“مدى الحياة”… التشبث بالكرسي دَيدن معظم الرؤساء العرب!
التمسك بتلابيب الحكم والتشبث بكرسيه حتى آخر نفس ظاهرة عربية تنتعش هذه الأيام بعد كل الظن أنها أصبحت من الماضي. ما المسوغات التي يسوقها مروجوها؟ وما تبعاتها على الديمقراطية والتنمية السياسية وفكرة التداول السلمي للسلطة؟
نجح “الربيع العربي” في إنهاء حلم كان يراود العديد من الرؤساء العرب: التوريث. إلا أن ظاهرة أخرى، تعود لزمن ما قبل “الربيع العربي”، عادت لتطل برأسها من جديد: تأبيد الرئاسة. آخر الأخبار في هذا الصدد جاءت من مصر، حيث قال علي عبد العال رئيس مجلس النواب المصري إن اللجنة العامة بالمجلس وافقت على تعديلات دستورية اقترحها نواب الأغلبية. وحسب مصادر إعلامية فإن هذه التعديلات تسمح للرئيس عبد الفتاح السيسي بالبقاء في السلطة لما يصل إلى 12 عاماً بعد ولايته الحالية، أي إلى عام 2034.
“الربيع العربي” أم “الفوضى العربية”؟
يقول أنصار السيسي إن تمديد ولايته ضروري لإتاحة المزيد من الوقت أمامه لتنفيذ خطط التنمية الاقتصادية وضمان استقرار البلاد. وقال المحامي أيمن عبد الحكيم “هو بيعمل مشاريع كثيرة والناس بتحاربه من كل ناحية”. ورفع عبد الحكيم دعوى قضائية مع 300 من أنصار السيسي في كانون الأول/ديسمبر تطالب بأن يناقش البرلمان القيد الذي يحدد فترات الرئاسة باثنتين ويبحث تغييره. وانتُخب السيسي رئيساً عام 2014، وأُعيد انتخاب قائد الجيش ووزير الدفاع السابق لأربع سنوات أخرى العام الماضي.
خبير العلاقات الدولية في الأهرام الدولي، أيمن سمير، يؤكد في حوار مع DW عربية على أن تعديل الدستور “ضرورة ملحة للغاية”، ويفسر ذلك بأن مصر نجت بأعجوبة من آثار الفوضى التي أصابت كل البلدان العربية جراء ما أطلق عليه “الفوضى العربية”، وما يسميه غيره “الربيع العربي”. ويضيف الخبير المصري أنه ومنذ مجيء السيسي (63 عاماً) للحكم “تم وضع حد للعمليات الإرهابية وتراجعت البطالة وبالمثل العجز في الميزانية وارتفعت معدلات النمو”. ويبرر التعديلات بأنها تأتي لإتاحة الفرصة للسيسي “للمضي قدماً في الحفاظ على الإنجازات ومراكمة النجاحات وتحقيق مزيداً من الاستقرار”.
أستاذ القانون الدستوري بجامعة تونس، جوهر بن مبارك، يرجع في حوار خاص مع DW عربية السبب الحقيقي لعودة فكرة “تأبيد” الرئاسة إلى عدم دخول البلدان العربية إلى ما أسماه “عصر الحداثة السياسية” وبقائها مسكونة بالفكر “السلطاني” وفكر “القائد الواحد”، مضيفاً أن ذلك ينسحب على النخب وعلى الشارع أيضاً.
“الكل في التأبيد عرب”
في الثاني من شباط/فبراير الجاري، رشحت أحزاب التحالف الرئاسي بالجزائر عبد العزيز بوتفليقة (81 عاماً) للانتخابات الرئاسية المقررة في 18 نيسان/أبريل، في خطوة تسبق على الأرجح تقديم بوتفليقة ترشيحه شخصياً. وجاء في بيان صدر بعد اجتماع قادة أربعة تشكيلات سياسية “إن أحزاب التحالف الرئاسي ترشح المجاهد عبد العزيز بوتفليقة للانتخابات الرئاسية المقبلة، تقديراً لسداد حكمة خياراته وتثميناً للإنجازات الهامة التي حققتها الجزائر تحت قيادته الرشيدة واستكمالاً لبرنامج الإصلاحات” التي بدأها.
ولم يعلن بوتفليقة، الذي يحكم الجزائر منذ عام 1999 ويستخدم كرسياً متحركاً للتنقل ونادراً ما شوهد علناً منذ تعرضه لجلطة في الدماغ عام 2013، إلى الآن قراره بالترشح. إلا أنه بالنسبة للأمين العام لحزب التّجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى “لا يوجد أي شك” بخصوص ترشحه، كما أكد في وقت سابق خلال مؤتمر صحافي.
وقبل أسبوع وفي تونس الخضراء، قال رئيس كتلة حزب حركة نداء تونس في البرلمان سفيان طوبال إن الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي (92 عاماً) يحظى بالأولوية من قبل الحزب لترشيحه إلى ولاية رئاسية ثانية في 2019 “إذا ما كانت له أي نية لذلك (…) مقترحنا اليوم (في الحزب) في ظل ما تعيشه البلاد أنه لا يمكن أن يكون على رأس الدولة سوى الباجي قايد السبسي”.
ومن جهته وحتى الآن لم يعلن السبسي عن نيته رسمياً خوض السباق الرئاسي من أجل ولاية ثانية غير أنه ترك الباب مفتوحاً لذلك. جوهر بن مبارك، رئيس “شبكة دستورنا”، يؤكد على “خصوصية” التجربة التونسية: “التجربة الديمقراطية في تونس صمدت وتتجذر مع مرور الوقت”. ويذهب إلى أنه: “على عكس الحال في باقي الجمهوريات العربية، الرئيس السبسي منتخب من الشعب في انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية، وإن عاد ورشح نفسه الشعب هو من له الكلمة”. ويرجّح الأستاذ الجامعي التونسي عدم نجاح الرئيس السبسي في حال رشح نفسه، وهذا هو السبب الذي قد يدفعه لعدم الترشح. والجدير ذكره أن تونس هي من بدأت “سنة” تأبيد الرئاسة، عندما عُدل الدستور في عام 1975 بما يسمح ببقاء الرئيس التونسي حبيب بورقيبة رئيساَ مدى الحياة.
وفي السودان لم تثنِ الاحتجاجات الرئيس عمر حسن البشير الذي تولى السلطة بانقلاب مدعوم من الإسلاميين في عام 1989 عن الترشح لولاية ثالثة. ففي الثالث من شباط/فبراير الجاري نفي القيادي بالمؤتمر الوطني السوداني عباس عبد السخي وجود أي اتجاه داخل الحزب لعدم إعادة ترشيح رئيس الجمهورية البشير (75 عاماً) في الانتخابات المقررة العام المقبل على خلفية اتساع حدة الاحتجاجات التي تطالب بتنحي الرئيس.
أما في سوريا، التي تشهد حرباً ضارية منذ 2011 أوقعت أكثر من 350 ألف قتيل وأسفرت عن ملايين النازحين واللاجئين، فقد كان، وما يزال، مصير الرئيس بشار الأسد (53 عاماً) عقدة المنشار التي تواجه أي جهود لحل الملف سياسياً. وشهدت البلاد أول “انتخابات” رئاسية في عام 2014. ومنذ عام 1971 وحتى 2014 كان يجري استفتاء على منصب الرئيس، الذي بقي فيه حافظ الأسد حتى وفاته في عام 2000 ثم نجح الأسد الابن بالاحتفاظ به حتى اليوم. وتنتهي الولاية الحالية للأسد في عام 2021.
موقف الغرب؟
رئيس تحرير صحيفة السياسة المصرية، أيمن سمير، يرى أن “الغرب لا يريد معاودة التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، بعد أن عاد عليه ذلك بالوبال: وصول الإرهاب إلى أوروبا وموجات اللاجئين”. وأضاف أن الغرب يدعم الوضع القائم في البلدان العربية، مستشهداً بزيارتي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمصر قبل أسبوع ووزير الاقتصاد الألماني المقرب من المستشارة أنغيلا ميركل على رأس وفد اقتصادي كبير.
أما جوهر بن مبارك فيذهب إلى أن السياسات الغربية تجاه المنطقة العربية “يغلب عليها الواقعية ولغة المصالح، لا القيم والمبادئ. ومن جهة أخرى فهم الغرب أن التغيير يجب أن يأتي من الداخل ومن الشعوب تحديداً وأن تغيير عقليتها يحتاج لوقت طويل”.
ولكن هل من تأثيرات لتأبيد السلطة على الديمقراطية كمفهوم وممارسة في العالم العربي؟ المحلل السياسي المصري أيمن سمير لا يرى فيها أي خطر لها على الديمقراطية: “الشعب له الكلمة الأخيرة وهو من سيقرر من يحكمه ما دام السيسي أو بوتفليقة لن يدخلا الانتخابات وحدهما”. أما المحلل السياسي التونسي جوهر بن مبارك فيجزم بـأنها مدمرة: “تأبيد الرئاسة تضرب مفهوم سيادة الشعب وتزور إرادته وتحول الانتخابات لعملية شكلية”.
خالد سلامة -DW