الانكماش ونيران الأسعار وشح الدولار تفاقم الأزمات في السودان
بين انكماشٍ قد يصل إلى مستوى ثمانية في المئة خلال العام الحالي، وتراجع مستمر في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، إضافة إلى نيران التضخم وارتفاعات الأسعار، تقف الحكومة السودانية أمام كثير من الأزمات التي تتفاقم بمرور الوقت.
وخلال الفترة الماضية، أضافت جائحة فيروس كورونا أزمة جديدة، مع استمرار شح الدولار، وحاجة الحكومة إلى التوسّع في الإنفاق على القطاع الصحي، لتجاوز مخاطر الجائحة، وسط إحجام دولي عن توفير تمويلات عاجلة سواء من خلال قروض من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، إذ تحتاج الحكومة السودانية إلى ما يُقدّر بنحو 1.9 مليار دولار، لتغطية برنامج المدفوعات النقدية للأسر الفقيرة.
في سوق الصرف، ارتفع سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني، وفي السوق الموازية غير الرسمية “السوداء”، ليبلغ في المتوسط نحو 144 جنيهاً، وسط توقعات بأن يلامس سعر 145 جنيهاً خلال الساعات المقبلة، حسب متعاملين.
لكن، في السوق الرسمية يقف سعر صرف الدولار عند مستوى 62 جنيهاً. ومقابل الجنيه السوداني، بلغ سعر صرف اليورو أكثر من 160 جنيهاً، بينما يبلغ سعر الجنيه الإسترليني مستوى 187 جنيهاً.
ويعاني الجنيه السوداني تدهوراً أمام العملات الأجنبية. كما يشهد السودان أزمات في الخبز والوقود وغاز الطهي، نتيجة شحّ موارد النقد الأجنبي للاستيراد. وقالت الحكومة إن الإيرادات العامة للدولة انخفضت نحو 200 مليار جنيه (3.225 مليار دولار)، نتيجة تداعيات انتشار فيروس كورونا، وأعلنت أنها ستلجأ إلى الاستدانة من الجهاز المصرفي، إضافة إلى الدعم المقدَّم من أصدقاء السودان.
ندرة الخبز وارتفاع جنوني في أسعار السلع
خلال الفترة الماضية ومع استمرار شحّ الدولار، ارتفعت معظم أسعار السلع والخدمات بصورة كبيرة، بالتزامن مع ندرة في السلع المهمة والاستراتيجية. ويعاني الشعب السوداني ندرة الخبز المدعوم في معظم الولايات السودانية، مع ارتفاع جنوني في أسعار السلع الاستهلاكية، وكذلك انقطاع الكهرباء ساعات طويلة، بسبب النقص الشديد في إمدادات الوقود، إضافة إلى تهالك وسائل حركة المواصلات العامة في مختلف المدن السودانية، وكذلك تدهور غير مسبوق في الخدمات الصحية ونقص الدواء.
وفي بيان، أعلنت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي أن السودان يبدأ تطبيق برنامج استثنائي لحل مشكلات الاقتصاد، وإن التوصّل إلى حلول جذرية للأزمات الاقتصادية العميقة التي تواجه الشعب السوداني هي الأولوية القصوى لحكومة السودان الانتقالية.
وذكرت أن الأزمات الاقتصادية الهيكلية التي تواجه السودان أسفرت عن ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض دخل المواطنين وزيادة الفقر، وجعلت الاقتصاد يعاني عجزاً تجاريّاً وضريبيّاً هائلاً، خصوصاً بعد جائحة كورونا، التي جعلت الوضع أكثر سوءاً. وقد انكمش الاقتصاد السوداني 2.5 في المئة خلال العام 2019، ومن المتوقع أن ينكمش ثمانية في المئة بنهاية العام الحالي، بسبب استمرار تداعيات جائحة فيروس كورونا.
وتسبب الاعتماد على الاقتراض في أن يبلغ مستوى الدين الخارجي للسودان مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي نحو 190 في المئة، وهو من بين أعلى المعدلات في العالم، ما يمنع السودان من الانتفاع من التمويل الدولي للمشروعات الإنتاجية والتنموية.
وأشارت وزارة المالية إلى أن علاج مثل هذه المشكلات المستفحلة في الاقتصاد السوداني سوف يكون صعباً للغاية، خصوصاً في المرحلة الأولى، لكنه ضروري جدّاً لاستقرار الاقتصاد، وتحقيق متطلبات ثورة ديسمبر (كانون الأول).
وقبل أيام، توصّلت الحكومة الانتقالية مع صندوق النقد الدولي إلى برنامج اقتصادي، لمعالجة التشوّهات الهيكلية في الاقتصاد السوداني بطريقة جذرية، وسيدعم البرنامج جهود الحكومة الانتقالية، لتثبيت الأسعار الأساسية، بما فيها سعر الصرف بطريقة تدريجية.
تضخم قياسي وبرامج دعم نقدي
وتشير البيانات الرسمية إلى ارتفاع معدّل التضخم السنوي في السودان إلى مستوى 136.36 في المئة خلال يونيو (حزيران) الماضي، بسبب الارتفاع المستمر في أسعار الغذاء والوقود. وفي مايو (أيار) الماضي، تجاوز معدل التضخم السنوي مئة في المئة، إذ عمدت الحكومة إلى طبع النقود لتمويل دعم الخبز والوقود.
وتكافح الحكومة الانتقالية لبدء إصلاحات اقتصادية، لوقف تراجع الجنيه السوداني في السوق السوداء التي تدفع التضخم إلى الارتفاع، نظراً إلى قلة المنتجات السودانية واعتماد البلد على الواردات.
الاقتصاد السوداني بين كماشة الركود وتحدي الإصلاح الهيكلي
وأطلقت الحكومة السودانية برنامج دعم نقدي في أحدث حلقة من حلقات معالجة الاختلالات في التوازنات المالية للدولة. ويتوقع أن يستفيد منه الملايين من سكان البلاد البالغ عددهم نحو 42 مليوناً، كجزء من خطة إصلاح اقتصادي، خصوصاً في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية وزيادة معدل التضخم وتراجع قيمة العملة المحلية.
وكانت تعهّدت عدة دول منح السودان 1.8 مليار دولار في مؤتمر استضافته ألمانيا أواخر الشهر الماضي، لمساعدته في التغلب على أزمة اقتصادية تعيق انتقاله إلى الديمقراطية بعد إطاحة نظام البشير.
يذكر أن معدلات التضخم في السودان ارتفعت في الأعوام الماضية مدفوعة بأسعار الغذاء والمشروبات والسوق السوداء للدولار الأميركي، الذي كان أحد عوامل إطاحة الرئيس السابق عمر البشير العام الماضي.
وأرجع الجهاز المركزي للإحصاء في السودان، ارتفاع التضخم إلى قفز أسعار جميع مكونات مجموعة الأغذية والمشروبات، كأسعار الخبز والحبوب والبقوليات واللبن الطازج والمسحوق والجبن والبيض والشاي، إضافة إلى ارتفاع مجموعة النقل، وذلك لارتفاع أسعار الوقود، بالتالي ارتفاع أسعار تذاكر المواصلات الداخلية ومجموعة السكن نسبة لارتفاع أسعار غاز الطهي، والفحم الحجري وفحم الوقود، ومجموعة الترويح والثقافة لارتفاع أسعار المعدات السمعية والبصرية ومعدات التصوير وتجهيز المعلومات، كالحواسيب الشخصية.
وقال إن معدل التضخم في المناطق الحضرية سجّل نسبة 112.41 في المئة ليونيو (حزيران)، بينما كان 96.93 في المئة خلال مايو الماضي. وسجّل معدل التضخم في المناطق الريفية 155.1 في المئة ليونيو، بينما كان 127.38 في المئة خلال مايو 2020.
وبدأت الحكومة السودانية في مايو الماضي تطبيق زيادة الأجور للعاملين في الدولة، بنسبة بلغت 569 في المئة، رغم ما تعانيه البلاد من ارتفاع معدلات التضخم، وعجز تمويل الموازنة العامة للدولة، في محاولة لمواكبة تغيرات الأسعار، وارتفاع نسب التضخم المتصاعدة في البلاد، وتدهور قيمة العملة الوطنية.
إندبندنت