هل تندلع الحرب بين إثيوبيا والسودان؟

تصاعد التوتر بين السودان وإثيوبيا يثير مخاوف إقليمية ودولية بشأن إمكانية الانزلاق إلى مواجهات مسلحة واسعة النطاق أو حرب معلنة في المناطق الحدودية، خصوصاً أن 2020 شهد أكثر من احتكاك بين جيشي البلدين، وكان ضحاياه عناصر عسكرية من الجانب السوداني، بينما كان أول شهداء هذا العام نساء وأطفالاً مدنيين قضوا على يد عصابات الشفتة النشطة في منطقة الغضارف، التي يعتقد على نطاق واسع أنها مدعومة من الجيش الفيدرالي الإثيوبي، وأن هناك درجة ما من توظيفها في توصيل رسائل سياسية.

تحولات سد النهضة

على الرغم من تأكيد البلدين، على المستوى الرسمي، ضرورة احتواء التوتر، والزيارات المتبادلة التي يجريها المسؤولون العسكريون لهذا الغرض، والتزام السودان بغلق حدوده أمام العناصر العسكرية التيغرانية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فإن عدداً من المعطيات ربما تُسهم بالفعل في الانزلاق إلى الحرب، مرشحة للتأثير في المعادلتين الداخليتين للبلدين. ويمكن رصدها في الآتي:

أولاً، تفاعلات سد النهضة، التي شهدت تحولاً في الموقف السوداني من التحالف مع إثيوبيا ضد مصر وقت الرئيس المخلوع البشير إلى انتباه سوداني لمصالحه الإستراتيجية وطبيعة المخاطر المحيطة به، نتيجة ممارسة أديس أبابا عمليات ملء بحيرة السد بلا اتفاق، الخطوة التي أسهمت في انكشاف الخرطوم في محطات المياه وخروجها عن العمل، فضلاً عن التأِثيرات المتوقعة في سلامة سد الروصيرص من افتقاد التنسيق مع إثيوبيا.

والمشكلة الأساسية في التحول السوداني تكمن في قراءته من الجانب الإثيوبي على أنه “تحالف مع القاهرة ضد أديس أبابا”، خصوصاً أن مصر والسودان أجريا مناورات عسكرية بالمشاركة مع دول الخليج، استجابة للتحديات الأمنية في البحر الأحمر، ومن غير المتوقع في ضوء مكونات الذهنية الإثيوبية وطبيعتها غفران هذا التحول وقراءاته ضمن الضرورات السودانية.

الملف الحدودي

أما المعطى الثاني في إمكانية الانزلاق إلى حرب، إشكالية الحدود التي من المفترض أن تنظمها اتفاقية 1902 مع الجانب البريطاني، باعتباره وكيلاً عن القاهرة والخرطوم، والإمبراطور ملنيك الثاني، التي اقتطعت من السودان إقليم بني شنقول لصالح إثيوبيا، مقابل عدم إنشاء أي سدود على نهر النيل، والتي لم تلتزم بها أديس أبابا، حالياً، إذ أقامت سد النهضة في الإقليم ذاته، حيث نشأت مطالبات سودانية بالأحقية فيه على المستوى غير الرسمي.

في المقابل، تشكل منطقة القضارف سيولة في ملف الحدود بين البلدين، نظراً إلى تأثير قومية الأمهرة في صناعة القرار السياسي الإثيوبي، التي تعتقد بأحقيتها في مناطق من إقليم تيغراي ومنطقة الفشقة السودانية، وبالفعل أقدمت الأمهرة على رفع أعلام لها على مناطق التيغراي بعد نجاح الجيش الفيدرالي في اجتياح مناطقهم، وهو أمر يثير مخاوف السودان، خصوصاً أن خط الحدود طويل نسبياً لمسافة 744 كيلومتراً.

الملف الحدودي، طُرح أكثر من مرة بين البلدين، فبعد الحرب الإريترية الإثيوبية التي انتهت عام 2000، حاولا الاتفاق على النقاط الحدودية، حيث كانت الفشقة هي أصعب منطقة لتسوية الخلاف، فوفقاً للمعاهدات الدولية في 1902 و1907 تمتد الحدود الدولية إلى الشرق من الفشقة، لكن المعضلة أن الإثيوبيين يزرعونها وتمارس فيها أديس أبابا سلطات إدارية، الأمر الذي أسهم في صياغة اتفاق عام 2008.

واعترفت أديس أبابا بالحدود القانونية مقابل السماح لمواطنيها بالاستمرار في العيش هناك، لكن لأن وفدها في التسوية كان آبي تسيهاي، القيادي في جبهة تحرير شعب تيغراي وقتذاك، فإن الأمهرة حالياً يتحفظون عليها، بل دانوها ووصفوها بالصفقة السرية.

في هذا السياق برزت المخاوف السودانية، وطُرح الأمر للنقاش في قمة منظمة الإيجاد التي عقدت في جيبوتي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حيث أثار رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك الأمر مع نظيره الإثيوبي آبي أحمد.

تفاعل سياسي سلبي

والمعطى الثالث، خبرة التفاعل السياسي بين الدولتين في مراحل الخلاف سلبية، ذلك أن الخرطوم أسهمت بشكل فعّال في إنجاح التمرد على هيلا مريام منجستو، ودعم التيغراي في الوصول إلى الحكم، كما دعمت أديس أبابا الحركة الشعبية في جنوب السودان بزعامة جون جارانج.

وفي التسعينيات من القرن الماضي، ساند السودان الجماعات الإسلامية المتشددة، بينما دعمت إثيوبيا المعارضة السودانية. من هنا فإن السيولة الداخلية لكل منهما ترشح عودة هذا النوع من الدعم المتبادل للمعارضات، في ضوء أوضاع كل من التيغراي وإقليم أعالي النوبة السوداني.

بطبيعة الحال، من شأن أي تحرك من الخرطوم تجاه القاهرة، وهو أمر مرشح بقوة حالياً بين لحظة وأخرى نظراً لاحتياجات الجيش السوداني في هذه المرحلة على المستوى اللوجيستي، أن يثير حفيظة الإثيوبيين الذين يحاولون ممارسة ضغوط على كل دول القرن الأفريقي بشأن هذا النوع من التقارب، ذلك أن أديس أبابا تقرأ الفاعلية العسكرية للدفاع عن التراب الوطني السوداني وراءه فحسب دفع مصري! ولا تأخذ في الاعتبار الاستفزازات الإثيوبية.

مصالح الحرب

أما على مستوى المعادلات الداخلية للبلدين، فتوجد مصالح قد تدفع إلى الحرب. منها أن المكون العسكري السوداني يحتاج إلى دعم وزنه السياسي في هذه المرحلة، خصوصاً مع الضغوط الأميركية المتوقعة عليه من إدارة بايدن، لأنها سوف تكون معنية بدعم المدنيين في الخرطوم، ويثبته شروع الكونغرس في إصدار قانون من المفترض أن يجيزه مجلس الشيوخ قريباً بشأن ملكية المؤسسة العسكرية السودانية أكثر من ثلثي الهياكل الاقتصادية في البلاد طبقاً لتصريحات رئيس الوزراء عبد لله حمدوك بهذا الصدد.

في ما يخص الجانب الإثيوبي، فإن التحالفات السياسية الداخلية قد تجعل رئيس الوزراء آبي أحمد يندفع نحو اتخاذ قرار الحرب، في ضوء تحالفه مع قومية الأمهرة ثاني أكبر قومية في إثيوبيا، وفقدانه قواعد التأييد في قومية الأورومو الأولى، وتحت مظلة خسرانه المؤكد للتيغراي بعد حربه ضدهم.

قرار الحرب الإثيوبي ضد السودان قد ينعكس إيجاباً على حظوظ آبي أحمد الانتخابية، في سباق مقرر خلال مايو (أيار) المقبل، بعدما فقد الرجل كثيراً من الأوراق، لاعتقاله جوهر محمد منافسه السياسي، ولخوضه الحرب ضد التيغراي.

وعلى مستوى آخر، فإن إشعال الحرب الإثيوبية السودانية أشهراً يحقق هدفه في إنفاق الوقت من دون ضغوط في ملف سد النهضة، ذلك أن حساباته قد تذهب إلى أن الحرب يمكن حسمها في شهور. من هنا يستطيع الإقدام على الملء الثاني بلا اتفاق.

هل تنتصر كوابح الحرب على معطياتها؟

كوابح الحرب المحتملة، قد تتبلور إذا نجح السودان في تحقيق إسناد عسكري مصري سريع، وهو أمر مرجح الحدوث، نظراً للتحالفات السابقة بين البلدين والممتدة منذ حرب 1967 إلى حرب 1973، التي تتعزز دائماً في حال تعرض أي من البلدين لمخاطر استراتيجية.

ومثل هذا التحالف مهدد واقعي لإثيوبيا في ضوء خلافاتها مع مصر بشأن ملف النهضة من ناحية، ووزن المؤسسة العسكرية فيها من ناحية أخرى، في ضوء طبيعة تطوير تسليحها، وافتقاد أديس أبابا عناصر مقاتلة لتغطية عملياتها العسكرية، حيث اضطرت في حربها ضد التيغراي إلى سحب عناصر مقاتلة من قواتها لحفظ السلام في كل من الصومال وجنوب السودان.

في هذا السياق، ربما يلعب المكون المدني السوداني وقواه السياسية دوراً في دعم مسارات الحكومة لعدم التورط بحرب حالياً، نظراً إلى احتياج الخرطوم للتركيز في ملفاته الداخلية التي تواجه توازنات حرجة، وتجعل الاستقرار السياسي والتعافي الاقتصادي على المحك، بالنظر إلى ضرورة التركيز على إنجاح تنفيذ اتفاق السلام السوداني، والتفاعل مع الإدارات والمنظمات الغربية بشأن إسقاط الديون، وطلب القروض المالية، فضلاً عن إجراءات إعادة دمج البلاد في عجلة الاقتصاد العالمي، وكلها ملفات ضخمة تحتاج إلى وحدة القدرات الداخلية لا شرذمتها.

وتوجد كوابح أخرى بطبيعة الحال، منها التحركات الخليجية، خصوصاً الإمارات لنزع فتيل الحرب، ذلك أن نشوب صراع عسكري في بين السودان وإثيوبيا يُهدد بيئة استثمارات هذه الدول من جهة، ويُعرّض أمن البحر الأحمر، وربما العلاقات العربية المتداخلة في منطقة القرن الأفريقي إلى مخاطر، خصوصاً مع الاستقطابات المحيطة بلمف سد النهضة، ما يجعل الخسائر العربية من اندلاع حرب حاضرة بدورها.

إجمالاً، يجب أن تنتصر كوابح الحرب على معطياتها، وأن يتخلى أًصحاب المصالح عن الاندفاع إليها، فنحن نعيش في منطقة فيها من الكوارث الإنسانية ما يكفيها ويفيض.

إندبندنت


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.