها لا تستحق أن تهاجم، لأنها أتاحت فرصاً وأصبحت منبراً للشباب”، في وقت وجه انتقادات للأفكار التي حملها عدد من الشباب بالحلقة، ويقول “غسان علي عثمان” إن التأثير الواقع على مفهوم الحريات ليس حديثاً، وإن معالجة قضايا الشباب تتطلب حلولاً عن طريق حوارات عميقة يديرها مختصون تخلص إلى التأثر الإيجابي، في إشارة منه إلى أن ذلك يتطلب فتح مزيد من المنابر. وفي خضم الجدل الدائر حول الحلقة وعلاقة سودانية 24 بها بعد أن أثارت جدلًا واسعًا في الشارع السوداني حول المشاركة ذاتها ومستوى الحوار فيها، يبقى السؤال دائراً: إلى ماذا ستنتهي محاكمة سودانية 24 الإسفيرية؟.

الخرطوم – مهند بكري – مصادر


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.